رقمنة الإدارة القضائية بالمغرب… واقع وآفاق

تحديات تواجه رقمنة الإجراءات القانونية والقضائية (5/4) إن التطور التكنولوجي الذي أصبح يعرفه العالم يحتم على الدول الانخراط في صلب هذا التطور لمواكبته، فالعالم أصبح قرية صغيرة بفعل هذا التطور التكنولوجي الهائل، وهو ما أصبح يعرف بعصر الرقمنة، الشيء الذي يحتم على جميع الدول السير على نهج تبني سياسة إستراتيجية تعتمد على الرقمنة، لتسيير شؤونها على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية …، لكن ما يهمنا من خلال هذه الدراسة هو التركيز على المستوى القضائي المتعلق بقطاع العدالة. المستوعب هو وحدات من الأجهزة الإدارية والقضائية التي تستقبل المراجعين وبرامج حاسوبية تقوم بعملية التوثيق التقني لكل إجراء والربط الشبكي بينها. هو وسيلة التواصل والدخول من صفحات ضمن موقع الكتروني على خط شبكي عالمي إلى خط شبكي حاسوبي مقيد به له أنظمة حاسوبية معروفة، تعتبر حائطا مانعا من دخول القراصنة والمتطفلين لقواعد البيانات الداخلية الخاصة بالدعاوى، وعليه فلا يشترط الحضور الشخصي للخصوم إلى مكان المحكمة، إذ يستطيعون الدخول للمحكمة الإلكترونية من أي مكان فيه جهاز حاسوب، متصل بشبكة الأنترنيت بواسطة موقع التقاضي عن بعد. يستطيع المدعي الحصول على المعلومات المتعلقة بالنظام وبكيفية تسجيل الدعاوى وبالدخول إلى الموقع والاتصال بالموظفين والتحدث معهم، لمعرفة تفاصيل النظام، وكيفية إقامة الدعاوى القضائية واثبات ما يدعيه المدعي، وبعدها يستطيع الحضور والمثول بواسطة الموقع بالدخول إلى صفحة القاضي وقاعة المحكمة، ليقوم بكتابة المواقع الالكترونية بالتأكيد من صفحته وإدخاله لقاعة المحكمة ليتمكن القاضي من مباشرة الإجراءات القضائية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المدعي عليه الحاضر، ويتم توثيق هذا الحضور تقنيا. أما بالنسبة إلى الوكلاء بالخصومة أي المحامين فيستطيعون تمثيل الخصوم من مكاتبهم دون حاجة للحضور الشخصي إلى المحكمة في مواعيد الجلسات، ويمكنهم تجهيز وتصميم ملفات الكترونية تتضمن عريضة الدعوى والبيانات والوثائق المطلوبة، وإرسالها إلى وحدة تسجيل الدعاوى القضائية، وفي حالة طلب أصل الوثائق والأدلة المقدمة في الدعوى، يستطيع المحامي تأمين إرسالها إما بالحضور الشخصي إلى المحكمة أو إرسالها بواسطة بريد النظام الذي يعتبر جزءا من وحدة التبليغات الالكترونية . فما هي إذن أهم التحديات التي تواجه رقمنة الإجراءات القانونية والقضائية؟ المطلب الثاني: التحديات التي تواجه رقمنة الاجراءات القانونية والقضائية من المعلوم أن اعتماد الرقمنة في العدالة أصبح أمرا ملحا لما له من أثر بالغ على تحقيق الحكامة القضائية لتلبية رغبة المتقاضين وتشجيع الاستثمار، حيث أصبح تقديم خدمة المرفق غير متوقف عند تلبية رغبة المرافق فقط، بل إلى مدى جودة الخدمة والسرعة المقدمة بها تلك الخدمة. غير أن عملية الانتقال من الإدارة التقليدية إلى الإدارة الرقمية (القضائية) أضحى مطلبا ضروريا، إن هي أرادت أن تستجيب بفاعلية لحاجيات مجتمع اليوم والغد، فإن الظروف المحيطة بعملية الانتقال إلى عدالة رقمية غير مطمأن عليها لبلوغ الأهداف المتوخاة، لأن عملية الانتقال ليست بالأمر الهين، لما يشوب ذلك من معيقات، حيث يتطلب العديد من المراحل التي من شأنها أن تؤدي إلى إدماج وإشراك المجتمع بشكل كلي في عملية التحول، إذ يتأقلم معها ويتطور بتطورها، على عكس ما يحدث عند تطبيق نظام جديد دفعة واحدة، مما يؤدي إلى رفضه بالمرة أو عدم استيعابه، كما هو الشأن بالنسبة لتطبيق نظام قضائي رقمي. رغم قيام وزارة العدل بمجموعة من المجهودات تنفيذا للخطابات الملكية التي ترمي إلى عصرنة الجهاز القضائي، وجعله في صلب موضوع الإستراتيجية الحكومية، فإن هذه المجهودات لم تبلغ المستوى المطلوب، أي لم تتجاوب مع متغيرات العالم بفعل مجموعة من المعيقات، الأمر الذي يدفعنا عن الحديث من خلال هذا المطلب عن الإكراهات الذاتية ( الفقرة الأولى ) في حين سنتحدث عن الإكراهات الموضوعية ( الفقرة الثانية ) الفقرة الأولى: الإكراهات الذاتية للرقمنة من أهم هذه الإكراهات الذاتية التي تقف حجر عثرة أمام تنفيذ مشاريع التحديث والتحول المرتكزة على تحديث قطاع العدالة بوسائل التكنولوجيا والإعلام، غياب إستراتيجية واضحة على تبني الرقمنة، والميزانيات المرصودة لتنزيل المشروع، وفي الأخير غياب مدونة كفيلة بالعمل، وتتجلى هذه الإكراهات في ثلاثة، منها ما يتعلق بالإكراهات المرتبطة بالإستراتيجية الرقمية، وإكراهات مرتبطة بالميزانيات المرصودة، وإكراهات أخرى مرتبطة بالتشريع. أولا:الإكراهات المرتبطة بالإستراتيجية الرقمية تعتبر إستراتيجية تبني الرقمنة بمثابة الخيط الناظم من أجل البلوغ الى عدالة رقمية، فقبل ذلك سنحاول الوقوف على إستراتيجية الحكومة عامة، حيث أن هذه الأخيرة تبنت أول إستراتيجية منذ بداية القرن الواحد والعشرين وتتمثل في الإستراتيجية الوطنية e_Maroc في صيغتها الأولى سنة 2001، مرورا بإستراتيجية المغرب الرقمي 2009 _ 2013 لسنة 2008، وصولا إلى إستراتيجية المغرب الرقمي في 2020 لسنة 2016، التي تلتها الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2018 _ 2021، بحيث يسعى هذا المخطط إلى تسهيل عملية التحول، عبر اعتماد الأدوات التكنولوجية الحديثة، من أجل توفير خدمات عالية الجودة ومتعددة القنوات وتحسين تطلعات المرتفقين. اعتبرت وزارة العدل أن تحديث الإدارة القضائية خيار إستراتيجي في برنامج الوزارة، من أجل تحقيق المكننة الشاملة لإدارة القضايا، للوصول لغاية، وهي كما كان مقررا تحديد سنة 2020 أجلا أقصى لتحقيق التجسيد اللامادي للمساطر والإجراءات أمام المحاكم، والحد من استعمال السجلات الورقية وتجاوز مرحلة ازدواجية العمل اليدوي، بحيث تم التنصيص على ذلك في ميثاق إصلاح منظومة العدالة بمقتضى التوصيات رقم 187 و 188 و 189 و 190، وحدد أجل تنفيذها ما بين 2013 و 2020، الشيء الذي دفع إلى التفكير بإصدار مخطط توجيهي للتحول الرقمي للعدالة في المغرب بتاريخ يونيو 2020، مخططا له أهداف واضحة المعالم، من خلال قراءة أجزائه، التي حاولت تشخيص واقع ظروف تبني الرقمنة في العدالة. عموما إن تنزيل إستراتيجية الرقمنة في العدالة لا يتوقف على التنظير فقط، بل يتطلب التقعيد على مستوى الواقع، من خلال رصد ميزانية، والتي تعد الجزء الأهم في إنجاح أي إستراتيجية كانت، وبالتالي فإن الميزانية المرصودة لتقعيد المخطط تبقى هي الأخرى من بين الإكراهات، التي تساهم في عدم إنجاح مخطط الرقمنة. * باحث في العلوم القانونية ـ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال – جامعة محمد الخامس بالرباط

رقمنة الإدارة القضائية بالمغرب… واقع وآفاق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

معالجة 8.6 ملايين حاوية بميناء المتوسط

تفكيك شبكة دولية لتهريب السيارات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات