محمد التبر… شيخ المحاماة

هرم مخضرم من أهرام المهنة وصفه النقيب درميش بـ"المعلم الكبير" عندما توفي محمد التبر، المحامي بهيأة المحامين بالبيضاء، في 2014، تلقت أسرته برقية تعزية من الملك، وصف فيها الفقيد ب "محام متميز، مشهود له بالكفاءة القانونية، وحرصه على خدمة مهنة المحاماة بكل صدق وأمانة». سيدي محمد، كما كان يلقب من قبل زملائه، ضمن الأوائل الذين مارسوا مهنة المحاماة بالمملكة، إذ انخرط في سلكها في دجنبر 1952، قبل نيل الاستقلال بأربع سنوات، بعد أن أدى قسم المهنة في 23 دجنبر 1952، بمحكمة الاستئناف بالرباط. التبر سليل العائلة المراكشية العريقة، ولد في 1927 بالمدينة الحمراء، حيث نشأ وترعرع إلى أن سافر إلى فرنسا ليكمل مساره التعليمي في الرياضيات، إلى أن نال شهادة الباكلوريا بميزة، وهو ابن 21 سنة، ليلتحق رغم توجهه العلمي بجامعة السوربون بباريس لينال بامتياز شهادة عليا في الحقوق، غيرت توجهه وفتحت عينيه على مهنة الدفاع، التي كانت حكرا على الفرنسيين في عهد الحماية، بل ولم تكن مستقلة بفعل تأثير المحتل الأجنبي، الذي كان ينظمها وفق قواعد يتحكم فيها القضاء. جمع الراحل في حياته بين عدة مهام، فبعد أن التحق بالمحاماة، تراجع ليشتغل في القضاء، وشغل مهمة بالمجلس الأعلى، المحدث في 1957، وهي أعلى هيأة قضائية، (محكمة النقض حاليا)، وكانت ضمن مهامها الكبرى مراقبة شرعية القرارات التي تصدرها محاكم الموضوع ويضمن بذلك توحيد الاجتهاد القضائي، إلا أن مقامه بهذه الوظيفة لم يعمر طويلا، فسرعان ما شده الحنين من جديد إلى البذلة السوداء، ومرافعات المحاكم لمؤازرة المستضعفين، رغم أنه شغل في المجلس الأعلى مهمة محام عام بإحدى الغرف الست التي كانت تشكل المجلس. كانت للفقيد مهام أخرى، من قبيل رئاسة الفريق الاشتراكي بالبرلمان، والتي أبلى فيها البلاء الحسن، في زمن عرف بسنوات الرصاص. ظل التبر مرجعا للمحامين، وقدوة للمهنيين، كما كانت الدقة في التحليل وفي بسط دفوعاته القانونية، سمة مميزة، تسيطر على نوادي المحامين ودردشاتهم. لم يكتف التبر بمهامه السياسية والمهنية، بل انخرط في مجالات أخرى كالرياضة، والملاكمة خصوصا حيث ترأس الجامعة الملكية لهذه الرياضة ثم الجامعة الملكية للشطرنج، ناهيك عن إدارته للندوات والمؤتمرات والدورات التدريبية لفائدة المحامين الشباب، وتميزت محاضراته، التي كانت تنظم بالبيضاء وغيرها من المدن المغربية، بالإقبال الكبير، إذ أنها فرصة لا تعوض بالنسبة إلى المهنيين والمهتمين بالقانون والسياسة. كم كانت صدمة أصدقائه وزملائه كبيرة عندما علموا بوفاته في 2014 بباريس، بعد مرض ألم به، إذ افتقد المحامون هرما من أهرام المرافعات، وعالما من علماء فنون الدفاع، وخبيرا خبراء الأناقة في ضبط الثغرات القانونية وإقناع هيأة الحكم بوجاهة دفاعه، وكانت ضمن الشهادات المؤثرة التي قيلت في حق الراحل بعد وفاته، تلك التي صدرت عن قيدوم المحامين، الدكتور عبد الله درميش، وعنونها ب"كلمة في حق المعلم الكبير"، مستهلا مرثيته قائلا: " بكلمات مكسورة، وبمفردات عصية على القلم أمام تعطل لغة الكلام، أقول كلمة في حق شيخ مهنة المحاماة، وأحد رموزها، وأكبر حكماء هيأة المحامين بالدار البيضاء الفقيد سيدي محمد التبر المعلم الكبير لكل الأجيال والفئات والأطياف في صفوف المهنة». مضيفا "إنه لم يكن فقط هرما من أهرامات المحاماة، بل كان قمة من قممها، ولم يكن شجرة مثمرة فحسب في حقل المهنة ، بل كان نخلة باسقة تعلو كل الأشجار. ذكاؤه لا يجود الزمان بمثله إلا لماما، انه فلتة من فلتات الدهر». رثاء لم تقتصر كلمة الدكتور عبد الله درميش، على رثاء الفقيد بل جاءت مطولة عبرت كل المحطات التاريخية التي عاشها الراحل، وسرد فيها كل الخصال التي عرف بها، كيف لا وهو معلمه قبل أن يكون زميلا له، إذ أشار درميش إلى أن أول لقاء كان له به حدث في 1966، وهو اللقاء الذي ظل عالقا بذهنه، لم يفارقه حتى بعد أن رحل إلى دار البقاء وقال عنه " تعرفت عليه سنة 1966، حين التحقت بهيأة المحامين بالدار البيضاء محاميا متمرنا، وكان هو آنذاك عضوا بمجلس الهيأة، وفي إطار الزيارة الواجبة للنقيب ولأعضاء المجلس، استقبلني المرحوم في مكتبه ، وكان التوقيت مضبوطا، وعقارب الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهرا، واليوم يوم رمضان الشهر الفضيل، وكلمني كثيرا في مواضيع مختلفة، وكنت أصغى إليه بإمعان، مندهشا أحيانا، ومرتبكا أحيانا أخرى، اقرأ في عينيه معالم الذكاء الثاقب. كان في منتهى الأناقة التي لم تفارقه قط قيد حياته، كان أنيقا أناقة فكره». المصطفى صفر

محمد التبر… شيخ المحاماة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ميلونشون: على فرنسا دعم الحكم الذاتي

عقارات البيضاء تحت الضغط

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات