المحكمة لا ترى موجبا لاستدعاء الشهود!!

يحدث في بعض القضايا أن يستمع قاضي التحقيق لأشخاص بوصفهم شهودا في ملف معروض عليه، ثم عند إحالة القضية على هيأة الحكم يطلب دفاع المتهم أو الأخير أو أي طرف آخر له مصلحة الأمر باستدعاء الشهود المستمع إليهم من قبل قاضي التحقيق، فتقرر المحكمة إرجاء البت في الطلب إلى حين مناقشة القضية، إلا أنها أي المحكمة ما تلبث وهي تصدر مقررها إلا أن تصرح برفض الطلب وألا داعي لذلك مادام أن أولئك الأشخاص استمع إليهم قاضي التحقيق وبعد أدائهم اليمين القانونية وتصريحاتهم أوشهادتهم تلك هي شهادة قضائية كذلك، ثم تأخذ بما جاء في تلك الشهادة. ونروم في هذا المقال والمقام تسليط الضوء على هذا التوجه القضائي، محاولين إبراز مكامن الخلل ومواطن الزلل في هذا العمل القضائي، بناء على نصوص القانون. أولا: المسطرة أمام المحكمة إن مسطرة المحاكمة أمام المحكمة الزجرية، سواء تعلق الأمر بالجنح، أو الجنايات هي مسطرة تواجهية شفاهية، أي أنه من حق المتهم ومن حق النيابة العامة و من حق الطرف المدني مواجهة الشهود وجها لوجه، ومن حق أولئك الأطراف – بعد إذن المحكمة – بعد مواجهتهم بالشهود أن يطرحوا أسئلتهم و استفساراتهم عليهم، ومن الواجب على المحكمة كذلك أن تقوم بتمحيص تلك الشهادة وإعطائها القيمة التي تستحق إن أخذا أو ردا، فتمحيص الشهادة تمحيصا دقيقا، هو سبيل من بين السبل الموصلة للحقيقة القضائية. وهذا ليس منة من أحد، بل هو صحيح القانون والتطبيق السليم لنصوصه، إذ حسب م 287 من قانون المسطرة الجنائية، فإنه لا يمكن للمحكمة أن تبني مقررها إلا بناء على حجج عرضت ونوقشت شفهيا وحضوريا بالجلسة أمامها، وبالتالي في غياب الشهود الذين حضروا أمام قاضي التحقيق ولم تستمع إليهم المحكمة فإن مقررها متى اعتمد على شهادة أولئك الشهود يبقى للقانون منتهكا. ثانيا: التمييز بين أدلة التحقيق وأدلة المحاكمة لا غرو أن مهمة قاضي التحقيق هي جمع الأدلة الكافية للمتابعة، ومتى لم يتحصل من خلال تحقيقه على أدلة كافية للمتابعة إلا وبات عليه لزاما إصدار أمر بعدم المتابعة، فقاضي التحقيق متى وجد من الأدلة ما يكفيه إلا وأصدر أمرا بالإحالة على هيأة الحكم، بينما الأخيرة متى شكت برأت انتصارا للمادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية، واعتبارا للمبدأ القانوني الشهير أن الشك يفسر لصالح المتهم. فضلا عن هذا، فقاضي التحقيق حتى ولئن أحس بأن شهادة ما مشوبة بالمحاباة أو التحامل أو ما شاكل ذلك، فإنه ليس بوسعه استبعادها، بل تعتبر من بين الأدلة التي يمكن اعتبارها دليلا كافيا لإصدار أمر بالمتابعة والإحالة على هيأة الحكم، ويبقى للأخيرة مهمة تمحيص و تقييم تلك الشهادة، إذ أن قاضي التحقيق ليس منوطا به الاقتناع الوجداني، ذلك أن الاقتناع منوط بهيأة الحكم. ثالثا: الاقتناع الوجداني غير خاف على الممارسين والمهتمين ألا سبيل لإصدار حكم بالإدانة، إلا في ظل وجود وسائل إثبات تقتنع بها المحكمة اقتناعا وجدانيا، أو ما عبر عنه منطوق م 286 بالاقتناع الصميم للقاضي، فالقاضي الزجري لا يبرر لماذا ولا يعلل لماذا اقتنع بل يعلل بماذا اقتنع. لكن هل من سبيل لاقتناع قاض بشهادة لم تؤد أمامه؟، في اعتقادنا أن مناط تكوين القناعة الوجدانية بشهادة ما من عدمه رهين بمثول ذلك الشاهد أمام المحكمة فالاقتناع الوجداني قوامه سلوك معنوي أو نفسي، هذا السلوك الذي لا يمكن النفاذ إلى فحوى وكنه شهادة الشاهد إلا بحضوره أمام المحكمة ومثوله أمامها لترى تحركاته وحركاته وسكناته، و هي تمحص تلك الشهادة التمحيص القانوني الواجب، فالقاضي الزجري ليس كالقاضي المدني، فالأخير قاض تقني أو إن شئنا قلنا هو قاضي الوثائق، وتبعا لذلك أعتقد أن الوصول إلى درجة الاقتناع الوجداني لا يمكنه أن يتحقق و نحن نستنطق شهادة مسطورة بمحضر سماع شاهد، حتى ولئن كان ذلك تحت إشراف مؤسسة قضائية ممثلة في قاض للتحقيق. رابعا: لماذا حضور الشاهد بالجلسة؟ إن مفهوم شهادة الزور تعرض له المشرع في ف 368 من مجموعة القانون الجنائي، حيث نص: " شهادة الزور هي تغيير الحقيقة عمدا، تغييرا من شأنه تضليل العدالة لصالح أحد الخصوم أو ضده، إذا أدلى بها شاهد، بعد حلف اليمين، في قضية جنائية أو مدنية أو إدارية، متى أصبحت أقواله نهائية» . لكن متى تصبح أقوال الشاهد نهائية؟ إن العنصر الزمني والإجرائي لاعتبار شهادة شاهد ما نهائية، خاصة أمام غرفة الجنايات، هو حضور ذلك الشاهد أمام المحكمة وأداؤه لشهادته أمامها وتنبيهه حيث يتعين على الرئيس، قبل الإعلان عن اختتام المناقشات، سواء توبعت مناقشة القضية الرئيسية، أو ظهر من الضروري تأجيلها لجلسة مقبلة، نظرا لأهمية الشهادة المظنون زورها، أن يحث للمرة الأخيرة الشاهد على قول الحقيقة وينبهه بعد ذلك إلى أن تصريحاته ستعتبر من الآن نهائية، مع ما يمكن أن يطبق عليها من العقوبات المقررة لشهادة الزور، تبعا للمادة 425 من ق م ج. وعليه واعتبارا لكل ما سبق، نعتقد أن التوجه القضائي الآخذ بشهادة شاهد لم يحضر أمام المحكمة، يبقى توجها قضائيا معيبا من الناحية القانونية الموضوعية والمسطرية، وهو ما ينبغي معه إعادة النظر فيه. * محام بهيأة المحامين بالبيضاء

المحكمة لا ترى موجبا لاستدعاء الشهود!!

العنصر الزمني والإجرائي لاعتبار شهادة شاهد ما نهائية خاصة أمام غرفة الجنايات هو حضوره أمام المحكمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سرقة تفضح قصة حب بطلتها طفلة

120 موقوفا في حملة أمنية بتيفلت

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات