تزوجت في سن 14 وأنجبت ابنتين ولما تقاعدت تخلى عنها الجميع لم تتوقع "م" والملقبة لدى سكان مبروكة بعمالة مولاي رشيد بالبيضاء، بـ"ماماتي" أن يجور عليها الزمان ويتنكر لها الجميع، حتى أقرب أقربائها، وتتحول من موظفة "كلاس" في فترة الثمانينات من القرن الماضي وإلى حدود التسعينات حيث تقاعدت، إلى متشردة كما صرحت بذلك، سيما بعد أن دخلت في خلاف حاد مع جار لها في منزل تكتري غرفة فيه، إذ بسبب تهديداته واستفزازاته تضطر للمبيت في العراء. قصة "ماماتي" هي نسخة طبق الأصل لقصص العشرات من الأمهات، اللواتي تزوجن في سن صغيرة جدا، وأنجبن أبناء، قبل أن يتخلى عنهن أزواجهن، ليجدن أنفسهن يكابدن لوحدهن الحياة لتربية أبنائهن، وبعد أن وهن عظمهن تنكر الجميع لهن، وصرن في النهاية بطلات وحيدات لقصص مأساوية. في حديث مع "الصباح" أذرفت بطلة قصتنا دموعا غزيرة، وتحدثت بمرارة عن بيعها آخر حليها الذهبية، ويتعلق الأمر بخاتم اختزن جميع ذكرياتها الجميلة، بعد أن وجدت نفسها في حاجة إلى المال لتغطية نفقات عملية جراحية مستعجلة، ما زالت عاجزة إلى حدود كتابة هذه الأسطر عن توفير ربع قيمتها المحدد في 13 مليونا. ولدت "ماماتي" بفاس في 1955 لأب "مخزني" وبسبب طبيعة عمله، ظلت تتنقل رفقته من مدينة إلى أخرى، بداية بمراكش وهي ابنة ثلاثة أشهر فقط، قبل أن يستقر بهم المطاف بالبيضاء في ثكنة "المخازنية" ببورنازيل، وهناك واصلت دراستها إلى حدود المستوى الثانوي، لتغادرها في سن 14 للزواج، فاستقرت مع زوجها في منزل اكترياه بحي "مبروكة" وهو الذي تقطنه إلى اليوم، لكن بعد مرور السنين اكتفت بغرفة واحدة بسبب الحاجة. رزقت بطفلتين، إلا أن هذه الفرحة لم تدم طويلا، إذ في 1979، سيتخلى زوجها عنها، ويختفي عن الأنظار بعد طلاقه منها، لتجد نفسها مجبرة على رعاية ابنتيها لوحدها، وتحمل مسؤوليتهما، وأمام هذا المستجد غير المتوقع، نجحت في ضمان وظيفة بعمالة المحمدية في الثمانينات، وبسبب معاناتها مع المرض، نقلت للعمل بمقاطعة عين السبع الحي المحمدي، إلى أن تقاعدت. عانت "ماماتي" الأمرين في تربية ابنتيها، إلا أنها في النهاية نجحت في مهمتها عن جدارة واستحقاق دون مساهمة من الأب. تزوجت الابنتان وغادرتا أرض الوطن، إذ استقرت الكبرى في دولة عربية والصغرى بألمانيا. توهمت بعد أنهت مسؤولياتها وواجباتها تجاه ابنتيها، أنه حان وقت قطف ثمار كفاحها، لكن مع مرور الأيام حدث العكس، بداية بأجرة التقاعد التي لم تكن كافية لتلبية جميع متطلبات عيشها، ما دفعها إلى الاكتفاء باستئجار غرفة صغيرة بمنزل "العمر"، لتفاجأ بانقطاع أخبار ابنتها الكبرى، وكل ما توصلت به من معلومات عنها أنها متزوجة من ثري عربي، وظل الأمل في ابنتها الصغرى، التي تتولى في مناسبات قليلة مساعدتها ماليا، لكن المال كان يخصص للعلاج. ستتحول حياة "ماماتي" إلى جحيم، عندما اتهمت جارا لها بمحاولة هتك عرض حفيدتها الألمانية، إذ ستجد نفسها عرضة لتصفية حسابات بعد أن وصل الأمر إلى القضاء، إذ عمد خصمها في البداية، إلى استفزازها وتعمد الإساءة إليها داخل المنزل المشترك، ووصل الأمر حسب قولها إلى تعمده تدخين المخدرات، ما كان يسبب لها ضيقا في التنفس وتجبر على مغادرة غرفتها إلى الشارع ليلا، وتظل مستيقظة إلى أن يحل الصباح حيث تتأكد من نومه، قبل أن تتسلل خلسة إلى غرفتها. بسبب هذا الخلاف، صارت تضطر للنوم في الشارع، وبعد أن كانت رمزا للأناقة و"الكلاس"، صارت متسخة الملابس بسبب ظروفها الصعبة، وعاجزة عن استبدالها بأخرى جديدة بعد أن فقدت مالها. تقدمت بشكايات عديدة إلى أمن مولاي رشيد، وحظيت بمساندة مطلقة من جميع مسؤوليه، وتعاطف خاص مع قضيتها، إذ شنوا حملات لاعتقال الجار، الذي كان يغادر المنطقة بعد علمه بالأمر، وبعد إحالة القضية على النيابة العامة، تقرر عرضها على خلية العنف ضد النساء، للنظر في قضيتها ومساندتها. مصطفى لطفي