لم تعد تفصل عن موعد افتتاح السنة القضائية إلا أشهر قليلة، إذ ينتظر، في يناير المقبل، أن يأذن بذلك جلالة الملك، بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، لتنطلق محكمة النقض، بهذا الطقس السنوي، وتليها بعد ذلك باقي محاكم الاستئناف بالمملكة، لتقييم الحصيلة والمجهودات، وأيضا وضع إستراتيجية العمل خلال السنة المفتتحة، تستهدف تطوير الأداء القضائي وتحسين الخدمات المقدمة للمتقاضين، وتعزيز دور القضاء ومؤسسات العدالة في دولة الحق والقانون. ولا يمكن لمتتبع إلا أن يثمن التطور الذي عرفته حصيلة المحاكم في عهد استقلال السلطة القضائية، وتنزيل مختلف المخططات الرامية إلى تعزيز ثقة المتقاضين وتسهيل الولوج إلى المحاكم، وغيرها من المبادئ التي يسهر عليها كل من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى ورئيس النيابة العامة، حسب اختصاص كل واحد منهما. وتأتي المناسبة لاستعراض حصيلة أداء المحاكم، وتكون الملفات المتخلفة، أو ما يصطلح عليه في جداول إحصائيات عمل المحاكم، بـ "المتخلف"، منظارا ومقياسا للتقييم والنجاعة، إذ أنه لم يعد مقبولا تعثر الملفات بالمحاكم، بل أصبحت قاعدة البت داخل أجل معقول، مبدأ دستوريا وحقا من حقوق المتقاضين وشرطا من شروط المحاكمة العادلة ومعيارا من المعايير، التي تقاس بها نجاعة النظام القضائي وأداء المحاكم من مختلف درجاتها وتخصصاتها. ومع التطور والتحديث الذي عرفته منظومة العدالة، من خلال تبني سياسة الرقمنة، فإن الرقابة على الملفات، أصبحت متاحة أكثر، إذ يمكن للسلطات المركزية، في ظرف وجيز أن تقيم الأداء، بالضغط فقط على الأزرار والولوج إلى التطبيقات، التي وضعت رهن إشارة المهنيين والمتقاضين. فالرقمنة لا ينحصر دورها في تسهيل الارتفاق وتنظيم العمل أو الاطلاع على الملفات وغير ذلك، بل أصبحت دركي الأداء، تمكن من إطلاع المسؤولين على وتيرة أداء كل هيأة، فقط، عبر الضغط على أزرار الولوج إلى التطبيق. اليوم لم يعد مسموحا، ترديد عبارة "الضوسي ناعس"، التي دأبنا على سماعها، في وقت سابق، بل إن شكايات كانت تنسى حتى يسأم أصحابها من نيل حقوقهم، بل وقد تختفي ما يدفع إلى إعادة رفعها أو ضياع حق صاحبها بسبب التقادم، كما أن ملفات قضائية عمرت طويلا بمحاكم تعاقب عليها وكلاء عامون ورؤساء، بينما ظلت لا تبرح مكانها، ما كان يزيد من معاناة المرتفقين. اليوم أصبحت الشكايات والملفات مكشوفة على الموقع الخاص بالمحاكم، إذ يمكن للمعنيين بها، أن يتعرفوا على مآلها بواسطة أرقامها دون عناء التنقل إلى المحاكم، بل تتاح لهم حتى وإن كانوا خارج أرض الوطن. حقيقة لم يتحقق كل شيء، لكن يبدو، بفضل المجهودات المبذولة في السنين الأخيرة، أن الطريق نحو استكمال الإصلاح، أصبح معبدا أكثر من أي وقت مضى. المصطفى صفر للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma