ولى ذلك الزمن الذي كان فيه المغرب أكثر دول المنطقة اكتفاء من وفرة المياه، إلى حد أنه وصف في إحدى أغاني العندليب الأسمر ببلد الماء والخضرة والوجه الحسن، في وقت بدأت حرب الموارد المائية تدق طبولها. لكن النخب السياسية لم تواصل الانخراط في السياسة المائية، التي وضع أسسها الملك الراحل الحسن الثاني، الذي أحب نعته بباني السدود لأن بعد نظره جعله يدرك أن حرب البترول لن تقع، وأن المادة التي ستستنفر جيوش العالم هي حرب الماء، وجنب البلاد محنة البحث عن موارد جديدة لعقود. لكن العمر الافتراضي للسدود اقترب من نهايته مع بداية الألفية الثالثة، إلى حد أن دولة جارة مثل إسبانيا دخلت زمن مرحلة ما بعد السدود، إذ اختارت الجارة الشمالية خيار تدمير السدود بعد شيخوختها واستبدالها بجيل جديد من المنشآت المائية، فاتحة المجال أمام الحكومة المحلية لإيجاد البدائل الملائمة لكل جهة على حدة. ولم تكن الجهات المغربية في مستوى المسؤولية، وصدقت تلك التعبيرات المتشائمة لخبراء القانون الإداري الذين أجمعوا على أن تجربة الجهوية الموسعة ستكون على مقاس أكتاف الرؤساء الأوائل، وكانت الحصيلة ضعيفة خاصة في مجال توفير المياه، على اعتبار أنها مسألة أكبر من صلاحيات الجماعات المحلية، ولا يمكن النهوض بها إلا بوحدات ترابية تتطابق أو تكاد مع مساحات الأحواض المائية. ورغم انتباه بعض الرؤساء إلى خطورة ملف الماء، كما هو الحال بالنسبة إلى المصطفى الباكوري، أول رئيس لجهة البيضاء – سطات أمين عام "البام" آنذاك، الذي كان عنوان أول لقاء جهوي له "كيف للجهة أن تعتمد في تزويدها بالماء على جهات أخرى"، منبها إلى ضرورة البدء في تحلية مياه البحر، لكن وقف التنفيذ أجل كل الأفكار إلى أجل غير مسمى. إن تفاقم إشكالية الماء سببه انعدام المقاربة الاستباقية في عمل حكومات سابقة، بفعل استسهال ما جاء به دستور2011، إذ عوض الوزير الأول برئيس حكومة يملك سلطة على الوزراء من أجل تنزيل توجيهات الملك، بصفته رئيس الدولة، وهذا يفترض امتلاك رئيس الحكومة القدرة على إعمال منطق التحكيم والتأطير والتقييم لكل الوزراء بدون استثناء وتحديد الأولويات. ربما لم يكن الماء أولوية بالنسبة إلى حكومتي العدالة والتنمية، لذلك لم تول رئاسة الحكومة في الفترة بين 2011 و2021، الاهتمام اللازم للقطاع الذي تناوبت عليه شرفات أفيلال وعبد القادر عمارة. تحاول الحكومة الحالية تدارك التأخر بمشاريع، من قبيل الطريق السيار للماء بين أبي رقراق ومحطات تزويد شمال البيضاء والرباط، وهو المشروع الذي تعطل عشر سنوات قبل أن يرى النور مع الحكومة الحالية، التي فرض عليها خيار تغيير الأولويات، بتسريع أجندة إنجاز مشاريع محطات تحلية مياه البحر. ياسين قطيب للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma