مؤثرون تحت مقصلة القانون

صراع حول الشهرة والمال نقل من شبكات التواصل الاجتماعي إلى ردهات المحاكم كانت محاكم المملكة تعرف قضايا تقليدية، ضمنها المرتبطة أساسا بصراعات حول الأرض وتقاسم الإرث والتركات، لكننا اليوم أصبحنا أمام قضايا يغذيها هوس المشاهدات والصراع نحو امتلاك قاعدة جماهيرية واسعة النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي مدرة لدخل كبير، وإن اقتضى الحال في مرات عديدة أن تفتح النيران الصديقة بين مؤثرين اجتماعيين، تبدأ عادة بتلاسنات حادة وتنتهي اليوم في محطتها الأخيرة في ردهات المحاكم، على ذمة شكايات بالاعتداء الجسدي والتعنيف، ولعل أبرزها القضية الرائجة اليوم لدى محكمة الاستئناف بالجديدة، أو ما بات يعرف بقضية " البورقادي والمالكي"، والتي يتابعها عن كثب رأي عام ليس فقط ببلادنا ولكن عبر ربوع المعمور، باعتبار أن عالم شبكات التواصل الاجتماعي شاسع ولا حدود طبيعية له. إنجاز: عبدالله غيتومي (الجديدة) منذ أن حجزت منصات التواصل الاجتماعي لنفسها مساحة كبيرة في المعيش اليومي لعموم الناس، انبرى أشخاص في أغلبهم من الشباب كانوا سباقين إلى إنشاء قنوات على يوتوب وأيضا حاليا على تيك توك، وفي وقت وجيز وسعوا قاعدتهم الجماهيرية وسط شباب من فئة عمرية بين 13 سنة و24، وهي الفئة التي يسهل تبادل حركة تفاعلية معها بشكل سريع. وعرف مهتمون المؤثر أو اليوتيوبر بذلك الشخص الذي يستطيع أن يشد إليه الاهتمام وإلى ما ينشره، من خلال متابعة لا تنزل إطلاقا عن سقف 10 آلاف متتبع، ولها أن تصل إلى أبعد من ذلك مع مرور الأيام لتصبح بالملايين. للدرجة التي أضحى فيها المؤثرون ركنا أساسيا في التنشئة الاجتماعية لشريحة واسعة من المراهقين. وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات منددة بهذا الاختراق السلبي الخطير، لأن معظم القنوات تسوق للتفاهة والجهل وضرب منظومة القيم المجتمعية، والانحراف بالتربية نحو متاهات خطيرة، انخرطت العديد من الدول مثل فرنسا وإنجلترا والمغرب، في مشروع ترسانات قانونية لتمنيع المجتمع ضد " التأثير السلبي"، سيما وأن بعض الدراسات العلمية أكدت أن قنوات المؤثرين لها سلبيات عديدة على الأطفال والمراهقين، منها تعطيل نومهم لأن كل طفل يقضي ثلاث ساعات أمام هذه القنوات في المعدل، وتعريضهم للتنمر وشحنهم بالأخبار الزائفة، بمقابل ذلك هناك من ينتصر لهذه القنوات التي يرونها تساعد الأطفال على الترفيه والتعبير عن الذات وتجنب الارتماء في الاكتئاب. وبين رافض ومؤيد يحقق المؤثرون عائدات وأرباح لا حصر لها، ما أغرى آخرين بفتح قنوات تزايد عددها مع مرور الأيام. من "السوشيال ميديا" إلى السجون ظل الكثير من المؤثرين ببلادنا يعتقدون خطأ لن تطولهم أيادي القانون، وأنه لربما أن قواعدهم الجماهيرية الواسعة قد تكون سندهم وقلاعهم الحصينة التي لا يمكن اختراقها، لكن بمرور الأيام أتضح أن العديد من المحتويات المنشورة، أضحت موضوع شكايات من طرف الدولة تارة ومن قبل أشخاص تارة أخرى. ومن أشهر القضايا التي تابعها الرأي العام قضية تفجرت في 18 مارس من 2020، والتي تعرف بقضية " مي نعيمة "، ففي عز جائحة كورونا وتهديدها لسلامة المواطنين، اختارت هذه المرأة البدوية أن تعاكس توجهات عمومية بالقول بأن كورونا لا وجود لها، وظهرت بدون كمامة وهي تتبضع من أحد الاسواق، ما اعتبره مواطنون يومذاك منحى خطيرا يشكك في الدعوة إلى الاحترازات الصحية اللازمة. وعلى خلفية ذلك توبعت المعنية بالأمر بنشر أخبار زائفة وعصيان أوامر رسمية وتحريض الناس على رفضها، ولأول مرة يكون القضاء المغربي صارما في ردع سلوك يوتيوبر لها أتباع كثيرون، عندما عاقبتها المحكمة بسنة حبسا نافذا. ولعل منشأ توجه هذه المرأة البدوية حركه مبدأ " خالف تعرف" لحشد المزيد من المتابعة الجماهيرية المدرة للأرباح، وكان الحكم عليها خطابا صريحا من الدولة إلى كل مستعملي التواصل الاجتماعي ومالكي القنوات أنهم ليسوا أبدا بمنأى عن المساءلة القانونية . قضية البورقادي والمالكي سباق شهرة هي قضية تفجرت بين محمد البورقادي وإلياس المالكي. شابان من الجديدة في عقدهما الثالث، استطاعا في ظرف وجيز أن يحجزا لنفسيهما، مساحة عريضة في أوساط شباب من المغرب وخارج الحدود. ركبا في البداية تجربة " اليوتيوبر" بكيفية مشتركة، إلى أن ذاع صيتهما بشكل رهيب. وفي لحظة ولأسباب ما قررا الانفصال، حيث أسس البورقادي قناته على اليوتوب وتيك توك، ومنذ ذلك الوقت نشب بينهما صراع " نشر الغسيل" شد انتباه متابعين لهما، وكان ذلك يدر عليهما مداخيل محترمة، يندرج ضمن صراع البقاء والاستفراد بالقواعد الجماهيرية. وفي يوم 25 شتنبر 2023، كتب للصراع أن ينقل بينهما من الفضاء الأزرق إلى ردهات محكمة الاستئناف بالجديدة، بشكاية ذكر فيها البورقادي أن إلياس المالكي استدرجه بواسطة شخص آخر إلى مكان على كورنيش الجديدة، وأنه عرضه إلى الضرب والتهديد بواسطة السلاح الأبيض رفقة أشخاص آخرين، وسرقوا منه مبلغ 1000 درهم، وهو ما جعل الوكيل العام يتابعهم بالسرقة الموصوفة ليلا وتعدد الجناة واستعمال ناقلة ذات محرك والتهديد بالسلاح الأبيض والضرب والجرح والتقاط وبث تركيبة من أقوال شخص وصورته دون موافقته من أجل المس بالحياة الخاصة والتشهير والمشاركة . ومن صلب هذه القضية خرج فصل جديد ومثير يتعلق بأمر من وكيل الملك بإيداع محمد البورقادي السجن المحلي بسيدي موسى ومحاكمته طبقا للقانون، وذلك بعدما تواصل الصراع على الفضاء الأزرق بمجموعة من الخرجات والوصلات، حد فقدان البورقادي لبرودة دمه لما عمد إلى الإخلال بالحياء العام وإظهار جهازه التناسلي أمام خصومه، ما دفع بهم إلى تحريك شكاية مضادة من إحدى النساء زجت به في السجن منذ ما يقارب أسبوعين، ومنذ ما يزيد عن الشهرين توقفت قناة إلياس المالكي عن البث، كما توقفت قناة البورقادي كذلك قرابة 15 يوما، فتحول إثرها النقاش الحاد مناصفة بين مؤيدي وأتباع المالكي من جهة وبين مناصرين للبورقادي، وتحول ذلك الالتفاف حولهما إلى حضور قوي لمتابعة المحاكمة المثيرة، التي تأجلت إلى يوم 5 دجنبر لعرض شريط الاعتداء بشاشة المحكمة للتأكد من واقعة السرقة الموصوفة، بينما ينتظر الشروع في محاكمة البورقادي في 29 من الشهر الجاري، وذلك كله في فصل مثير لمحاكمة اثنين من أشهر المؤثرين ببلادنا. ما يشبه الختم أدى الهوس على توسيع القواعد الجماهيرية للمؤثرين، إلى جني الكثير من المكتسبات المالية التي انعكست إيجابا على ترقية مستويات معيشتهم، لكن التنافس بينهم على اكتساح مزيد من المتتبعين لقنواتهم جعلهم يتباهون بحجم ما بلغوه من نسب مشاهدة، وما يحققونه من مداخيل مالية، كل ذلك فتح أعين الحكومة للقيام بتضريب صانعي المحتوى على اليوتوب، كما أن الصراعات بين المؤثرين التي تجاوزت التشهير إلى المساس بالحريات الشخصية، جعلت مخالفاتهم تحت طائلة مقتضيات القانون الجنائي، عندما تحولت في محطات منها إلى تبادل الأذى الجسدي بينهم وتصفية الحسابات والترويج لها على المنصات الإلكترونية . البحث والمتابعة قال يوسف وهابي محام بهيأة الجديدة إن دائرة التشهير والمساس بالحياة الخاصة بالأشخاص، اتسعت بشكل كبير في ظل فورة التكنولوجيا الرقمية، وإن ما شجعها هو أن الصفحات والحسابات تظل في معظمها خارج المسؤولية، وتتسبب في آثار نفسية رهيبة بل إنها مدمرة على مستويات عديدة . وأضاف أن المحتوى المقدم في قنوات تأثير كثيرة، يساهم شئنا أم أبينا في خلخلة منظومة التربية والقيم، وشدد على أن معظم هذا المحتوى الذي يوجه للعموم وخاصة إلى أطفال ومراهقين، يظل خارج التأطير القانوني، وأن الجميع مع حرية التعبير فعلا ولكن يتعين ربط المسؤولية بالمحاسبة. ولفت الانتباه إلى أن أغلب المؤثرين وصانعي المحتويات في شبكات التواصل الاجتماعي، ليس لهم تكوين في الصحافة ولا يرقون إلى درجة تسميتهم ا وبالتالي لا يمكن أن يكون ما ينتجونه تحت طائلة مقتضيات قانون الصحافة والنشر. وطالب وهابي بالتصدي لجرائم التشهير وكل المحتويات الرقمية المؤثرة في المجتمع، والتي لها قواعد متابعة واسعة، وذلك عن طريق فتح مجالات متابعة عبر تعديلات في بعض مواد القانون الجنائي المغربي، وتوسيع اختصاصات أجهزة البحث ومنحها صلاحيات أكثر للوصول إلى الفاعلين وأيضا إلى مشاركيهم، مبرزا أن مسطرة المتابعة الجنائية ببلادنا تعززت بفصول رادعة لكل السلوكات والمخالفات التي دمرت نفسيات وشتتت أسرا وانحرفت بالتربية عن مسارها القويم، حسب تعبيره خاتما رأيه بأن حرية التعبير مقبولة ولكن يتعين أن تكون مؤطرة بالقانون، ليعلم المؤثرون فعلا أن "المسؤولية دائما مرتبطة بالمساءلة القانونية". تحكيم العقل والصلح تحولت قضية البورقادي والمالكي إلى موضوع للاستهلاك بين رواد منصات التواصل الاجتماعي، ففي الوقت الذي اعتبر فيه البورقادي وهو الطرف المشتكي أنه تعرض لاعتداء وسرقة من قبل إلياس المالكي وبعض من شركائه وعددهم ثلاثة يحاكمون اليوم، وزاد أن ذلك انتقاما منه على ما أضحت قناته تشكله من تطور كبير في عدد متتبعيها، وهو أمر لم يرض المالكي الذي أضحى يراه منافسا له ويتقاسم معه الشعبية. بمقابل ذلك أكد المالكي على خاصية السطوري أن البورقادي تمادى في كيل الشتم له والسب على قناته، وأنه حذره من ذلك ولما لم يرعو أدبه عن سلوكه. وبين المالكي والبورقادي نقرأ في الكثير من الجدران على الفايسبوك، ردود أفعال بين مؤيد للبورقادي لحظة الاعتداء عليه، ومنها شاب متفاعل كتب بأن تصرف المالكي يعكس تحديا لدولة الحق والقانون والمؤسسات وطالب " هاد فرعون خاصو يتربى ليكون مثالا لآخرين". وذهبت أخرى للقول بأن ما حدث بين البورقادي والمالكي لا يشرف عالم صانعي المحتوى والمؤثرين وقالت " حشومة هاذ شي لي وصلوا ليه، سيروا تنافسوا في شي حاجة زوينة وبعدو عن تصفية الحسابات" بمقابل ذلك انتصر آخرون للمالكي وكتبوا " بعد الواقعة واصل البورقادي تنمره على المالكي وهذا طبعا لا يخدم مستقبل مؤثرين كانا في السابق إخوة". طرف آخر شدد على أن الواقعة غيبت عنهم صاحب المقولة الشهيرة " واحسن" ودعا إلى تحكيم العقل والصلح بين الاثنين " من الأحسن ليهم يتصالحو ورجعوا النشاط ديالهم لقد افتقدناهما كثيرا".

مؤثرون تحت مقصلة القانون

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

صفقات وتزوير تطيح بأطباء وإداريين

آش خاصك تدير؟: ترحيل السجناء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات