تابرادجوت وتوزونطان قريتان تواجهان انهيارات متتالية في انتظار التفاتة إنسانية في خضم الانشغال بمحاولات الوصول إلى جميع الدواوير والمناطق المتضررة من الزلزال، ومواجهة تحديات الإنقاذ وانتشال جثث الهالكين من تحت الأنقاض وإيصال المساعدات إلى الناجين، لم يكن معلوما أن هناك قرى تواجه الموت في صمت إلا بعد أن قرر "نضيف" أحد شباب دوار تابرادجوت بتراب جماعة للا عزيزة إقليم شيشاوة، الاستنجاد بوسائل الإعلام. محمد بها / تصوير: عبد الحق خليفة (موفدا الصباح إلى إقليم شيشاوة) فضل الشاب الذي يشتغل نادلا بأحد المطاعم بجماعة سعادة ضواحي مراكش، ترك عمله مؤقتا والتركيز على محاولات الاتصال بالصحافيين المتمركزين بأمزميز إقليم الحوز، لإيصال صوت سكان دواري تابرادجوت وتوزونطان المعزولين عن العالم الخارجي، لعلهما يحظيان بالتفاتة إنسانية قبل فوات الأوان، لتتوج محاولة نضيف بلقاء طاقم "الصباح"، الذي قرر تلبية النداء وتأدية الواجب المهني والوطني بحماس متقد، في ظرفية يحتاج فيها الوطن لمختلف أبنائه. صعوبات رحلة الساعة تشير إلى التاسعة صباحا من الاثنين الماضي، الانتقال إلى دوار تابرادجوت بجماعة للا عزيزة إقليم شيشاوة، لم يكن يسيرا، بل شهدت الرحلة صعوبات كبيرة مرتبطة بوعورة التضاريس، فرغم وجود مقطع طرقي معبد إلى تراب المنطقة، إلا أن المسالك المؤدية إلى الدواوير المشكلة للجماعة القروية، شكلت عقبة وتحديا للراغب في الوصول إلى السكان المتضررين من الزلزال. ورغم مرور ثلاثة أيام على فاجعة الزلزال، ما تزال الطرق المؤدية إلى قريتي تابرادجوت وتوزونطان في إقليم شيشاوة مقطوعة، بسبب الانهيارات الصخرية التي تسبب فيها زلزال الحوز المدمر، مما حال دون وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المتضررين. مبيت وسط العراء من الأمور التي تثير انتباه زائر دوار تابرادجوت، الأفرشة المنتشرة في الأراضي العارية، وتجمعات لنسوة وأطفالهن حول موائد الإفطار، قبل أن يكشف الشاب نضيف ابن الدوار وهو يتحدث إلينا باللهجة العامية "شوفو فين كيباتو الناس مساكن غير فالخلا فهاد البرد"، مشددا على أنه رغم عدم تسجيل حالات وفيات بقريته إلا أن المنازل الطينية تحولت إلى ركام، ولم تعد صالحة للسكن، مما اضطر أهلها لافتراش الأرض والتحاف السماء. وبمجرد رؤية سكان الدوار سيارة غريبة تدخل قريتهم يفضون تجمعاتهم، يلتحقون بمحيط أحد المنازل المهدمة في محاولة لاستطلاع الأمر، قبل أن يخبرهم الشاب أنه استقدم الصحافة لتسليط الضوء على معاناة القرية لعل المسؤولين يستجيبون لنداء الاستغاثة. من سكان إلى متشردين اختزلت فاضمة، امرأة تبلغ حوالي سبعين سنة، في تصريح ل"الصباح"، بعد التحدث إليها بالأمازيغية معاناة سكان الدوار، قائلة "هاياغ أنترواح غير غبرا غوصميداد، حتى يان أوراغيلكيم، ماش الحمد لله الخسائر غلارواح أورلين غدوار"، وهو ما يعني باللغة العربية "نبيت في العراء في ظل البرد القارس، لم يقم بزيارتنا أي شخص، ولكن الحمد لله لم تكن هناك خسائر في الأرواح". وأضافت فاضمة وهي تصرخ بشكل احتجاجي، أن النسوة والأطفال ورجال القرية أصبحوا متشردين، يقضون حياتهم اليومية في العراء، بعد انهيار منازلهم وتعرض أخرى لشقوق تنذر بانهيارات خلال الساعات المقبلة. وبدوره، قال العربي أحد سكان دوار تابرادجوت إن سكان القرية صاروا معزولين عن العالم بعد تضرر الطريق المؤدية إليهم، إضافة إلى انقطاع شبكة الاتصال وضعف الصبيب. وأضاف العربي، أن البيوت التي لم تتعرض للدمار بدوار تابرادجوت تصدعت جدرانها بشكل بارز، ما اضطر السكان للمبيت في العراء، خوفا من انهيارها على رؤوسهم. اتصال ينقذ أرواحا محماد، واحد من أبناء دوار تابرادجوت الذي كان غائبا عن قريته ليلة وقوع الزلزال بفعل اشتغاله بإنزكان ضواحي أكادير، إلا أنه بمجرد شعوره بهزة أرضية وتأكده أنها زلزال، أسرع للاتصال بزوجته، طالبا منها الفرار رفقة أطفالهما من البيت قبل فوات الأوان، وهو الإشعار الذي أنقذ الزوجة والأبناء من موت محقق، بعدما تعرض بيت الأسرة لانهيار كبير. وبعد التأكد من أن الواقعة زلزال مدمر أسقط ضحايا بالجملة بأقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت وورزازات، قرر الرجل شد الرحال في الساعات الأولى من صباح اليوم الموالي إلى إيمينتانوت إقليم شيشاوة، قبل تنظيم رحلة أخرى، إلى جماعة للا عزيزة للاطمئنان على عائلته. وللوصول إلى دوار تابرادجوت اضطر محماد إلى الاستعانة بخدمات سيارة للنقل السري، قبل إكمال السير ل10 دقائق مشيا وهو يسارع الخطى للاطمئنان على شريكة حياته وفلذات كبده، الذين تبين أنهم لم يتعرضوا لأذى، في حين وجد بيته قد انهار، شأنه شأن باقي البيوت التي دمرت، أو تعرضت لتصدعات تنذر بسقوط محتمل. لحظات مرعبة في الوقت الذي كانت "الصباح"، تستمع إلى سكان دوار تابرادجوت وقصصهم المبكية بعد تعرض منازلهم للدمار وكيف تحولوا إلى متشردين يبيتون في العراء، عاش طاقم الجريدة وعدد من أبناء ونساء الدوار لحظات تحبس الأنفاس، بعد سقوط سور أحد المنازل المهدمة، قبل أن تتداعى واجهة بيت آخر بشكل متوال. ولولا الألطاف الإلهية وفرار من كانوا بالمكان لتحول المجتمعون إلى ضحايا، الأمر الذي جعل الطاقم الصحافي يطلب من الأشخاص المتحدثين، الانتقال إلى مكان آخر أكثر أمنا حتى لا يتعرض أحد لمكروه، خاصة الأطفال الذين كانوا يلعبون في أماكن متفرقة. تكافل رغم هول الفاجعة، إلا أن خصال الشهامة والكرم الحاتمي الذي يتميز به المغاربة، جعل سكان القرية يتقاسمون ما توفر من طعام، بينما اختار من لم تتعرض منازلهم للانهيار استضافة عدد من الأسر، وفي الوقت نفسه إعداد الطعام وتقديمه إلى من فقدوا بيوتهم وصاروا يعيشون في العراء، دون نسيان إصرار عدد من الأسر على استضافة الطاقم الصحافي، الذي اعتذر عن قبول الدعوة بالشكر والامتنان. وفي الوقت الذي كانت عيون المتضررين تترقب وصول السلطات أو المتطوعين والمحامين وباقي فعاليات المجتمع المدني، قرروا الاستعانة بما توفر أو بما حصلوا عليه من قبل بعض فاعلي الخير، الذين تصادف وجود "الصباح" مع حلولهم بالقرية محملين بعدد من المواد الغذائية لتقديم العون وتخفيف الضرر عن سكان الدوار. طفولة بريئة تنتظر الفرج بعدما خلف الزلزال دمارا كبيرا بالمدرسة الابتدائية بدوار تابرادجوت، وقرار الوزارة الوصية توقيف الدراسة بعدد من الجماعات والمناطق المنكوبة، إلا أن براءة الطفولة كان لها رأي آخر. وفي الوقت الذي كانت التغطية الإعلامية منصبة على ظروف عيش سكان الدوار بعد واقعة الزلزال، أثار انتباه "الصباح"، مرور طفل صغير وهو يحمل محفظة مدرسية، سالكا رفقة شقيقه الطريق المؤدية إلى المدرسة، قبل أن تتم المناداة عليه ومخاطبته بالأمازيعية " مانيتريت"، ليجيبنا شقيقه القاصر بلغة عربية "رغم تعطيل الدراسة خاصة أن المدرسة الابتدائية تدمرت بفعل الزلزال، إلا أن أخي المسكين لا يفقه شيئا وأصر على حمل محفظته لطلب العلم، وما كان مني سوى مجاراته بجولة بالطريق المؤدية للمؤسسة حتى يتأكد أنها صارت في خبر كان". توزونطان...ليلة مواجهة الموت في الساعة الحادية عشرة ليلا من مساء الجمعة الماضي، تفاجأ سكان دوار توزونطان بجماعة للا عزيزة، بمشهد مرعب تمثل في هزات أرضية عنيفة، جعلت منازلهم تتساقط، وهو ما جعل الأتربة تغمر البيوت المهدمة وتحولها إلى مقابر للأحياء بعد أن طمرتها بعلو مرتفع. ورغم إسراع سكان الدوار لانتشال الضحايا وإزالة مخلفات الانهيار عنهم، إلا أنهم تفاجؤوا باختفاء طفلة وجدها، بعد أن تحولت الحجارة والأتربة إلى ركام تصعب إزالته. غياب السلطة كشف محماد بورجيلة، من سكان دوار توزونطان، وقريب الهالكين، اللذين قضيا نحبهما جراء الزلزال، أنه بعد فرار السكان من منازلهم التي كانت تتداعى تباعا، وتمكن آخرين من الخروج من تحت الأنقاض، بدأت عملية الإنقاذ بشكل تقليدي جدا، ولم تكن بحجم الكارثة. وانتقد الرجل الذي فقد والده وابنة شقيقه، غياب عون السلطة والقائد رغم تأكدهما أن الأمر يتعلق بزلزال نتج عنه ضحايا ودمار، معاتبا عدم تدخل السلطة المحلية رغم التعليمات الملكية، التي شددت على ضرورة تقديم يد المساعدة للضحايا. ضحايا تحولوا الى مسعفين كشف عمر، فاعل جمعوي، أنه أمام غياب فرق الإنقاذ التي لم تتوصل بأي إشعار وعدم حضور عون السلطة والقائد، رغم هول الفاجعة، لم يتردد شباب ورجال دوار توزونطان في نزع ثوب الضحايا وارتداء ثوب مسعفين بدرجة مغامرين، في محاولة منهم إخراج العالقين تحت الأنقاض. وأضاف عمر أن سكان الدوار قرروا التشمير عن سواعدهم، متحدين نفسيتهم المهزوزة، إذ تمت الاستعانة في البداية بمعدات بسيطة، تتمثل في الحفر اليدوي وإزالة الركام، إلا أنه أمام صعوبة عملية الإنقاذ، تم الاستنجاد بعمال مكلفين بمشروع السد، الذين لبوا نداء الاستغاثة. ورغم استعمال إحدى الجرافات، إلا أن المتطوعين لم يتمكنوا من إخراج طفلة تبلغ من العمر 11 سنة رفقة جدها، بسبب عمق الأتربة والأحجار التي غطت بقايا المنزل المنهار كليا. وكشفت إحدى النسوة من عائلة الهالكين، أنه رغم تعاون أبناء الدوار وبعض عمال مشروع السد، إلا أنهم لم يستطيعوا السيطرة على الوضع أمام ضيق الوقت. وأضافت المرأة وهي تحكي لطاقم "الصباح"، بصوت متقطع لهول ما رأته عيناها من مشهد مرعب، "العنصر البشري لم يكن في مستوى التحديات المطروحة، فرغم نكران الذات والتضحية التي أبان عنها أبناء الدوار شبابا وكهولا في محاولة الإنقاذ، إلا أنها لم تكن كافية نظرا لحاجة الكارثة المأساوية لمتخصصين في عمليات الإنقاذ، كما أن الجرافات التي تم استقدامها لم تكن كافية، لأنها لم تكن قادرة على مجاراة الوقت الذي لا يرحم". محن مشتركة من المحن التي يشترك فيها سكان قريتي تابرادجوت وتوزونطان، عدم التوفر على الخيم والأغطية الكافية أمام برودة الطقس وتساقط الأمطار على الأبواب. ومازال سكان دواري تابرادجوت وتوزونطان من كلا الجنسين، في انتظار التوصل بأغطية وأفرشة تعينهم على مواجهة مصاعب الحياة اليومية. وباستثناء خيمة واحدة وفرها فاعل جمعوي لسكان دوار توزونطان تجمعت فيها نسوة الدوار وأطفالهن، اضطر الرجال للمبيت في العراء، في انتظار التوصل بخيم وأغطية. انهيارات صخرية رغم الجهود المضنية التي تبذلها السلطات لفك العزلة عن القرى المتضررة، إلا أن توالي الانهيارات الصخرية، يعيد إغلاق الطرق ويعيق إيصال مساعدات إنسانية تتضمن خياما وطعاما وأفرشة، من قبل بعض الجمعيات والمحسنين. ووجدت السلطات صعوبة بالغة في الوصول إلى كافة المناطق المتضررة، الموزعة على مساحات شاسعة في الجبال، لتصبح تدخلاتها منصبة على محاولات لفتح الطرق، وهو ما يضيع مجهودات مساعدة المتضررين. وينتظر سكان قرى جماعة للا عزيزة، أن تفتح الطريق لتسهل عملية وصول المساعدات الإنسانية بسرعة إلى القرية، التي تهدمت أغلب منازلها، ويعيش أفرادها الرعب في العراء مع كل هزة ارتدادية.