صارت رديفا للنصب للاغتناء غير المشروع لغياب ضمانات قانونية تحمي المنخرطين أصبح الانخراط في الوداديات السكنية مغامرة، إما الاستفادة من السكن وتحقيق الحلم، أو ضياع المال وتخصيص كل الوقت للوقفات والاحتجاجات والمتابعات القضائية. تكاد اليوم أن تكون الوداديات رديف النصب والاغتناء غير المشروع بدليل عدد القضايا المعروضة اليوم أمام المحاكم، وعدد الإدانات الصادرة في حق رؤساء عدد منها، وإضافة إلى وجود وداديات ظلت عالقة، يقدر عمرها بالعقود لا بالسنوات. إعداد : عبد الجليل شاهي (أكادير) منحت الدولة الوداديات السكنية عدة امتيازات، خاصة على المستوى الضريبي والعقاري والتكوين والتأطير والمساعدة القانونية، وكذلك المراقبة وفض النزاعات بين المنخرطين، وهى عوامل شجعت بالفعل فئات عديدة على الانخراط. ويتم تأسيس الوداديات السكنية بدون تعقيدات مسطرية، وفق معايير وضوابط قانونية تحفظ مصالح كل الأطراف. ويبرز الهدف الأساسي لتأسيس الوداديات السكنية في امتلاك سكن لائق وبأقل تكلفة ممكنة وبشروط تفضيلية. ونجحت بعض الوداديات فعلا في تمكين منخرطيها من السكن اللائق بأثمان معقولة جدا، وفي ظرف ملائم نتيجة التزامهم بقانون الودادية، وحرصهم على أداء أقساط الدفعات في وقتها المحدد وكذا بفضل التسيير المحكم لمكاتبها، لكن في المقابل تورطت مكاتب وداديات في خروقات، وتمت إحالة عدد كبير من الملفات على القضاء بالعديد من المدن، بسبب جشع لوبيات مافيا العقار، وامتلاكها خبرة فائقة في التحايل على القانون لحرمان صناديق الدولة من ضخ المستحقات القانونية فيها، ولها رغبة هائلة في الاغتناء السريع. 13 سنة سجنا وزعت المحكمة الابتدائية بإنزكان، أخيرا، 13 سنة سجنا على ثلاثة أعضاء من ودادية السكـن بإنزكـان أيت ملول، بتهمة النصب على منخرطي الودادية عبر تسلم انخراطاتهم وعدم تسليم الشقق السكنية في الأوقات المحددة في إعلانات البيع، إذ أدانت الرئيس بخمس سنوات سجنا، وأربع سنوات حبسا نافذا لأمين المال والكاتب العام، وما زال عضو بمكتب الودادية حرا طليقا دون متابعة، في حين صدرت في حق الرئيسة السابقة للودادية، وهي زوجة الرئيس المدان بالحبس، ثلاث مذكرات بحث وطنية. وتعود تفاصيل القضية، حينما تقدم أزيد من 800 منخرط بالودادية المحدثة سنة 2013، أغلبهم رجال تعليم وتجار ومهاجرون مغاربة بالخارج، بشكايات للنيابة العامة بإنزكان، أكدوا من خلالها عدم التزام أعضاء المكتب المسير للودادية، بالعقود المبرمة معهم، وتخلفه عن تسليمهم شققهم رغم أدائهم مبالغ تتراوح بين 30 مليونا و55، متهمينهم بالنصب والاحتيال وبيع مشاريع وهمية للمنخرطين. ورغم استكمال بناء أول مشروع للودادية بأيت ملول، اكتشف المنخرطون أنه مجرد واجهة لتسويق مشاريع أخرى، وأن العديد من الشقق بيعت لأكثر من مستفيد، وأن استصدار رخص السكن والربط بالماء والكهرباء مستحيل، لأن موقع البناء لم يكن مرخصا لبناء الشقق السكنية، بل كان مرخصا حسب تصميم التهيئة لبناء الفيلات السكنية. وعمد مسير الودادية إلى إنشاء عدة مشاريع سكنية، بلغ عددها ثمانية، منها ما هو معروف بـ"النجاح 1"، و"النجاح 2" و"النجاح 3" بكل من أيت ملول والدشيرة، ومشاريع عقار تخص بيع بقع أرضية بالدراركة. استدراج الضحايا قدم مسؤولو الودادية عروضا مغرية لمن يسعون لامتلاك شقق سكنية مقابل سعر يتراوح ما بين 2500 درهم و4500 للمتر المربع، حيث وعدوهم بامتلاك شقق من 65 مترا مربعا بأقل من 16 مليون سنتيم فقط، بينما أعلن أيضا أن مبلغ 20 مليونا كاف لاقتناء شقة 120 مترا مربعا، مع فضاءات للترفيه مشتركة بين السكان. وتمت عملية الاستقطاب عن طريق تبسيط الدفعة الأولى التي لا تتجاوز سبعة ملايين سنتيم أو أقل، كل حسب ظروفه المادية والفئة التي ينتمي لها، مع إعطاء وعود بتسريع عملية البناء وتسليم الشقق، إذ كان مقررا تسليمها سنة 2017، ليبدأ مسلسل الانتظار والتأجيلات إلى حدود الساعة، فيما تفاجأ منخرطو مشروع النجاح 3 ببيع عقاره دون إخبارهم، يليه عدم حصول مشروع النجاح 1 على رخصة السكن بسبب عدم مطابقته لمعايير البناء المعمول بها بالمنطقة، إضافة إلى العديد من المشاكل التي دفعت بالمشتكين إلى اللجوء للقضاء كآخر حل للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم. خرق القانون بات قطاع الوداديات السكنية بالمغرب يعيش أزمة حادة تنذر بالسكتة القلبية، لأن أغلبها لا يخضع لمراقبة من طرف الدولة، في ظل أن القانون المنظم للحريات العامة، ينص على أن العمل في الوداديات والجمعيات لا يهدف إلى تحقيق الربح، فيما الواقع أن أعضاء المكتب المسير للوداديات أصبحوا في وقت وجيز من أصحاب الملايين، واستفادوا من البقع الأرضية الممتازة الموجودة على أحسن الوجهات مجانا، بالإضافة إلى استغلال الرصيد المالي من دفعات المنخرطين في وجهات استثمارية بعيدة عن أهداف المشروع الذي من أجله تجمع هذه الأموال، دون علم المنخرطين، وتوزيع ريعها فيما بعد بين أعضاء المكتب المسير. وتشتغل أغلب الوداديات السكنية خارج القانون، بحيث يعمد أعضاء المكتب المسير للتهرب من المحاسبة والمساءلة، بعدم عقد الجموع العامة السنوية، وعدم تجديد المكاتب المسيرة للوداديات، رغم انتهاء فترة ولايتها، وكذا عدم تعهد المنخرط بالالتزام التام بالقانونين الأساسي والداخلي للودادية، ومقررات الجموع العامة والاستثنائية، ويحدث هذا دون اطلاع المنخرطين عن القانونين الأساسي والداخلي، كما تحترف بعض الوداديات النصب والاحتيال بإشهار حسابات علنية وإخفاء أخرى سرية لا علم للمنخرطين بوجودها، بالإضافة إلى الترحيب بفئة من المنخرطين دون سواها تتكون في الغالب من فئة التجار ومن أفراد الجالية المقيمة بالخارج، حتى تضمن عدم اعتراض هؤلاء على قرارات الجمعية لانشغالاتهم الكثيرة وغيابهم عن أرض الوطن. وفي ظل غياب إجراءات رادعة لمثل هذه الخروقات، يعتبر القضاء والسلطة المحلية الطرفان المعنيان بالدرجة الأولى بإيجاد حلول منصفة للمنخرطين ضحايا جشع هذه اللوبيات، وحفظ حقوق الدولة في استخلاص الضرائب والمستحقات من الذين يتخذون من الوداديات مطية لتحقيق أهدافهم الجشعة . وللحد من النزيف أصبح على جميع المواطنين الالتزام بالحيطة والحذر وعدم السقوط ضحية لأكاذيب لوبيات العقار، التي تستغل الوداديات فقط واجهة، وضرورة إعمال القانون من قبل السلطات القضائية، بالاعتقال الفوري لكل المفسدين العقاريين الذين يتسترون وراء غطاء الوداديات السكنية مع تشديد العقوبة في حقهم والحرص على تأمين مصالح المنخرطين من خلال تتبع خيوط مجمل المعاملات المالية بالوداديات والعمل على استرداد أموالهم بالكامل، مع ضرورة اعتماد الشفافية في عمليات تأسيس الوداديات السكنية الجديدة، مع إخضاع الأشخاص الراغبين في الانخراط فيها لتأطير يتوخى من ورائه الحفاظ على مصالح كافة الأطراف المعنية، بالإضافة إلى إجبار الوداديات على عقد الجموع العامة السنوية وتجديد المكاتب المسيرة كلما انتهت فترة ولاياتها، كما ينص على ذلك القانون الأساسي، مع ضرورة العمل على تكريس ميثاق وطني للسكن كآلية لضبط التلاعبات والانزلاقات التي تشوب بعض الوداديات السكنية بمختلف جهات المغرب، مع ضرورة العمل على تبسيط المساطر الإدارية وتشجيع الوداديات النزيهة لتسريع استفادة منخرطيها في آجال معقولة. ضرورة تشديد العقوبة تفاعل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع خبر إدانة أعضاء المكتب المسير للودادية، وارتكزت أغلب تعليقاتهم على معاقبتهم بأقصى العقوبات، مع استرداد أموال المنخرطين. وقال أحمد في تدوينة إن الوداديات السكنية أصبحت وسيلة للاغتناء بشراء بقع أرضية بأثمنة زهيدة، والاستثمار فيها، وبيعها بأثمنة تتجاوز 300 ألف درهم، معتبرا أن الوداديات السكنية أضحت تخيف كل راغب في امتلاك شقة أو بقعة سكنية. في حين علقت فاطمة، تزامنا مع النطق بإدانة أعضاء المكتب المسير للودادية، بأن الدولة مطالبة بمراجعة القوانين، المتعلقة بجرائم النصب في إطار الجمعيات والوداديات السكنية، لتحقيق العدالة وحماية حقوق الضحايا وردع الجناة، متسائلة في الوقت نفسه، عن مكان الأموال المنهوبة التي تجاوزت 8 ملايير سنتيم، التي تم إخفاؤها أو تهريبها. من جهته دعا الحسين في تعليق له إلى ضرورة التصدي لظاهرة النصب عن طريق الوداديات السكنية، التي تستهدف المصالح الوطنية والمصالح الشخصية للمواطنين، من خلال مأسسة آليات مراقبة الوداديات السكنية، ومراجعة القوانين التي تؤطرها وتتبع أنشطتها قبل فوات الأوان، والوصول إلى القضاء وإتلاف الأموال. وطالبت مجموعة "فيسبوكية" في تدوينات مختلفة بضرورة إغلاق الحدود في وجه أعضاء المكاتب المسيرة للوداديات، المتابعين في حالة سراح، وتأسف العديد منهم بأن أغلب الوداديات السكنية أضحت مصدر ريع لأعضاء مكتبها، ومظهرا جديدا من مظاهر الفساد في المغرب. إجراءات تفتقد للأساس القانوني قال الحسين بكار السباعي، محام بهيأة أكادير، إنه يجب التمييز في إطار تأسيس الجمعيات السكنية أو المسماة كثيرا بالوداديات، بين ما يسمح به القانون في إطار تأسيس الجمعية، والخاضعة لقانون الحريات العامة والتعديلات المدخلة فيه مند إقراره سنة 1958، وبين ما يتم تأسيسه كوحدات سكنية على شكل شركة عقارية، ولو أطلق عليها في كلا الحالتين، مصطلح ودادية سكنية. وأضح السباعي أن الوداديات السكنية غالبا ما تتكون من مجموعة من أشخاص يريدون الحصول على سكن لحسابهم وتحت مراقبتهم وتتبعهم، فيجتمعون على شكل جمعية مؤسسة بصفة قانونية، حسب ظهير 15 نونبر 1958، ولا يمكن في هذه الحالة الاستفادة من اقتناء العقارات إلا بالنسبة للأشخاص المنتمين إلى الودادية السكنية، أو في شكل ثان، كما أسلفنا في إطار شركات مدنية عقارية، والتي نظمها المشرع بمقتضى القانون 31.18، الذي عدل بعض مقتضيات قانون الالتزامات والعقود المغربي. وأورد المتحدث نفسه أن الوداديات السكنية تطرح إشكالات كيفما كان الشكل الذي أسست عليه عدة مشاكل، منها الوعد بالبيع، والذي على أساسه يتم ضخ دفعات متفاوتة تحسب بالنظر للثمن النهائي للعقار، يضاف إليها واجب الانخراط أو قسط الدفع المسبق، غالبا يكون مقابل وصل عاد، ناهيك عن أداء تحملات إضافية تلخصها أغلب الوداديات السكنية بالحصول على وصل يدلى به عند الاقتضاء، قبل ربط العقار بعدادي الماء والكهرباء، وكلها، يؤكد المحامي، إجراءات تفتقد للأساس القانوني، بل وتعتبر أحيانا من الشروط التعسفية، هذا إن استفاد المنخرطون من الودادية وحصلوا على شققهم. غير أنه و في حالات أخرى غالبا ما تطرأ تعثرات بسبب شجع البعض وتورطهم في التحايل والتدليس، ليجد العديد من منخرطي بعض الوداديات أنفسهم ضحية للنصب والاحتيال، كما جاء في الفصل 540 من القانون الجنائي. وشدد السباعي على أنه لا توجد ضمانات قانونية تراعي خصوصية هؤلاء المنخرطين في هذه الجمعيات والوداديات، ولا حتى تدابير زجرية خاصة، باستثناء الفصل 540 من القانون الجنائي، أو ماتلاه في حالة إذا تحمل الفعل وصفا أشد، مما قد يتعرض معه الأشخاص المشتركين بحسن نية لحاجة السكن للنصب، من قبل منظمي هذه التجمعات بمختلف أشكالها، والتي أثبت الواقع أنها في أغلب الأحوال تكون وهمية لغرض النصب والاحتيال، نظرا لحاجة الإنسان للسكن. وفي نظر المحامي، من الأفضل إذا وجد الشك حول مشروع ما، العمل على تجنب الانخراط فيه، ما دامت توجد طرق أخرى للحصول على السكن وبأكثر ضمانات، مثلا شراء العقار في طور الإنجاز والذي يكون عبر مراحل بموجب عقود، ابتداء من عقد التخصيص ثم البيع الابتدائي والبيع النهائي، والتي يكون معها أداء المبلغ على أقساط مع تقدم البناء، والذي يستغرق مدة معينة، مما يسهل تجزئة الثمن على المواطنين. بكار السباعي) محام بهيأة أكادير)