رفضت تطاول القانون التنظيمي للهيأة الوطنية لمحاربة الرشوة على اختصاصات القضاة أثار مشروع القانون المتعلق بالهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ردود فعل قوية داخل لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، وصلت حد تحذير الحكومة من مغبة تحويل هيآت الحكامة إلى "محاكم تفتيش" مالية، وذلك بالنظر إلى مضامين القانون التنظيمي المذكور الذي يتطاول على اختصاصات القضاة.واعتبرت القراءة الدستورية والقانونية، التي تقدم بها عضوا اللجنة عبد اللطيف وهبي، عن حزب الأصالة والمعاصرة، وحسن طارق عن الاتحاد الاشتراكي، أن الهيأة ستجد نفسها في تقاطع بين وظيفتها غير الواضحة المعالم وتماهيها مع الدور المنوط بالقضاء في محاربة الفساد، على اعتبار أنها كلفت بعدة مهام تدخل في اختصاصات النيابة العامة، دون تمكينها من الوسائل المادية لذلك، إذ "نجدها تتلقى حتى الشكايات والتبليغات والمعلومات".كما تستغرب الوثيقة منح الهيأة إمكانية التأكد من حقيقة الأفعال والوقائع في مجال الرشوة والفساد، رغم أن ذلك من صميم الممارسة القضائية، لأن البحث في حقيقة ومدى صحة التصرفات بغض النظر على أنه سلوك اجتماعي فهو يبقى من كنه العمل القضائي، بالإضافة إلي الحق في القيام بعمليات البحث والتحري في حالات الفساد، الأمر الذي يحمل في طياته إخلالا بمبدأ استقلالية السلط.كما تحيل الدراسة على مقتضيات الفصل 239 من القانون الجنائي، الذي يمنع على أي مسؤول أو حاكم إداري الفصل في مسألة من اختصاص المحاكم، علما أن النيابة العامة جزء لا يتجزأ من هذه المؤسسات، وبالتالي لا يمكن أن تتدخل الهيأة "إلا في إطار إعداد برامج الوقاية ونشر قواعد الحكامة وبرامج التوعية وإبداء الرأي"، على اعتبار أن أي مؤسسة خارجة عن السلطات الثلاث "التنفيذية، التشريعية، القضائية" تملك نوعا من الاستقلالية لا يعطيها الحق مطلقا في أن تقوم بمهام مؤسسة دستورية مستقلة كالسلطة القضائية.وشدد النائبان على أن الاختصاص القضائي يضع الهيأة في تضارب صارخ مع مبدأ فصل السلط ومع الضمانات الممنوحة للمواطنين في إطار المسطرة الجنائية والقانون الجنائي، والتي لا تخضع لهما هذه المؤسسة خاصة على المستوى المسطري، أما على المستوى الموضوعي، فمثلها مثل أي سلطة اعتبارية في مواجهة القانون، وأن ما يزيد الأمر تعقيدا في القانون التنظيمي المرتقب أن مادته الرابعة حددت الجرائم التي تدخل في اختصاص الهيأة، علما أنها جرائم منصوص عليها في القانون الجنائي، أي خاضعة للنظر القضائي وللضمانات المسطرية، لأن جرائم الرشوة واستغلال النفوذ والغدر، هي تصرفات إجرامية حدد القانون طبيعتها ومنح للنيابة العامة فقط سلطة التكييف دون غيرها، وبالتالي، فإن منح المؤسسة الاختصاص في هذه الجرائم يجعلها مؤسسة قضائية، مع أنه لا يمكن لها أن تكيف هذا الفعل أو ذاك، لأنها لا تملك لا السلطة ولا القدرة على ذلك.ياسين قطيب