هيأة المحامين بالجديدة تؤكد ألا هوادة في محاربة الفساد والانحراف أصدرت نقابة المحامين بالجديدة توقيفات لمدد مختلفة في حق محامين مخالفين، وأعلنت عبر منشور لها أنها استمعت لخمسة آخرين على ذمة ما بات يعرف في الجديدة "بيبية" المرتبطة أساسا بحوادث سير وهمية، فجرتها شكاية من إحدى شركات التأمين المتضررة، وأن النقابة ماضية في تنزيل عقابها على كل من تأكد ضلوعه فيها أو في قضايا أخرى تمس قسم المهنة، ما استشف منه طبعا أنه حان الوقت لصون " البيت الأزرق" مقر دار المحامي بالجديدة من كل الانزلاقات التي تنال من شرف المهنة ونبلها. وفي خضم كل هذا تبقى لائحة التأديبات مفتوحة على مصراعيها، مادامت "قضية بيبية" في بدايتها وتنذر بسقوط رؤوس عديدة من محامين ووسطاء وأطباء وأشخاص عددهم كبير راكموا مع مرور الأيام خبرة عالية، في التحايل على القانون باختلاق حوادث وإعاقات. إعداد: عبد الله غيتومي (الجديدة) ظلت الجديدة وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة من أكثر المدن التي سجلت حوادث سير، ضحاياها في الغالب من أصحاب دراجات نارية أو راجلين، وراجت بمحاكمها جلسات متعددة قضت بتعويضات مهمة لهم، كانت سببا في ظهور علامات تحسن على مستوياتهم المعيشية، بل منهم من أضحى يمتلك شققا ومحلات تجارية، في وقت كانت فيه خيوط اللعبة متشابكة في سيناريوهات متعددة، وراءها ضالعون آخرون جنوا من تلك الحوادث عائدات مهمة. وفي وقت ظلت فيه "البيبية" تتكرم بسخاء كبير على كل من وردت أسماؤهم في محاضر استماع بصفحات مجلدات، تفجرت القضية إثر شكاية تقدمت بها إحدى شركات التأمين المتضررة من تعويضات خيالية، بعد أن تأكد أن مسرح الحوادث الوهمية لا يبرح رقعة جغرافية بين ملك الشيخ وسانية المراقب ودرب لاحونا وسيدي موسى وبعض الأحياء الشعبية، وأن الضحايا يكررون أنفسهم في مشاهد مختلفة، مرة ضحايا محمولون على دراجات نارية، ومرات هم من كانوا يتولون القيادة، وفي كل المرات هم كالمنشار"واكل" في الطلوع والهبوط. وقاص يزيح الستار اقتطع المصطفى وقاص، المحامي بالجديدة، جزءا من وقته، حيث استوقف العديد من الحالات التي أظهر فيها بالملموس "وهمية الحوادث المصطنعة"، ومنها حادثة وقعت بتاريخ 31 غشت 2015. صرح فيها الضحية أنه تفاجأ بفتح باب سيارة مستوقفة على يمين سيره، أنه وهو الذي يعاني إعاقة بدنية ويمشي مستعينا بعكازين، سقط على الأرض ومعه ناقلته الهوائية وأنه أصيب بتوعكات سلمت له بصددها شهادة طبية مدة العجز بها 20 يوما، وأنه عاطل عن العمل ما يؤكد أن حرفته هي افتعال حوادث سير تدر عليه دخلا يتعيش منه. واستطرد وقاص في تحليله أنه "لوكانت النيابة العامة وشرطة حوادث السير تجريان بحثا اجتماعيا عن وضعية مثل هذه" الضحية" وبحثا جنائيا عن سوابقه في مجال حوادث السير وفي مجال الإجرام كذلك لتبين لهما أنه قبل 2015 وما بين 2020 افتعل عدة حوادث أخرى مماثلة، منها ما وصل إلى القضاء ومنها من لم يصل، ومنها ما وصل شركات التأمين ومنها ما "تفاصل بشأنها مع سائقي سيارات بمبلغ مالي قبضه في المكان عينه". وزاد وقاص" كان يجب التحقيق في الشهادة الطبية التي أنجزها الدكتور لفائدة الضحية بعجز كلي مؤقت مدته 35 يوما عن رضوض وكسر زعم الطبيب بأن الضحية أصيب به جراء الحادثة، في وقت اعترف فيه بأنه يعاني إعاقة بدنية في الرجل اليسرى نفسها، حتى أنه لا يتحرك إلا باستعمال عكازين دون أن يبين الدكتور، كيف أدت الحادثة المذكورة لعجز كلي مؤقت عن العمل لشخص معاق أصلا، وكيف لشخص لا يستطيع ضبط توازنه أن يمشي فوق الأرض منتصب القامة فأحرى أن يضبط توازنه على سرج دراجة هوائية". وأضاف وقاص "أن النيابة العامة بالجديدة تابعت سائق السيارة بجنحة الجرح الخطأ وأحالته على المحكمة الابتدائية وهذه الأخيرة قضت للضحية المزعوم بتعويض قدره 33801,16 درهم، علما أن الثابت من محضر المعاينة أنه لا وجود لأي اصطدام وأن الشهادة الطبية غير كافية لإثبات مادية الحادثة ما كان يتعين معه الحكم برفض الطلب، في وقت عللت المحكمة مؤاخذة السائق بما عاينته الضابطة القضائية من خدوش في الباب الخلفي للسيارة وكذا الشهادة الطبية المدلى بها" في وقت لم يتم الحديث عن الباب الأيسر أو الأيمن، وهل الخدوش ناتجة عن فتح الباب أم هي ناتجة عن فعل آخر، وهذه أمور كانت تستحق البحث والتمحيص لمتابعة الضحية المزعوم بالنصب والاحتيال عوض متابعة سائق السيارة بالجرح الخطأ، سيما أن الرسم البياني للحادثة يفيد أن الدراجة الهوائية وجدت وراء السيارة بمتر وعشرين سنتمترا". وفتح وقاص نيران انتقاداته قائلا" والأكثر غرابة هو أن الضحية يزعم بأن أحد ركابها فتح الباب الخلفي الأيسر ولم يقل بأن سائقها هو الذي فتح الباب، ولا دليل لما دونته الضابطة القضائية بمحضرها على وجود شخص آخر كان يركب مع السائق بالمقعد الخلفي، وهكذا فمثل هذه الأحكام العديمة الأساس الواقعي هي التي تشجع متصيدي حوادث السير الوهمية أو شبه الوهمية في التمادي في غيهم، بعد أن تذوقوا طعم تعويضات سخية عن إصابات وهمية". إيقافات ومحاكمات لم تكن القضية التي تفجرت قبل سنوات وحوكم فيها دركي ومشاركوه في قضايا فبركة حوادث وهمية بخريبكة آخر القضايا، بل وقبل ثلاث سنوات أوقفت أجهزة استخباراتية والشرطة القضائية ستة أشخاص متطرفين تتراوح أعمارهم بين 23 سنة و39 كانت لهم مخططات إرهابية تروم المس بالنظام العام لبلادنا وزعزعة استقرارها، عن طريق الحصول على الفيء والاستحلال من عائدات اختلاق حوادث سير وهمية. وبالجديدة تفجرت " قضية بيبية" في مارس من السنة الجارية، بشكاية من إحدى شركات التأمين المتضررة يتهم فيها أغيارا بالاستيلاء على مبالغ مالية غير مستحقة من حوادث وهمية، وأوقف أمن المدينة شقيقين من ذوي السوابق وجهت لهما تهمة الضلوع في شبكة إجرامية تنشط في النصب والاحتيال على شركات تأمين بواسطة فبركة حوادث وهمية، وبذلك انطلق شوط من البوح بأسماء محامين من هيأة الجديدة ووسطاء لهم وأطباء ذكروا بالأسماء، تم إيداع واحد منهم في انتظار البقية، كما اتسعت دائرة البحث التي يقودها المراقب العام المصطفى رمحان، لتشمل عددا كبيرا من المستفيدين الذين تكررت أسماؤهم في الاستفادة، وأيضا اتجه البحث في الوكالات المستعملة في سحب التعويضات نيابة عن الضحايا، بينما يتحسس العديدون رؤوسهم على ذمة البحث الذي مازال مفتوحا على العديد من المفاجآت والاحتمالات. ترند: زجر المخالفين عقب تفجر قضية الحوادث الوهمية بالجديدة عجت وسائل التواصل الاجتماعي بردود أفعال مختلفة، قاسمها المشترك حبور سكان المدينة، بأنها بداية لاستئصال ظاهرة أرقت الكثير من السائقين الأبرياء، وكتب أحدهم "حوادث السير الوهمية تحرك جيشا من الموظفين في الشرطة والوقاية المدنية وطواقم طبية وتعطل مواطنين عن عملهم وتنغص حياتهم وتجبرهم على الانتظار ساعات بالكوميساريات والمحاكم وتتسبب لهم في متابعات.. إنه هدر للجهد والوقت مقابل أن يكسب نصابون أموالا سهلة... لقد حان الوقت للضرب بقوة على أيدي مفبركي الحوادث ومن يشجعهم على ذلك". بينما وصل صدى الحوادث الوهمية قبة البرلمان ووجه النائب البرلماني المصطفى جداد كلامه إلى وزير العدل "ظاهرة افتعال حوادث سير وهمية تشكل خطورة بالغة على مستويات متعددة، منها خرق القانون من قبل العصابات المتورطة في هذه الأفعال والنصب والتزوير في المحاضر، حيث يلاحظ تكرار أسماء بعينها لمشتبه فيهم بافتعال هذه الحوادث التي تستنزف أموال المواطنين وتضر بشركات التأمين وأنه حان الوقت لزجر المتورطين وتشديد الخناق عليهم". فيما غرد ثالث من الجديدة "الآن فقط سنقود سياراتنا بكل اطمئنان في أحياء كور الحاج عباس وشارع جبران خليل جبران وعلى الطريق الرابطة بين مدارة حب الملوك وقصر العدالة، دون خوف من أن نكون ضحايا متابعة في قضايا حوادث سير وهمية". فيما رابع علق على فضيحة الحوادث الوهمية "فبركة الحوادث لا تقتصر على شريحة بدون دخل، بل أبطالها من كل الأطياف، فيهم محامون وأطباء وخبراء ووسطاء جمعهم تحالف تحقيق ربح سريع من اختلاق إصابات، ثم تقسيم العائدات، إننا فعلا أمام سيناريو فيلم سينمائي فيه أدوار مقسمة، والكومبارس هم في أغلبية الأوقات شباب عاطلون يتقمصون أدوار ضحايا، عادة ما يكون نصيبهم من الغنيمة أقل بكثير من الرؤوس الكبيرة، التي تقف خلف الستار". وغرد شخص خامس بنبرة حادة" يجب على المخزن أن يقوم بدوره لردع فحال هاذ النصابين الذين أفرغوا خزائن شركات التأمين، واغتنوا بشكل فاحش، لا يعقل أننا نلاحظ في جلسة واحدة من جلسات حوادث السير محاميا واحدا يهيمن على جميع الملفات بشكل رهيب، يدعو إلى التساؤل بل إلى الشك والارتياب". وقالت متدخلة سادسة في تدوينة لها "الحلقة القوية في فبركة الحوادث هم بعض الأطباء منعدمي الضمير، الذين لا يترددون في منح شهادات طبية بمدد عجز طويلة، عن إصابات غير موجودة في الواقع ، ويحددون نسب عجز كلي لا يقبلها العقل تماما، والتي عليها تحدد تعويضات سخية تسيل اللعاب وتشجع على التمادي في فبركة الباطل... أتمنى عقوبات رادعة لكل المتورطين في هذه الأفعال الجرمية الخطيرة حتى يكونوا عبرة لآخرين، ومن شأن كل ذلك صون شرف مهنتي المحاماة والطب وتنقيتهما من المفسدين والمتلاعبين". شرف المهنة خط أحمر صرح النقيب حميد بسطيلي لـ"الصباح"، أن قيام نقابة هيأة المحامين بالجديدة، باتخاذ إجراءات تأديبية في حق بعض المحامين المخالفين، يندرج ضمن توجه عام يروم التخليق وصون المهنة من جميع الانزلاقات الماسة بها، وزاد قائلا" منذ انتخاب مكتب الهيأة أصدرنا مجموعة المناشير الموجهة إلى الزملاء والزميلات المنتمين إليها، بضرورة العمل وفق الضوابط المهنية اللازمة، وأنه رصدنا مجموعة المخالفات في حق البعض وبعد الاستماع إلى المخالفين وفق ما يفرضه القانون، أحيلوا على المجلس التأديبي الذي قرر الإيقاف النهائي عن العمل لمدة سنة في حق واحد منهم ، ولمدة شهرين في حق محاميين". واستطرد النقيب"لما تفجرت قضية حوادث السير الوهمية وبمجرد أن بلغنا ورود أسماء بعض المحامين في 22 يوليوز 2024 في محاضر استماع لدى الضابطة القضائية، التي تسهر على البحث فيها، تم استدعاؤهم وعددهم خمسة محامين من قبل مؤسسة النقيب، واستمعت إليهم شخصيا، وقررت متابعتهم وإحالتهم على المجلس التأديبي، الذي له الصلاحية في ترتيب الجزاءات التأديبية من عدمها، وأن لائحة الاستماع إلى آخرين مازالت مفتوحة". وختم النقيب حميد بسطيلي" إن النقيب والمجلس يعلنان أنه لا هوادة في محاربة الفساد مهما كلف الثمن، وإنه لن نسمح لأحد أن يكسب على حساب شرف المهنة، مع التشديد أن التخليق يجب أن يشمل الجميع". حميد بسطيلي** نقيب هيأة المحامين بالجديدة