لا يمكن التعامل مع مهنة الطب بمنطق التجارة، ففي كل بلدان العالم يسير القطاع الصحي بآليات محصنة ضد المضاربة المتوحشة، على أن تبقى شخصية الطبيب الحلقة الأقوى في ضمانة الحق في الحياة، كما هو الحال بالنسبة إلى القاضي في محراب الحق في المحاكمة العادلة. لكن الأصوات المنبعثة من محيط مستشفياتنا العمومية تحذر من انحرافات خطيرة تهدد رسالة تلك المهنة النبيلة، آخرها استنكار النقابة الديمقراطية للصحة، لما اعتبرتها حالات فساد شاذة مسيئة إلى هيأة الأطباء ومخالفة لبنود قسم أبقراط، بالتهافت على الإثراء السريع وتحويل المهنة إلى جشع تجاري. لم يعد مسموحا السكوت عن ممارسات تهدد الحق في الحياة والسلامة الجسدية، من قبيل ما يقع في بعض أجنحة المستشفى الجامعي ابن رشد بالبيضاء، التي فاقت نسبة الإماتة فيها 50 في المائة، في ظل استفحال ظاهرة الأساتذة الأشباح بحكم اشتغالهم بمصحات خاصة، مثل مستشفى الشيخ خليفة وكلية طب خاصة والمزاوجة بين مناصب جامعية ورئاسة مصالح بمستشفيات عمومية. وكيف يعقل أن يتم إجبار المرضى على اقتناء معدات من شركات بعينها، بناء على وصفات يصدرها الأطباء المشرفون، في غياب الزجر والمحاسبة عن المسؤولية والبحث في سجلات المرضى، التي تضم أدوات غير معتمدة من إدارة المستشفيات الجامعية يتم اقتناؤها خارج الضوابط القانونية، وسط شكوك بتواطؤ الشركات الخارجية مع أطباء لمضاعفة هوامش الربح. وتؤكد تسريبات جمعيات حماية المال العام أن عددا من كبار موظفي المستشفيات، هم أشباح يتقاضون أجورهم من المال العام دون الحضور إلى الأقسام التي يرأسونها، بعد تعيينهم في مؤسسات استشفائية خاصة، ويزاوجون بين الأجر الممنوح من ميزانية الدولة، والأجور السمينة التي تمنح لهم من قبل الخواص. وتسلل الريع إلى المستشفيات العمومية، عبر آلية الوضع رهن الإشارة التي تعمد إليها وزارة الصحة، بالنسبة إلى أشخاص يتم التمديد لهم في الوظيفة العمومية رغم اشتغالهم بمصحات خاصة، ما يطرح علامات استفهام حول منح هذا الحق لموظف أنهى سنه القانوني وأصبح في خبر المتقاعد. لا حياة لمن ترفع لهم تظلمات المواطنين والجمعيات، ولم تعد هناك جدوى من الشكايات التي تتوصل بها إدارات المستشفيات والوزارة الوصية، وكذلك النيابة العامة، إذ لم تتجرأ المصالح المعنية حتى على إجراء تتبع إداري، ولم تحرك المصالح المركزية في الرباط ساكنا، وكذلك كان مآل الأبحاث القضائية، التي بوشرت منذ سنوات عديدة، دون أن تصل إلى نتيجة. ياسين قطيب للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma