الجزائر رائدة تهريب الأزمات الداخلية

ليس تمرد أفراد القوات الأمن الداخلي بالجزائر واحتجاجاتهم أمام المؤسسات العمومية متمنطقين بأسلحتهم الوظيفية، ما يفسر المدى الخطير الذي وصلت إليه الأزمة الداخلية في الجزائر، بل سبقته مؤشرات مختلفة، منذ بداية العقد الجاري، تصب كلها في تضييق الخناق على النظام الحالي الذي يستعين اليوم بأنابيب اصطناعية لتنفس صــعب. أول أمس (الخميس) فقط، قال علي بن فليس، المرشح الرئاسي السابق في الجزائر والمنافس الشرس للرئيس بوتفليقة «كل شيء تقريبا»، حين أكد أن الأزمة السياسية في الجزائر «بلغت مستوى عاليا من الخطورة»، ما يستوجب «أكثر من أي وقت مضى تجمع ورص صفوف كل القوى الوطنية الحريصة على وضع الجزائر على درب التحول الديمقراطي المنظم والتدريجي و الهادئ».وأضاف بن فليس، في بيان أصدرته مداومته، الأربعاء الماضي، عقب لقاء جمعه، بوفد من جبهة القوى الاشتراكية، الذي طرح عليه مبادرة سياسية جديدة باسم «مبادرة الإجماع الوطني»، أن مساعي المعارضة للبحث عن حلول الخروج من الأزمة هي «نتاج طبيعي لشغور السلطة» و»الركود شبه الكامل لمؤسسات الجمهورية»، ويتطلب «العودة إلى إرادة الشعب السيد عن طريق انتخابات محضرة و منظمة و مراقبة من قبل هيأة انتخابية مستقلة وحيادية ودائمة». المتحدث ليس شخصا عابرا، بل أحد أقطاب السياسة في الجزائر ويعرف بالضبط ما يقول وكيف يقول والوقت الذي يقول فيه كل الأشياء بهذا الوضوح، في الوقت الذي يستعمل فيه النظام كل مفردات التحايل والنصب وتهريب أزمة خانقة بطرق ملتوية من الداخل إلى الخارج، لخلق نوع من الإجماع وتأجيج الشعور الوطني على قضايا جانبية لم تعد تنطلي على أحد.لقد بلغ السيل الزبى بعدد من الجزائريين وقواهم السياسية الحية التي لم تعد ترغب في نظام مريض وغير ديمقراطي لا يستند إلى شرعية الشعب المستمدة من صناديق انتخابات نزيهة وتمثيليات حقيقية لكل فئات المجتمع الجزائري، وأغلبه من الشباب الذي «يرفل» في البطالة وقلة الشغل، إذ تتوسع ظاهرة «لي حيطيست» أو المستندين إلى الحائط، في بلد البترول والعائدات النفطية التي تضع الجزائر ضمن قائمة الدول الغنية رسميا، لكن الفقيرة عمليا بسبب الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي تغيب رفاه المواطنين من معادلة «تقسيم الثروات».وتسدل الأزمة الاقتصادية الخانقة خيوطها على عدد من المناطق والجهات التي تعرف نوعا من التمرد الصامت والثروات المخنوقة في عدد من المدن التي يجري إخمادها في المهد، اعتمادا على سياسة العصا والجزرة. ومؤكد أن الجزائر لم تشف بالكامل من تداعيات العشرية السوداء ما بين 1991 و2000، إذ مازال الجسد الجزائري يحمل عددا من الندوب والتقيحات والتوعكات تؤثر على سيره في طريق المستقبل.وبدأت الشرارة الأولى للأزمة الجزائرية المستمرة إلى اليوم بأشكال مختلفة، حين جرى توقيف المسار الديمقراطي والانتخابي، بعد أن أصيب الحزب الحاكم بالذهول بحصول الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الحزب الإسلامي) على أغلبية ساحقة من المقاعد في الدور الأول وهو 188 مقعدا، وما ترتب عن ذلك من الدخول في حرب مفتوحة استمرت زهاء عقد تخللتها عدة مجازر من الطرفين وأدخلت بلد المليون شهيد في دوامة من العنف الدموي شكلت عقدة النظام الجزائري وجنرالاته، الذين فقدوا الآلاف من ضباطهم وجيوشهم في هذه حرب عصابات طاحنة. ورغم أجواء المصالحة والسلم بين الطرفين، فإن الغيوم المبلدة للعشرية السوداء لم تغب عن سماء الجزائر، التي ارتعبت كثيرا بإطلاق الشرارة الأولى للربيع العربي، إذ سدت جميع النوافذ التي يمكن أن تأتيها منها رياح التغيير، بل أعلن النظام الجزائري ولاءه الرسمي إلى أنظمة الحكم الأخرى التي كانت قاب قوسين من السقوط، مثل نظام زين العابدين بن علي بتونس، ومعمر القذافي بليبيا الذي أمده بالأسلحة والعتاد في معاركه ضد الثــــوار. ولتأكيد هذا المسار المعاكس ضد اتجاهات الشعوب العربية وإرداتها في التغيير والإصلاح، فاجأ عبد العزيز بوتفلقية العالم بإعادة ترشيح نفسه من فوق فراش المرض إلى ولاية رئاسية رابعة، وهو الذي لم يعد قادرا على الكلام والحركة والتركيز، بعد أن ألمت به الأمراض المزمنة، واضطر المستفيدون من هذا الوضع إلى نقله في سرية، عددا من المرات، إلى مستشفيات ومصحات فرنسا لفترات متقطعة من العلاج. واعتبر ترشيح وفوز بوتفليقة، بهذا الشكل المهين، ضربا لجهود جميع القوى السياسية الحية في البلد للوصول إلى وصفة للإصلاح والخروج من الأزمات الداخلية التي تتخبط فيها منذ سنوات، وتهدد بانهيار النظام والدولة في أي لحظة، ما يفسر، إلى حد بعيد، المناورات التي يقوم بها النظام الحاكم وأجهزته لتصدير هذه الأزمة إلى الخارج، وللفت انتباه الرأي العام المحلي والدولي إلى قضايا جانبية (صراعه مع المغرب، قضية الصحراء، القاعدة، داعش، دول الساحل...).يوسف الساكت

الجزائر رائدة تهريب الأزمات الداخلية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المغرب عقدة النظام الجزائري

الجزائر تنهج سياسة الهروب إلى الأمام

مقالات ذات صلة