يشعر المغاربة بالسعادة ما إن يعلن التلفزيون الجزائري عن عقد ندوة صحافية أو خطاب للرئيس عبد المجيد تبون، فهو "هبة السماء" للاستمتاع بساعات من الضحك، أشد متعة من أشهر المسرحيات الكوميدية. لا يمل عشاق تبون من تصريحاته، ولو امتدت ساعات طويلة، فهي تجربة فريدة لولوج عالم سريالي غريب، تختلط فيه السياسة بالجهل بأحداث تاريخية، مع الأخطاء في الأرقام والتعبيرات الجسدية التي تجعل أكثر الأشخاص كآبة يستلقي على قفاه من شدة الضحك. تبون هو صاحب مقولة "الاقتصاد الجزائري يحتل المركز الثالث عالميا"، وهو من وعد بتحلية 1.3 مليار متر مكعب من مياه الشرب يوميا بحلول نهاية السنة الجارية، وهو الذي ادعى أن الجزائر لديها قدرات لإطعام القارة الإفريقية بأكملها، مؤكدا أن الجزائر قادرة على إنتاج 30 مليون طن من الحبوب وتصديرها إلى دول مثل المغرب ومصر وتونس. ومن أغرب تصريحاته ادعاؤه أن القيصر نيقولا الثاني قدم وسام النسر الأبيض للأمير عبد القادر، متجاهلا أن القيصر لم يبدأ حكمه إلا بعد وفاة الأمير عبد القادر، كما نسب إلى جورج واشنطن هدية للأمير، رغم أن الأخير ولد بعد وفاة واشنطن بسنوات. ولأن تبون شعر بالملل من تصريحاته المثيرة، فقد قرر أن يتحف متتبعيه في آخر خطاباته بعبارة جديدة، أقسم كل من سمعها منه أنها ستشكل فتحا مبينا في لغة السياسيين مستقبلا. استخدم الرئيس الجزائري تبون عبارة "لن أذهب إلى كانوسا"، في سياق رفضه زيارة فرنسا. فمن هي "كانوسا"؟ اشتغلت محركات البحث بشكل منقطع النظير بحثا عن الكلمة ومعناها، فعشاق خطابات تبون متأكدون من استحالة إطلاقها عبثا من خياله، وهو الذي اعتاد خلط المفاهيم والوقائع، مما يجعل المتابعين في حيرة حول مدى إدراك الرئيس للواقع. عبارة "لن أذهب إلى كانوسا" تشير إلى حادثة تاريخية شهيرة خلال 1077، عندما اضطر الإمبراطور الألماني هنري الرابع إلى التواضع والذهاب إلى قلعة "كانوسا"، طلبا للعفو من البابا غريغوري السابع. وأصبحت هذه العبارة رمزا للاستسلام والخضوع، لذا استعملها تبون ليعبر عن رفضه لأي شكل من الإذلال أو الضغوط من فرنسا. لكن من دس كلمة "كانوسا" في عقل تبون لم ينتبه إلى أنه سقط في المحظور، فالرئيس طالما تلقى التوبيخ من فرنسا، خاصة في قضية الجماجم وتصريحات إيمانويل ماكرون حول تاريخ الجزائر، وبمكالمة هاتفية من قصر "الإليزيه" يطير فرحا إلى فرنسا... فمتى نشاهد تبون "في كانوسا" مجددا؟ خالد العطاوي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma