أعادت الوضعية المتأزمة للمجالس المنتخبة النقاش بخصوص جدوى الإبقاء على نظام الاقتراع باللائحة، وبروز أصوات حزبية تطالب بالعودة إلى الاقتراع الفردي الاسمي رغم مساوئه التي وسعت دائرة التزوير وفتحت المجال أمام سطوة السماسرة على العملية الانتخابية، وتعدد أساليبه في الضغط على الناخبين من خلال نظام الألوان. والملفت للانتباه أن مطلب العودة إلى الاقتراع الفردي جاء من جبهة المدافعين عن اللائحة قبل عقدين من الآن، وفي مقدمتهم الاتحاد الاشتراكي، الذي كان في عهد كاتبه الأول الأسبق، الراحل عبد الرحمان اليوسفي، أبرز المؤيدين للنظام اللائحي باعتباره سدا منيعا إزاء الفساد الانتخابي، لكن تبين أن مساوئه أكثر وخسائره أفدح إذا لم تتوفر بيئته. ومن جهتهم، يستند المدافعون عن النظام النسبي على قراءة خاصة لطبيعة مجتمع يمتاز بتعدده الثقافي والسياسي والعرقي للقول بأن النظام الانتخابي النسبي يسمح بتمثيل أوسع للتيارات السياسية المختلفة في البرلمان، ما يعكس التنوع الفكري والاجتماعي في المجتمع المغربي، رغم وجود خطر انبثاق حكومات ائتلافية تحتم على رؤسائها المعينين من الحزب الأول أن يكونوا شخصيات توافقية، إذ سيجدون أنفسهم مجبرين على التوافق مع أحزاب التحالف في سيادة قاعدة انتخابية مفادها عدم إمكانية وجود حزب يملك سلطة مطلقة داخل الحكومة. ورغم شبح "البلوكاج" المخيم على حكومات النظام اللائحي، إلا أن ذلك من جوهر الديمقراطية، بالنظر إلى التحالفات السياسية التي ما هي إلا تجسيد عملي لفكرة التعدد، بدليل أن الحكومات تصبح قائمة على التوافق بين الرؤى المختلفة، وليس على فرض رؤية واحدة، لأن النظام النسبي يسمح بتمثيل الأحزاب الصغرى، ما يعكس التنوع الحقيقي في المجتمع ويمنع إقصاء أي فئة من المشاركة السياسية. النمط الانتخابي المتبع حاليا يطرح تحديات التوافق السياسي والاستقرار الحكومي، خاصة عند اتخاذ القرارات الحاسمة، وذلك يعود في جوهره إلى التحدي المتمثل في إدارة التعددية، وهو امتحان حتم على الأغلبية الحالية نهج أسلوب الحوار المستمر بين أطرافها، وكذلك مع المعارضة عبر التفاعل بين مختلف الرؤى للوصول إلى فهم أشمل للواقع، في ظل مجتمع متنوع يطرح تحديا آخر لا يقل صعوبة، وهو المتمثل في الحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة وسط التعددية السياسية والفكرية. وتكمن صعوبة ملاءمة النظام النسبي في تحقيق التوازن بين احترام التعددية وضمان فعالية النظام السياسي في خدمة المصلحة العامة، والسعي إلى تدبير التنوع بطريقة سلمية تعترف بألا تيار سياسي يمتلك حقيقة مطلقة تمنحه الحق في التغول. ياسين قطيب للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma