وقعنا في شباك الاستهلاك التفاخري كيف تفسر تغيرات النظام الغذائي للمغاربة خلال السنوات الأخيرة، وذلك بالإقبال المتزايد على الأكلات السريعة أو "الفاست فود"؟ ما يلاحظه المهتمون بالنظام الغذائي أن بعض التغيرات طرأت عليه وذلك من خلال إقبال العديد من المغاربة على محلات الأكلات السريعة من أجل تناول وجباتهم خارج البيت، الأمر الذي لم يكن سائدا في المغرب منذ سنوات طويلة أو منذ قرون.وهذا التغير له أسباب أولها مرتبط باعتماد الدولة على نظام التوقيت المستمر في الإدارات العمومية وكذلك المعامل والمؤسسات الأخرى، الأمر الذي مس في الصميم تلك التراتبية التي كان يعتمدها المغاربة في النظام الغذائي، بحيث غابت بشكل شبه مطلق وجبة الغذاء التي كان يتناولها المغاربة في البيت وتم تعويضها للعاملين والموظفين بالخروج إلى المحلات القريبة من مؤسساتهم لتناول هذه الوجبة، وكذلك تزويد تلاميذ المدارس بوجباتهم الخاصة التي يتناولونها أثناء الفترة المخصصة لذلك. وبهذا الشكل لم يعد المغاربة يتناولون إلا وجبتين على أكثر تقدير في الصباح قبل الخروج إلى العمل وعندما يعودون في المساء.أما العامل الثاني فهو اقتصادي أساسا، إذ أن ضرورة الانفتاح على مؤسسات اقتصادية أخرى دفعت الكثيرين إلى إحداث محلات لتناول الوجبات أو فتح مطاعم للمزيد من الرواج الاقتصادي، خاصة أن كثيرا من المستثمرين يعتبرون أن المجال الغذائي في الوقت الراهن أحسن مجالات الاستثمار.وفي ما يخص العامل الثالث فيرجع إلى تعود العديد من المغاربة على تناول وجباتهم خارج البيت بفعل أنشطتهم أو بفعل وجودهم سابقا في دول غربية من أجل الدراسة أو العمل، الأمر الذي جعلهم بعد عودتهم إلى المغرب يستمرون وينهجون النظام الغذائي نفسه والتأثير على فئات أخرى داخل المجتمع التي حاولت أن تحذو حذوهم. إلى جانب النظام الغذائي طرأت تغييرات أخرى على نمط عيش المغاربة، فما تعليقك على الموضوع؟< هذه التغيرات لم تمس فقط النظام الغذائي ولكن ظهرت أنظمة أو سلوكات أخرى مثلا اللباس، إذ يلاحظ أن العديد من المغاربة أصبحوا لا يقتصرون على نوع واحد أو لباس واحد وإنما أصبحوا مهووسين أيضا بالاستهلاك وشراء ملابس قد لا يحتاجونها أحيانا.وما يمكن ملاحظته أيضا تعاطي المغاربة بما كان يعرف في بداية القرن العشرين في أوربا ما يسمى ب "الاستهلاك التظاهري" أو "الاستهلاك التفاخري" كثير من المغاربة الآن أصبحوا يتعاملون بهذه الظاهرة سواء في ما يتعلق بالتفاخر بأنواع السيارات أو المساكن أو الهواتف التي يقتنونها خاصة عندما تكون الأشياء غالية الثمن وذات جودة عالية، مما زكى هذا المظهر التفاخري بين الكثير من الفئات، إلى درجة أنه بدأ يعطي صورة متناقضة للمجتمع المغربي ويطرح سؤال: هل مجتمعنا مجتمع متقدم أم أنه من بين المجتمعات النامية أو الصاعدة؟ بحيث ما يمكن أن يشاهده المجتمع في الواقع لا يتطابق مع اقتصاد المغرب ونسبة نموه. من المستفيد في ظل نمط العيش الجديد عند شريحة واسعة من المغاربة؟أمام هذه المظاهر ونمط العيش الجديد يمكن أن نطرح السؤال التالي: من هو المستفيد؟ قد يبدو سؤالا سهلا ولكنه في الواقع تحفه الكثير من الضبابية والغموض، ربما من الوهلة الأولى يمكن أن نقول إن المستفيد الأول هو المواطن الذي يحظى بمثل هذه الأشياء وبالتالي المؤسسات التجارية والصناعية التي تروج مثل هذه الأشياء وتستفيد من مداخيلها، لكن الخاسر الأكبر قد يكون المجتمع عندما تتقوى فيه هذه التناقضات وتنتشر فيه مثل هذه المفارقات، إذ تظهر فئة تتمتع بكل شيء وفئات أخرى يضيق عليها الخناق اقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا إلى درجة كبيرة، وهو ما قد يؤدي إلى توترات اجتماعية واضطرابات قد تنسف كل هذا البناء.* باحث في علم الاجتماعأجرت الحوار: أمينة كندي