القاضي لمتهم: “ترقيتي… من المخدرات للسرقة”

جنايات السرقة المقرونة بظروف التشديد والهجرة السرية والاتجار في البشر أبرز الملفات المعروضة على استئنافية آسفي عائلات معتقلين والعشرات من المتقاضين، اصطفوا باكرا أمام باب محكمة الاستئناف بآسفي، في انتظار الولوج إليها لحضور أطوار المحاكمة.. منهم من يخيم عليه الحزن في هذا اليوم الرمضاني، ومنهم من يأمل فرجا.. وآخرون ينتظرون الإنصاف أو رد الاعتبار إليهم.. لكل منهم قصة ورواية، وبين رواياتهم وقصصهم محاضر وأبحاث، في انتظار أحكام، قد تكون هي عنوان الحقيقة. دنت عقارب الساعة من التاسعة صباح الخميس الماضي، قاعة الجلسات مكتظة عن آخرها، لا مقعد فارغ بالقاعة رقم واحد، بمحكمة الاستئناف بآسفي. محكمة! ردد العون، لتلج الهيأة القضائية إلى قاعة الجلسات. "باسم جلالة الملك وطبقا للقانون"، نعلن عن افتتاح الجلسة، يقول رئيس الهيأة، في حين اشرأبت الأعناق، وساد الصمت في القاعة. شرع القاضي في المناداة على المتهمين، الذين يقفون في قفص الاتهام، في حين آخرون تتم محاكمتهم عن بعد من داخل المؤسسة السجنية. "كنا نتراشق" وقف سبعة متهمين في قفص الاتهام، وبعد التأكد من هويتهم أشعرهم رئيس الهيأة بصك الاتهام، واحدا تلو الآخر، ويتعلق الأمر بجناية وضع أحجار في الطريق العام بغرض عرقلة مرور الناقلات وإلحاق خسائر مادية بملك الغير. حاول المتهم الأول، كباقي المتهمين نفي المنسوب إليه، والادعاء أنهم قاموا بالتراشق بالحجارة مع الضحية الذي كان على متن سيارته رفقة شخص آخر، معللا ارتكاب هذا الفعل بأن الضحية كان يتناول الخمر بسيارته وسط الدوار، علما أنه من دوار آخر، في حين نفى متهم آخر في القضية نفسها، المشاركة في الفعل الجرمي أو رشق الضحية ومرافقه بالحجارة. وبعد استنطاق المتهمين الثلاثة من قبل هيأة الحكم، تقرر تأجيل الملف، لاستدعاء المصرحيْن. "بحال البعد بحال القرب" واصلت الهيأة مناقشة الملفات المعروضة عليها، ويتعلق الأمر بمتابعة ثلاثة متهمين في مقتبل العمر، من أجل الاحتجاز والضرب والجرح والسرقة الموصوفة بالليل والتعدد وهتك عرض بالعنف والتهديد بإفشاء أمور شائنة وتسجيل صور أشخاص أثناء وجودهم في مكان خاص دون موافقتهم والسرقة بيد مسلحة. وقف المتهمون الثلاثة، بقاعة المحاكمة بالسجن المدني، حيث تتم محاكمتهم عن بعد، وبعد أن استفسرهم رئيس الجلسة ما إن كانوا يريدون المحاكمة عن بعد أم بالمحكمة، أكد المتهم الأول رغبته في المحاكمة عن بعد، في حين اعتبر الثاني "بحال البعد بحال القرب"، بينما رفض المتهم الثالث المحاكمة عن بعد، وأجاب القاضي "لا أنا أريد المحاكمة عن قرب"، فقررت الهيأة تأجيل الملف، لإحضار المتهمين لجلسة 25 أبريل. متهم آخر، يشتغل بالإمارات العربية المتحدة، يتابع من أجل ارتكاب جناية السرقة الموصوفة المقرونة بظروف التعدد والليل واستعمال ناقلة ذات محرك. وقف المتهم المتابع في حالة سراح بقفص الاتهام، ويداه مقبوضتان إلى الوراء، ليطلب منه القاضي إسدال يديه، لكن سرعان ما عاود الكرة. أشعره القاضي بالمنسوب إليه، لكنه أجاب بالنفي، مؤكدا أنه كان بمعية رفيق له على دراجة نارية، وأن رفيقه هو من قام بسرقة الهاتف المحمول، دون أن ينتبه إلى ذلك، ليواجهه القاضي بنتائج البحث التمهيدي، الذي خلص إلى أن الهاتف موضوع السرقة ضبط بحوزته، ليجيب أنه اقتناه من رفيقه الذي كان رفقته، بعدما أخبره برغبته في اقتناء ذلك، نافيا علمه بالسرقة. بعد ذلك تناول دفاع المتهم الكلمة، والتمس البراءة لموكله لانعدام القصد الجنائي، لعدم علمه بواقعة السرقة، بدليل أنه اقتنى الهاتف واستعمله بحسن نية، ليتم حجز الملف للمداولة لآخر الجلسة. ترقية في سلم الجريمة ! قضية أخرى عرضت على المحكمة تتعلق بالسرقة المقرونة بالعنف والتعدد والليل، والمتابع على خلفيتها شاب في مقتبل العمر، والذي جلس على كرسي بقاعة المحاكمة عن بعد من السجن. "من المخدرات السرقة ترقيتي.. مبقاش قادك المخدرات وليتي في السرقة"، يقول القاضي للمتهم، وأشعره بالمنسوب إليه، ليرد عليه المتهم "والله العظيم ما سرقت". سرد رئيس الهيأة، تفاصيل الوقائع على المتهم، قبل أن يتم الاستماع إلى الضحية الأولى القاصر بحضور والدتها والاستماع إلى الضحية الثانية البالغة من العمر 19 سنة، والتي تعرفت على المتهم، قبل أن تدلي الضحية القاصر بتنازل عن متابعة المعني بالأمر. ظل المتهم ينفي المنسوب إليه، مخاطبا القاضي "حق الله العظيم وهاد رمضان ما سرقت"، ليرد عليه القاضي، "حتا الضحيتين راه صايمين، علاش غادي يكذبو عليك". متهم ذو لحية بيضاء، يبلغ من العمر 44 سنة، جلس بقاعة المحاكمة عن بعد، مرتديا قميصا أزرق، يبدو هادئا. "سبق ليك دوزتي" الحبس؟، يسأل القاضي، ليجيب المتهم "واحد 12 من أجل السرقة". 12 شهر؟ (تساءل القاضي)، لا 12 سنة، يقول المتهم. المتهم متابع من أجل جناية المشاركة في الاتجار في البشر، من خلال التوسط لمجموعة من الراغبين في "الحريك"، بيد أنه ظل ينفي التهمة المنسوبة إليه، رغم مواجهته بتسجيلات صوتية ضبطت بهاتفه، مع بعض الضحايا، والتي تم تضمينها في المحضر، في حين التمس دفاعه، البراءة لموكله لانعدام وسائل الإثبات، معتبرا أن تصريحات الضحية لا يمكن أن تقوم حجة على صك الاتهام. ملف آخر، وضع بمعزل عن باقي الملفات، يبدو ملفا ضخما، ويتابع على خلفيته 11 متهما من بينهم امرأة. تنبعث من وسط ذلك الملف، قصص مأساة، عنوانها شبكات الهجرة السرية، والتي ترسم مستقبلا ورديا للراغبين في الهجرة، لكن سرعان ما تحول الأمل إلى مأساة، فانبعث الموت من وسط أوراق ذلك الملف. تتم متابعة المتهمين في هذا الملف، من أجل المشاركة في إعداد وتسهيل خروج أشخاص مغاربة من التراب الوطني بطريقة سرية، في إطار اتفاق نتجت عنه وفاة مع حالة العود لأحد المتهمين، إذ يتابع أربعة متهمين في حالة اعتقال والباقي في حالة سراح. تأكد القاضي من هوية المتهمين، من بينهم زوجة أحدهم (التي حضرت بمعية رضيعها، الذي أكمل عامه الأول)، والتي سبق أن اتخذت في حقها المسطرة الغيابية، إذ تذرعت بأن عدم حضورها، يعود إلى أنها تحضن أربعة أبناء منهم الرضيع. وقرر القاضي إلغاء المسطرة الغيابية نظرا لظروفها الاجتماعية، قبل أن يتم تأجيل الملف، بيد أن أحد المتهمين المتابع في حالة اعتقال، التمس من رئيس الجلسة أن يمنحه الكلمة، مخاطبا إياه قائلا "راه تاحنا عندنا وليدات شوف من حالنا الله يرحم الوالدين". محمد العوال (آسفي)

القاضي لمتهم: “ترقيتي… من المخدرات للسرقة”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

افتحاص رباني

إحباط تهريب أطنان من الأسماك

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات