الإحصاء في سوس… تعبئة شاملة

تفاعل سكان جهة سوس ماسة بكل ترحيب مع الباحثين المكلفين بالإحصاء العام للسكان والسكنى، معبرين عن وعيهم بأهمية هذا الورش الوطني في تحسين التخطيط التنموي، وبفضل المجهودات الكبيرة التي بذلتها المندوبية السامية للتخطيط مع مختلف شركائها وعلى رأسهم وزارة الداخلية، إذ تم تسخير فرق محلية من الباحثين الميدانيين، ما عزز الثقة وسهل عملية جمع المعلومات بدقة وسلاسة. هذه المقاربة الميدانية المتكاملة تأتي في إطار السعي لإنجاح هذا المشروع الوطني، الذي يُنفذ وفق تعليمات جلالة الملك محمد السادس وتوصيات الأمم المتحدة، لضمان توفير قاعدة بيانات شاملة تخدم تنمية البلاد. إنجاز: عبد الجليل شاهي (أكادير) تستمر للأسبوع الثاني على التوالي العملية السابعة للإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024 في مختلف مدن وقرى المغرب تحت شعار "قيمة بلادنا بسكانها". يقوم المكلفون بالإحصاء ميدانيًا، إلى جانب المراقبين والمشرفين بجهة سوس ماسة، بالعمل منذ الساعات الأولى للصباح حاملين حقائبهم ولوحاتهم الإلكترونية، حيث تتوزع الفرق بين المناطق الحضرية والقرى النائية التابعة للجهة. صرح الحسين العربي، المشرف الجهوي على الإحصاء بجهة سوس ماسة، أن الزيارات الميدانية التي تشمل الأقاليم الخمسة والجماعات الحضرية والقروية تجري بشكل سلس وتلقى تجاوبًا إيجابيًا من الأسر التي أبدت تفهمًا كبيرًا لأهمية هذه العملية الوطنية. وأشار إلى أن الأسر تتفاعل بشكل إيجابي مع الإحصاء باعتباره واجبًا وطنيًا يتم كل عشر سنوات، حيث تُجمع المعطيات بسرية تامة كما يضمنها القانون. وأوضح أن شعار المرحلة للباحثين هو التواصل الدقيق مع الأسر دون إغفال أو تكرار، مشيدًا بالدعم الكبير من رجال السلطة والتنسيق العالي مع الفريق التقني وأعوان السلطة تحت إشراف العمال والوالي. وأكد العربي أن الفرق التقنية التي تعمل على الإحصاء خضعت لتدريب مكثف مكنها من أداء مهامها بنجاح باستخدام المعدات التقنية والمنهجية المتبعة. وأغلب هؤلاء الباحثين من الشباب والطلاب وحملة الشهادات، وأعلبهم من أبناء الإقليم، ما يسهم في تسهيل العملية في المناطق القروية بفضل معرفتهم الدقيقة بالمسالك والتجمعات السكنية والتقاليد المحلية. هذا الانتماء يسهم في بناء الثقة بين الباحثين والأسر، مما يسهل عملية الإحصاء ويضمن نجاحها. ورغم التعاون الكبير من قبل السكان، لم يخف المسؤول وجود بعض التحديات الميدانية، خاصة في المناطق القروية التي تتسم بمسالك طرقية وعرة وتوزع المباني السكنية على مسافات شاسعة، مما يضيف صعوبة في الوصول إلى جميع المواقع في جهة سوس ماسة. تعبئة الموارد البشرية واللوجستية انطلقت عملية تجميع المعلومات من الأسر في إطار العملية السابعة للإحصاء العام للسكان والسكنى، والتي تستمر حتى الثلاثين من الشهر الجاري، في خطوة إستراتيجية تهدف إلى تقديم صورة دقيقة وشاملة عن سكان المغرب وأوضاعهم السكنية، تنفيذًا لتعليمات الملك محمد السادس وتوصيات لجنة الإحصاء التابعة للأمم المتحدة. لضمان نجاح هذه العملية بجهة سوس ماسة، تمت تعبئة ثمانية آلاف فرد من الموارد البشرية، تشمل باحثين ومراقبين ومشرفين جماعيين، بالإضافة إلى رجال وأعوان السلطة. هذه الفرق موزعة بين المناطق الحضرية والقروية، حيث يعمل الباحثون في المدن على الأقدام بفضل قرب التجمعات السكنية، بينما تم توفير 850 سيارة وسائقين لدعم الفرق التي تعمل في القرى النائية، وذلك لتسهيل التنقل بين الدواوير والتجمعات السكنية. تتنوع فئات المشاركين في العملية، حيث خضع للتكوين 4800 شخص، يشكل الباحثون منهم 75%، بينما يمثل المراقبون والمشرفون 25%، والذين يشرفون على تأطير عمل الباحثين وضمان جودة البيانات المجمعة. وأشار المسؤولون إلى الدور الأساسي للنساء في العملية، حيث تبلغ نسبة الباحثات 45%، نظرًا لثقة الأسر في العنصر النسوي، خصوصًا في المناطق الحضرية. في المقابل، تم تجنب إرسال النساء للعمل في المناطق القروية الوعرة، باستثناء بعض النساء المحليات اللاتي يتمتعن بمعرفة جيدة بالبيئة والعادات المحلية، ما يسهل بناء الثقة بين الباحثين والأسر. أغلب المشاركين في العملية هم من حاملي الشهادات والطلاب، الذين يمثلون 60% من مجموع العاملين، بينما يشكل العاملون في القطاع التعليمي نسبة 32%. وتم أيضًا إشراك موظفي الإدارات العمومية والعاملين في القطاع الخاص والمتقاعدين، والذين يمثلون نسبة 8%. تواجه فرق الإحصاء تحديات كبيرة في المناطق النائية والوعرة، لا سيما في إقليم تارودانت، الذي يعد من أكبر الأقاليم على المستوى الوطني، ويضم أكثر من 90 جماعة، وإقليم طاطا، الذي يعاني شساعة الجغرافيا وتشتت التجمعات السكنية. لتجاوز هذه الصعوبات، تم الاعتماد على أبناء تلك المناطق، لأنهم على دراية بالمسالك والتضاريس وظروف العمل الصعبة. بالإضافة إلى ذلك، تم اتخاذ إجراءات خاصة لإحصاء الأشخاص بدون مأوى الذين يعيشون في الفضاء العمومي، وضمان شموليتهم ضمن الإحصاء العام، مع التغلب على التحديات اللوجستية، مثل ضعف تغطية شبكة الإنترنت في بعض المناطق الجبلية، عبر إرسال المعطيات مرة أو مرتين في اليوم لتجنب فقدانها. إحصاء المهاجرين باشتوكة يشهد إقليم اشتوكة أيت باها تزايدا ملحوظا في عدد المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة بسبب توفر الضيعات الفلاحية التي تحتاج إلى اليد العاملة الأفريقية. وأوضح الحسين العربي، المندوب الجهوي للتخطيط بجهة سوس ماسة، أن هذه الظاهرة قد شكلت تحدياً للباحثين المعنيين بإحصاء المهاجرين بسبب صعوبات التواصل الناجمة عن رفض بعض المهاجرين استخدام اللغتين الفرنسية أو الإنجليزية، إضافة إلى التخوف الذي يبديه هؤلاء في التعامل مع الباحثين. هذا التوجس يساهم في قلة تجاوب المهاجرين وصعوبة جمع المعلومات المطلوبة. وأشار العربي إلى أن هذا الواقع دفع إلى التعاون مع الأمم المتحدة وجمعيات معنية بالهجرة في إنزكان لتكوين مجموعة من المهاجرين، الذين يطلق عليهم "رؤساء التجمعات"، وذلك من أجل تسهيل عملية التواصل مع المهاجرين والمشاركة في حملات التوعية. يلعب هؤلاء المهاجرون المدربون دور الوسيط بين الباحثين والمجتمع المهاجر، ما يساعد في تحسين عملية جمع المعطيات خلال فترة الإحصاء في اشتوكة أيت باها. وفي إطار توصيات الأمم المتحدة، يهدف الإحصاء إلى شمل جميع المهاجرين واللاجئين بغض النظر عن وضعيتهم القانونية، سواء كانوا ضمن أسر أو أشخاص بدون مأوى، أو في مؤسسات كالضيعات الفلاحية والمستشفيات والسجون، وتُعتبر هذه التجربة فريدة من نوعها على المستوى العالمي، حيث تساهم مجموعة من المهاجرين المقيمين بشكل قانوني في المغرب في تسهيل التواصل وجمع المعلومات الدقيقة، وهو أمر بالغ الأهمية لتحيين أو وضع إستراتيجيات جديدة للهجرة واللجوء في البلاد. وأشار العربي إلى أن المهاجرين واللاجئين يمثلون قيمة مضافة لأي مجتمع، إذا تم دمجهم بالشكل الصحيح، مذكّراً بأن دولاً أوربية استفادت من جهود المهاجرين في بناء اقتصاداتها. وأكد أن هذه المبادرة في المغرب تعد خطوة هامة نحو إدماج المهاجرين وتوفير رؤية أوضح عن أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. الأمازيغية والإحصاء تعد اللغة الأمازيغية جزءًا أساسيا من الهوية الثقافية في المغرب، وتظهر أهميتها بشكل خاص في عمليات الإحصاء العام للسكان والسكنى. وفي هذا السياق، كشف الحسين العربي، المدير الجهوي للتخطيط بجهة سوس ماسة، عن حرص المندوبية على تعيين الباحثين الميدانيين بناءً على انتماءاتهم الجغرافية والثقافية، لذلك تم التركيز بشكل خاص على توظيف الناطقين بالأمازيغية في المناطق القروية والبوادي التي تتحدث بها، حيث يُعتبر الباحث الميداني الذي ينتمي إلى البيئة نفسها أكثر تقبلا من قبل السكان. هذا التوجه يهدف إلى تجاوز المشاكل التي واجهتها بعض مناطق الجهة في النسخ السابقة من الإحصاء، حينما لم يتقبل السكان الباحثين غير المحليين بالحفاوة نفسها. واستنادًا إلى توصيات الأمم المتحدة، يركز الإحصاء الحالي على مسألة اللهجات المحلية، بهدف الحفاظ عليها والعمل على عدم اندثارها. في هذا الصدد، أوضح الحسين العربي أن الإحصاء يتضمن سؤالا حول "اللغة الأم"، وهو ما يشير إلى اللغة التي تعلمها الشخص في سن الطفولة للتواصل داخل المنزل. كما يشمل الاستبيان أسئلة عن اللغات المحلية المتداولة، مثل الدارجة المغربية وتشلحيت وتمزيغت وتريفيت والحسانية، وغيرها من اللهجات ، هذا التوجه يهدف إلى رصد استخدام اللغات المحلية بناءً على توصيات الأمم المتحدة، بالتعاون مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي يحرص على تعزيز وحماية اللغة والثقافة الأمازيغية. ومن ضمن الأسئلة المطروحة، يوجد تساؤل حول مدى معرفة المواطنين باللغات المكتوبة، بما في ذلك اللغة الأمازيغية بحرفها تيفيناغ. هذا يعكس التزام المغرب بتعليم ونشر اللغة الأمازيغية، إلى جانب اللغات الأخرى كاللغة العربية والفرنسية والإنجليزية. وقد أكد العربي أن هذا لا يتعلق فقط بتسجيل الحاضر، بل برؤية طويلة الأمد تهدف إلى الحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية المتعددة في المغرب، بما فيها الأمازيغية، جزءا أساسيا من الموروث الثقافي الوطني. الرقمنة وحماية المعطيات تلعب الرقمنة دورا حيويا في حماية المعطيات الشخصية وتسهيل عملية الإحصاء، إذ أكد الحسين العربي، المدير الجهوي للتخطيط بجهة سوس ماسة، أن الإحصاء الحالي يتميز باستخدام التكنولوجيا الحديثة لضمان سرية وأمان المعلومات المجمعة، ويتم الاعتماد على تقنيات التشفير لحماية البيانات المتبادلة بين اللوحات الإلكترونية ومراكز المعطيات، بما يتماشى مع معايير الأمان العالمية. وأشار إلى أن القوانين تمنع بشكل قاطع أي جهة من الوصول إلى المعلومات الشخصية للمشاركين في الإحصاء، مما يضمن خصوصيتهم وحمايتهم. وأوضح العربي أن عملية تجميع المعطيات تتم من خلال تطبيق معلوماتي تم تطويره من قبل أطر المندوبية السامية للتخطيط، حيث تم تثبيته على لوحات رقمية تساعد الباحثين في تحديد الدوائر والمسارات المطلوبة بدقة. كما يسهل هذا التطبيق التحقق من صحة البيانات ومعالجتها على الفور، قبل إرسالها إلى مركز تدبير المعطيات. وأشار إلى أن ورش الرقمنة الذي بدأ منذ 2019 ساهم في ترشيد النفقات وتجنب الاعتماد على الاستمارات الورقية التي كانت مكلفة ومهددة أحيانا بالضياع أو التلف. وتعتبر الرقمنة اليوم عاملا حاسما في حماية المعطيات الشخصية بشكل أفضل، إذ يتم إرسال المعلومات فورا بعد جمعها من خلال استمارات إلكترونية، ويقوم المراقب بمراجعتها قبل إرسالها إلى الخوادم المركزية، مما يمنع الباحث من الوصول إليها مجددا. هذا النهج الرقمي ساهم في تحسين الكفاءة والسرعة، بالإضافة إلى توفير خرائط رقمية للمناطق التي يعمل فيها الباحثون، مما يسهل عليهم ملء الاستمارات بدقة عالية وفي الوقت المناسب. محتوى الأسئلة كشف الحسين العربي، المدير الجهوي للتخطيط بجهة سوس ماسة، أن إحصاء 2024 يتضمن مجموعة من الأسئلة الجديدة التي تركز على جوانب مهمة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين. من بين هذه الأسئلة، تم التركيز على الحماية الاجتماعية، خصوصا في ما يتعلق بالتغطية الصحية، وهي جزء من رؤية الدولة لتحسين مستوى الرعاية الصحية وضمان وصولها للجميع. يهدف هذا الجانب إلى معرفة نسبة المواطنين المنخرطين فعليًا في برامج التغطية الصحية ومدى تقدم الدولة نحو تحقيق الهدف المتمثل في تغطية 100% من السكان. كما تم التركيز على استخدام التقنيات الحديثة مثل الحواسيب والهواتف الذكية وشبكة الإنترنت، إذ تعكس هذه الجوانب التطور التكنولوجي ودوره في حياة المواطنين اليومية. ومن الأسئلة الجديدة أيضا، الاستفسار حول التسجيل في الحالة المدنية ونسبة الأمية. في هذا الإطار، تم تحديث السؤال حول الأمية ليشمل القدرة على القيام بالعمليات الحسابية الذهنية، حيث يُعتقد أن القدرة على الحساب تعد مؤشرًا للخروج من دائرة الأمية التقليدية. أشار العربي إلى أن الأسئلة المتعلقة بالإعاقة تم توسيعها لتشمل الإعاقات الحركية والحسية، بالإضافة إلى جوانب أخرى تتعلق بالتركيز والتفاعل الاجتماعي. هذا يأتي تماشيًا مع توصيات الأمم المتحدة لتقييم الوضع الاجتماعي والصحي للسكان بدقة أكبر، ومعرفة التحديات التي تواجه القطاعات المختلفة مثل التعليم والصحة. في سياق التعليم، لم يعد التركيز فقط على نسب التمدرس، بل تم التطرق إلى تفاصيل أكثر تعمقا حول مدى احتفاظ النظام التعليمي بالمتمدرسين في مختلف الأسلاك التعليمية. كما تم استعراض موضوع الخصوبة، حيث أصبح ينظر إلى الخصوبة في سن المراهقة ظاهرة تستوجب المتابعة الدقيقة، بالإضافة إلى الزواج المبكر وظاهرة زواج القاصرات التي كانت محور اهتمام كبير في هذه النسخة من الإحصاء. كما يستخدم إحصاء 2024 منهجية جديدة تضمن توفير معطيات دقيقة وشاملة تساعد في تتبع النموذج التنموي الجديد وأهداف التنمية المستدامة. لتحقيق هذا الهدف، تم إعداد استمارتين، الأولى قصيرة تشمل جميع السكان، وتهدف إلى جمع بيانات أساسية مثل القرابة مع رب الأسرة والجنس والجنسية والتسجيل بدفتر الحالة المدنية، إضافة إلى الهجرة الدولية وحالة الإسكان. أما الاستمارة الثانية، فهي موجهة إلى عينة مكونة من 20% من الأسر، وتتضمن تفاصيل إضافية حول الخصوبة والإعاقة والتغطية الصحية والهجرة الداخلية. كما تركز على القدرات الحسابية واللغوية، إذ يتم استفسار المواطنين حول اللغات التي يجيدونها سواء كانت مكتوبة أو محكية، ويتناول الإحصاء الجديد الظروف المعيشية للأسر، بما في ذلك حالة الإسكان والمواد الأساسية المستخدمة في البناء والمرافق المتاحة للسكان مثل الماء والكهرباء، وكذلك الطاقة المستخدمة في الطهو، إضافة إلى ذلك، يشمل الإحصاء معلومات عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومدى استخدامها في الحياة اليومية، مثل الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر والهواتف.

إشتراك سنوي (الجريدة الورقية + الموقع الالكتروني)

الإحصاء في سوس… تعبئة شاملة

تفاعل إيجابي بين السكان والباحثين لإنجاح العملية وتجاوز المعيقات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

طلبة في متاهات التوجيه بعد "الباك"

التعليم العالي... التميز أولا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات