بعد سنوات من العمل بغرف الجرائم المالية في محاكم الاستئناف، أضحى من الممكن تقييم نجاعتها ومدى تحقيقها للغاية، التي أنشئت من أجلها، إن على مستوى العمل القضائي، الذي ترفع له القبعة في تدبير هذا النوع من الملفات، رغم قلة القضاة وكثرة الملفات، أو على مستوى تحقيق العدالة داخل المجتمع، وكبح هذا النوع من الجرائم المالية، والتي يظهر أنها مازالت بعيدة التحقيق. أبانت التجربة أن الجرائم المالية والجنايات المنصوص عليها في الفصول من 241 إلى 256 من القانون الجنائي، تنطوي على تقليص كبير لمفهوم الجرائم المالية، بحصرها في ما قد يرتكبه الموظف العمومي أو غيره من جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ والغدر، وما لا يمكن فصله عنها أو ما ارتبط بها من جرائم، والحال أن هناك جرائم أخرى توصف بالفساد المالي، بل هي الفساد المالي عينه، من قبيل التهرب الضريبي، الذي هو مد اليد إلى المال العام عن طريق استعمال الاحتيال للاحتفاظ به، ومن قبيل كل الأفعال المجرمة في القوانين المنظمة للشركات ومدونة التجارة، وما يقع، تحت غطائها، من جرائم أموال في إطار مساطر صعوبة المقاولة، والتلاعبات الخطيرة التي يتم اعتمادها، أليست كلها جرائم تمس المال العام، ووجب إدخالها ضمن خانة الجرائم المالية؟ في ظل الزخم التشريعي التي تجتهد الحكومة، في الوقت الحالي، لإخراجه، خاصة القانون الجنائي، تدعو الضرورة إلى إعادة النظر في ما يخص الجرائم المالية، لا من حيث العقوبات لأنها أكدت، بالواقع الملموس، أنها لم تحقق الردع المطلوب في كبح هذا النوع من الجرائم، الذي هو في ازدياد مضطرد، ولا من حيث الخصوصية التي أعطيت لها والتي تتطلب بالمقابل أن تشمل العديد من التدابير المتعلقة بها، وأهمها إخراجها من جبة التقادم المنصوص عليه قانونيا، ووضعها ضمن الجرائم التي لا تخضع للتقادم، مهما مر من سنوات على ارتكابها، فمادام أن التوجه في تدبير هذا النوع من الجرائم لم يحقق الردع المطلوب، فقد وجب إعادة النظر فيها، لا من حيث توسيع الأفعال التي تدخل في خانتها، وليست فقط تلك المنصوص عليها في الفصول من 241 إلى 256 من القانون الجنائي، ولا من حيث اعتبارها جرائم لا تخضع للتقادم، ثم حرمان المتورطين من الاستفادة من العفو، ولعل هذه التدابير تكون فاعلة ومفيدة ورادعة، بالإضافة إلى الحجز على أموال المتهمين والمدانين فيها، فالغاية ليست فقط الحكم على المدانين بالسجن النافذ أو الموقوف، وكفى الله المؤمنين شر القتال، ولكن الغاية منها أيضا، إضافة إلى المحاسبة، استرجاع الأموال المنهوبة، حتى يمكن الحديث عن محاربة مثل هذه الجرائم. فما معنى أن تضيع الدولة في مئات الملايين من الدراهم، وتكتفي بسجن ناهبيها الذين ربما يستفيدون من عفو أو تخفيض العقوبة ويغادرون السجن، للاستمتاع بما نهبوه؟ كريمة مصلي للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma