سرقة محلات الذهب … اللعب مع الكبار!

يخطط لها لصوص محترفون وتنفذ في دقائق معدودة وتعد "همزة" لعائداتها الكبيرة ما يميز عمليات السطو على محلات الذهب، أنها تتطلب مهارة وحرفية خاصة، إذ من النادر جدا أن يتجرأ لص عاد على تنفيذها، إذ سيكون مصيره الاعتقال في اللحظات الأولى لشروعه في جريمته. فإلى جانب السرعة في التنفيذ التي لا تتجاوز دقائق معدودة والتوفر على تقنية خاصة لنقل خزنة حديدية تزن مئات الكيلوغرامات من مكان إلى آخر بشكل سري، وجرأة احتجاز الحراس الليليين، ولمناسبات اختطافهم، يجب على أفراد العصابة نسج علاقات مع أطراف تقتني المسروقات لتذويبها وطمس معالم الجريمة، وهي الأمور التي وقفت عليها أغلب التحقيقات التي أشرفت عليها المصالح الأمنية في مثل هذه القضايا. إنجاز: مصطفى لطفي يعد هذا النوع من الجرائم "همزة" للعصابات، إذ يجني أفرادها من عملية واحدة أرباحا بمئات الملايين، بسبب قيمة المسروقات التي تتجاوز أحيانا 500 مليون، كما هو الأمر في العملية الأخيرة التي استهدفت محلا بقيسارية شهيرة بالمعاريف بالبيضاء، ما يجعلهم يختفون عن الأنظار، في حال نجحوا في الإفلات من قبضة العدالة، ويوقفون نشاطهم الإجرامي لمدة طويلة قد تصل إلى سنتين أو أكثر، مستغلين ارتفاع أسعار الذهب على الصعيد الوطني والدولي. صدمة المعاريف قبل يوم واحد على عيد الفطر، فوجئ تجار الذهب بقيسارية "بنعمر" بالمعاريف بالبيضاء، بعملية سطو هوليودية على محل لبيع الذهب. فاللصوص نجحوا في كسر باب المحل في الصباح الباكر، وسرقة كل الحلي والمجوهرات المعروضة وخزنة حديدية في ظرف قياسي وقدرت قيمة المسروقات بأزيد من 500 مليون. استنفرت الجريمة الشرطة القضائية، وخلال مباشرة التحريات تبين أن المتورطين أشخاص ملثمون حلوا بالمكان على متن سيارة، وقبل تنفيذ جريمتهم، هاجموا حارسا ليليا وقيدوه لتنفيذ جريمتهم بكل حرية. وراهن المحققون على كاميرات المراقبة، فكانت المفاجأة أن بعضها معطل أو غير اتجاهها، ما يعني أن المتهمين تلاعبوا فيها. لكن رغم هذا التخطيط الاحترافي لأفراد العصابة، نجح المحققون في الوصول إلى الخيط الرفيع الذي قادهم إلى تحديد هويات أفراد العصابة، بتنسيق مع عناصر المديرية العامة لحماية التراب الوطني"ديستي" ، والخبرات التي أشرف عليها المختبر العلمي للشرطة القضائية، لتنطلق حملة اعتقالات طالت المتهمين الأربعة الذين توزعوا على حي المعاريف والحي المحمدي. خلال إيقاف المتهمين، حجزت الشرطة جميع الحلي والمجوهرات المسروقة، وأيضا الخزنة الحديدية، إذ تبين أن أفراد العصابة وجدوا صعوبة في تصريفها إلى جهات، ربما بسبب عطلة العيد التي استفاد منها الجميع، كما تم حجز سيارتين، استعملتا في عمليات إجرامية بلوحات ترقيم مزورة. وستشمل التحقيقات مع أفراد العصابة عمليات سطو سابقة طالت محلات لبيع الذهب بعدد من المناطق البيضاوية، للتأكد إن كانت لهم يد في تنفيذها، سيما أن العمليات متشابهة في طريقة التخطيط والتنفيذ. سطو "فردي" بالناظور قبل سنتين، أي في 2022، تعرض محل لبيع الذهب لسرقة همت مجوهرات بقيمة 500 مليون، إلا أن المثير في هذه الجريمة أن منفذها شخص محترف، موضوع مذكرات بحث وطنية وليس عصابة متخصصة. القصة بدأت عندما فوجئ مالك المحل بقيسارية شهيرة بالناظور، باختفاء كافة الحلي والمجوهرات المعروضة بمحله، فاتصل بالشرطة وبدأ مسلسل التحقيق. في البداية راج الاعتقاد أن الأمر تعلق بعصابة محترفة، بعد أن تبين أن اقتحام المحل تم من خلال تسلق سطح القيسارية، قبل الولوج إليه عبر فتحة في السطح، بعيدا عن أنظار الحراس الليليين، كما أن طريقة التنفيذ تبرز أن المنفذين تربصوا بمالك المحل فترة طويلة، إلى أن ضبطوا توقيت تحركاته ومغادرته المحل، كما عاينوا قيمة الحلي والمجوهرات المعروضة، إلا أن التحريات، كشفت في النهاية أن العملية نفذت من قبل شخص، له سوابق في السطو على محلات تجارية، بطرق هوليودية، إذ تم اعتقاله بعد فترة من تنفيذ جريمته. احترافية ومهارة تغري محلات الذهب جميع اللصوص بحكم القيمة المالية الكبيرة للمنتوجات المعروضة فيها، سيما في هذه الفترة التي تشهد فيها أسعار الذهب ارتفاعا صاروخيا، إلا أن عملية الاستهداف تبقى حكرا على فئة متخصصة تتوفر فيها مهارة غير عادية سواء من حيث التخطيط أو التنفيذ. حسب بعض الفاعلين في قطاع الذهب، فإن السطو على محل واحد للذهب بنجاح يعد "ضربة معلم" لأفراد العصابة، بحكم أن قيمة المسروقات لن تقل عن 500 مليون سنتيم، ما يجعلهم غير ملزمين بتنفيذ سرقات أخرى ولسنوات. وما يثير الانتباه في هذه السرقات، نجاح أفراد العصابة في سرقة الخزنات الحديدية وتنقيلها من المحل إلى سيارة في ظرف قياسي، إذ حسب المتحدثين، من الصعب على شخص عاد أن يقوم بهذه المهمة، ولو استعان بعدة شركاء، بحكم أن بعض الخزنات الحديدية يزيد وزنها عن 500 كيلوغرام، وتحتاج إلى تقنية خاصة لنقلها من مكان إلى آخر، وبالتالي فلو نفذ لصوص عاديون هذه المهمة سيحتاجون إلى فترة زمنية طويلة وسيفتضح أمرهم في الحال، في حين أن العصابات المتخصصة تسطو على كل ما في المحل والخزنة الحديدية في ظرف لا يتجاوز 10 دقائق على أقصى تقدير، إذ حتى لو افتضح أمرها من قبل المواطنين، يكون لأفرادها متسع من الوقت لمغادرة مسرح الجريمة قبل الاتصال بالشرطة وإشعارها بالسرقة. وسرقة الخزنة الحديدية، يؤكد المهنيون، وإخراجها من المحل، يحتاجان إلى معدات خاصة، من بينها أعمدة حديدية وعربة صغيرة بعجلتين، لكنهم يؤكدون أن العامل الحاسم في سرقتها هو سرعة التنفيذ، ولو توفر اللصوص على معدات متطورة لنقلها. وقبل تنفيذ الجريمة، يخضع أفراد العصابة المحل لمراقبة خاصة تمتد لأيام عديدة، يتعرفون فيها على سلوكات مالكه، وتوقيت مغادرته وإغلاقه وتحديد أمكنة وجود كاميرات المراقبة والتعرف على هوية الحراس الليليين، وبعدها يتم وضع الخطة، يكون أساسها استهداف الحراس أولا عبر تقييدهم أو احتجازهم داخل المحل المستهدف، ولمناسبات اختطافهم والتخلص منهم في أماكن أخرى بعد انتهاء العملية، وبعدها يتولى شخص مهمة تعطيل كاميرات المراقبة أو التلاعب في اتجاهها، وكل هذا يجب أن يتم في ظرف زمني وجيز جدا، قبل أن يتم كسر قفل المحل والسطو عليه والمغادرة في ما تبقى من دقائق تنفيذ العملية. إلا أن ما يثير حفيظة المهنيين، هي ظروف تخلص اللصوص من المجوهرات، بحكم أن المواطن العادي يجد صعوبة بالغة في تفويت حلي مصدرها مشبوه، وغالبا ما يتم إبلاغ الشرطة، في حين أن الأمر هنا يتعلق بحلي يزيد وزنها عن خمسة كيلوغرامات، ومع ذلك نجح المتهمون في بيعها، ما يعني أن لهم علاقات مع جهات تشتغل في المجال، وتحترف شراء المسروقات لإعادة تذويبها، أو أن منفذي الجريمة سبق أن اشتغلوا في مجال صناعة أو بيع الذهب. الرفع من اليقظة الأمنية يرى مراد العبودي، محام بهيأة الرباط، أن عمليات السطو على محلات بيع الذهب شهدت تزايدا في الفترة الأخيرة بعدد من المدن، أخرها ما شهدته "قيسارية" شهيرة بالمعاريف، حيث نجح اللصوص في السطو على حلي بقيمة 500 مليون. وأكد المحامي أن هذه الظاهرة الإجرامية، دخيلة على المغرب، بحكم أنها تتطابق مع عمليات سطو تستهدف محلات تجارية راقية بباقي دول العالم، ما يوحي أن منفذي السرقات بالمغرب اقتبسوا خططهم من الخارج ونفذوها بحذافيرها، على نقيض فترة سابقة، كانت عملية سرقة المحلات تقتصر على محاولات فردية، وتتم بطرق بسيطة، منها مهاجمة التاجر داخل محله وتهديده بالسلاح الأبيض، أو تكليف فتاة أو امرأة تتقمص دور زبونة لسرقة بعض الحلي الذهبية عن طريق النشل، وغالبا ما تفتضح هذه السرقات في الحال ويتم إيقاف المتورطين متلبسين. وعزا المحامي أسباب تفشي جرائم السطو على المحلات إلى محاولة الاغتناء السريع، بحكم القيمة الكبيرة لهذه المسروقات في حال بيعها، وهذا يعود إلى تفشي البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة بسبب الزيادات الصاروخية في أسعار المواد الأساسية والخدمات، كما يتحمل مالكو محلات الذهب المسؤولية، يضيف العبودي، بسبب ضعف الحماية الأمنية لمتاجرهم، وغالبا ما يكون السبب رفضهم تسديد تكاليف إضافية لاقتناء كاميرات المراقبة أو أجهزة إنذار متطورة. وشدد مراد العبودي على أن المتورطين في هذا النوع من السرقات، يعدون من ذوي السوابق ولهم دراية كبيرة بعالم الجريمة، ما يحرضهم على تنفيذ هذا النوع من السرقات، عبر وضع مخططات احترافية للسطو على محلات الذهب، يتم التركيز فيها على التنفيذ في ظرف وجيز واختيار توقيت وأماكن الفرار لتفادي الوقوع في يد الشرطة. وبخصوص موقف القانون الجنائي، من هذا النوع من الجرائم، أكد المحامي أنها تتخذ غالبا شكل جناية، تكون مقرونة بظروف التشديد، من قبيل تكوين عصابة إجرامية وكسر الأقفال والتسلق وظرف الليل، ما يجعل عقوبتها مشددة جدا وتتجاوز خمس سنوات سجنا، مشيرا إلى أن القضاء المغربي، متشدد جدا في إيقاع العقوبات على المتورطين في سرقات السطو، خصوصا تلك التي تستهدف محلات الذهب، حتى تكون رادعة في حقهم. وأبرز المحامي العبودي، أنه للحد من ظاهرة السطو على محلات الذهب، يجب الرهان على التنمية المستدامة للتخفيف من الفقر والبطالة، وضمان رخاء اقتصادي، حتى لا يضطر أي شخص للقيام بهذا النوع من الجرائم المشددة، إضافة إلى الرفع من اليقظة الأمنية بهذه المحلات المخصصة لبيع الذهب، لضمان تفادي تعرضها لعمليات سطو مستقبلا. التعاقد مع شركات أمن خاص تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع عمليات السرقة التي تستهدف محلات لبيع الذهب، إذ تباينت مواقفهم، بين من استغرب إهمال مالكي المحلات المستهدفة لاحتياطات أمنية خاصة، وآخرون اعتبروا المصيبة نعمة في الوقت نفسه، عبر فتح الباب للشباب العاطل، للعمل في الأمن العمومي وشركات الأمن الخاص. أول المعلقين حميد، الذي حمل في تعليقه المسؤولية لتجار الذهب، من خلال أن" سوقا يحتوي على الملايير، من الواجب حمايته، ليس من قبل الشرطة بل بشركة أمن خاص على نفقة أصحاب المحلات". أما مراد فاستغرب كيف أن محلا به حلي بأزيد من 500 مليون، أغفل صاحبه تزويده بكاميرات المراقبة، إذ اعتبر الأمر شحا وبخلا كلف صاحبه الكثير، كما طالب بتفعيل الشفافية والقانون خلال متابعة المتهم، بحكم أن لمعان الذهب قد يؤثر على سير المحاكمة. من جهتها، انتقدت حليمة، (موظفة) كل من يحمل السلطة مسؤولية تعرض محلات الذهب للسرقة، إذ تساءلت كيف لمتاجر من هذا النوع لا تتوفر على كاميرات شخصية تصون كل متجر على حدة؟ لهذا فليس للسلطات أي مسؤولية في هذه الجريمة. وعلى المنوال نفسه، علق عماد بالقول " البنوك تغلق وهي فارغة، ومع ذلك توجد في أماكن آمنة ومجهزة بكاميرات وصافرات إنذار ويسهر على حراستها شخص بالليل وآخر بالنهار، في حين محلات الحلي والذهب التي بها سلع تساوي الملايين تشبه محلات بيع الفواكه الجافة، وتوجد في أماكن خطيرة ودون توفير حماية خاصة لها". وفي الوقت الذي دعت فيه هناء، تجار الذهب إلى التعاقد مع شركات الأمن الخاص، على غرار البنوك، لحراسة محلاتهم التجارية، اعتبر محمد ما حدث فرصة لتشغيل الشباب العاطل في الحراسة وبالتالي ضرب عصفورين بحجر واحد، القضاء على الإجرام والبطالة. أما عمر، فسرد تدوينة يتحدث فيها عن تطور هذا النوع مع الجرائم بالقول " إن أساليب عصابات السطو والسرقة لم تكن في السابق بهذه المهارات والتنوع والدقة، وأعتقد أن كل هذا التحول والمظاهر الغريبة عن المجتمع المغربي، مرتبطة بالتطور والازدهار اللذين أصبحا يعيشهما المغرب في العقدين الأخيرين، إذ أن السطو على عربات نقل الأموال في الشوارع الرئيسية ببعض المدن في واضحة النهار أو السطو على وكالات تحويل الأموال وسرقة محلات بيع الحلي والمجوهرات، مظاهر تساير تطور المجتمع والدولة وازدهارها".

سرقة محلات الذهب … اللعب مع الكبار!

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بؤساء التاريخ

ملاحقة شركات نهبت ملايير الإعفاءات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات