تحولت من حصص تدريس "تكميلية" إلى قطاع قائم بذاته يدر الملايين تلجأ آلاف الأسر إلى تسجيل أبنائها ضمن قوائم التلاميذ، الذين سيستفيدون من الدروس الخصوصية، لأجل تقوية التعلمات لديهم، حتى قبل اجتياز الامتحانات. وتحولت الساعات الإضافية الخاصة، من مجرد حصص تدريس "تكميلية" لتحسين مستوى التلاميذ، إلى قطاع قائم بذاته انتعش أخيرا وسط الأسر، والتلاميذ والمدرسين، وأقر به كبار المسؤولين في وزارة التربية الوطنية. ورغم حدوث تحول في بنية الأسرة المغربية، بسبب تعلم الآباء، فإن ذلك لم يسهم في رفع نسبة مراقبة التلاميذ في المنازل وهم يراجعون دروسهم، بسبب غياب الاهتمام، وارتفاع نسبة استهلاك الهواتف المحمولة، والبرامج الإلكترونية الترفيهية، ما أدى إلى تراجع في جودة التعلم، وأظهر نكسة كبرى في هذا المجال. و كشف شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، نتائج إحدى الدراسات الكارثية، بأن 30 في المائة من التلاميذ فقط من يتمكنون من استيعاب وفهم المقرر بعد مرور 6 سنوات على الدراسة في الابتدائي، ما يعني أن 70 في المائة لا يتمكنون من ذلك، وأن 90 في المائة لم يتمكنوا من استيعاب المقرر، وأن 77 في المائة عجزوا عن قراءة جمل بالعربية، وأن 70 في المائة لم يتمكنوا من قراءة فقرة باللغة الفرنسية بطريقة سلسة لا تتعدى 15 كلمة، وأن 87 في المائة لم يتمكنوا من حل عملية قسمة 76 على 4 فقط. وغياب التربية، وضعف المراقبة الأسرية، وعدم مراجعة الدروس يوميا بالمنزل وبدور الشباب والمكتبات، وإنجاز الفروض في وقتها، وضع الأسر في موقف حرج، لأن التلاميذ يعانون ضعفا بينا في اكتساب التعلمات، والحفظ الذي لم يعد قائما، وعوض بمنهجيات جديدة في التعلم لم تسهم في تطوير المدارك لدى التلاميذ، ما أدى إلى استمرار الهدر المدرسي بنحو 330 ألف تلميذ. وبسبب تراجع وظيفة الأسرة والمدرسة، ودور الشباب في تربية الأطفال وتعليمهم، ومراقبة يومية لما يقومون به، لأجل مساعدتهم، انتعش "بزنس" الساعات الإضافية، من خلال استغلال تجار الأزمات لهذا القطاع الحيوي، لأجل مراكمة الأرباح على حساب الأسر، التي تكتوي بنار الغلاء. وعاد تجار الساعات الإضافية لعملهم بعد حصول إخفاق في رفع مستوى التلاميذ لأسباب موضوعية وذاتية، سببها أولياء التلاميذ من جهة، الذين لا يراقبون يوميا ما يقوم به أبناؤهم بعد عودتهم من المدرسة، والمدرسون من جهة ثانية، الذين لا يسعون إلى تطوير مهارات التلقين لتجنب تخلف التلاميذ، علما أن بعضا من هؤلاء المدرسين يقدمون خدمات الساعات الإضافية، التي يتفنون في القيام بها بخلاف قاعة الدرس، إذ أظهرت إعلانات جديدة في أبواب المحلات التجارية، وقرب الشبابيك البنكية، والمقاهي، والمطاعم، وعمارات، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أشخاصا يعلنون بدء تقديم دروس في مختلف المواد الدراسية، بل إن من هذه الإعلانات من لم يخف أصحابها صراحة أنه يمكنهم تقديم دروس منزلية، واضعين أرقام هواتفهم لمن يرغب في ذلك، على أساس الأداء المالي في الوقت. ولاحظت جمعيات أولياء وآباء التلاميذ الارتفاع القياسي لطلبات تسجيل الأسر أبناءها في الساعات الإضافية الخاصة، والتشكي من الارتفاع الصاروخي لأسعار هذه الساعات التي قد تصل إلى 400 درهم في بعض الحصص، تحديدا تلك التي تشمل مواد الرياضيات، والفيزياء، واللغات الأجنبية، وغيرها من المواد العلمية، التي تتطلب المزيد من الشرح، والتي لا تراعي القدرة الشرائية للأسر. وحاولت وزارة التربية الوطنية تجنب تعميم الدروس الخصوصية، أو الساعات الإضافية بالترافع عن مدرسة الريادة لرفع مستوى التلاميذ بحصص إضافية للتقوية، ومع ذلك لم تقو على تدارك الخصاص لتحسين مستوى التعلمات، والمدارك، وترقية عمليات التفكير في الحلول، لأن الأساس في التربية هو التعليم الأولي ما قبل المدرسي، الذي وجب أن ينطلق بسن مبكرة من 3 سنوات لبناء شخصية التلميذ الطفل، وربح سنوات من الدراسة والتعلم، عوض جعل التعليم الأولي بمثابة دور حضانة ثان، لاحتضان صخب الأطفال، وهو أكبر خطأ ارتكبته الوزارة والأسر. أحمد الأرقام