سكان حي البساتين يحتجون على الأدخنة الخانقة ويرفعون شعارات «ارحل» في وجه الشركة عادت الأضرار البيئية والصحية، الناجمة عن الأدخنة الكثيفة التي تنفثها الوحدة الصناعية "عيشة" للمصبرات الغذائية المتمركزة في قلب حي البساتين بمكناس مجددا، وبشكل غير مسبوق إلى إثارة استياء السكان وعدد من الفاعلين الجمعويين المهتمين بالشأن البيئي، لتمادي صاحب الوحدة في الإضرار بالمجال البيئي وبصحة السكان، لما تسببه أدخنتها من أمراض تنفسية فتاكة، ناهيك عن انتشار روائح كريهة تزكم الأنوف. "نريد أن نؤكد للرأي العام أننا لا نطالب بإغلاق المعمل، نظرا لما له من أهمية في تشغيل اليد العاملة وامتصاص البطالة، بل كل ما نطالب به هو احترام المعايير البيئية، التي تمت المصادقة عليها في هذا الشأن". يقول فاعل جمعوي بحي البساتين. أمراض تنفسية أوضح الفاعل الجمعوي في تصريح لـ"الصباح" أن سكان الحي باتوا يموتون ببطء، جراء الأمراض التنفسية الحادة التي لحقتهم بسبب التلوث الهوائي والروائح الكريهة التي تنفثها أدخنة المعمل، ما تسبب في إصابة العديد من قاطني المنطقة من الجنسين ومن مختلف الأعمار بأمراض الصدر والربو والحساسية، أودت بحياة العديد منهم في صمت مريب. وفي ظل هذا الوضع، قام السكان بمراسلة جميع الجهات المسؤولة، بدءا من عامل عمالة مكناس، إلى وزارة البيئة والديوان الملكي، بهدف رفع الضرر عن سكان المنطقة، التي أضحت عبارة عن بؤرة يحاصرها التلوث القاتل من جميع الجهات. كما سبق لسكان الحي وعدة جمعيات مدنية وحقوقية أن نظمت مسيرات حاشدة جابت أهم شوارع المدينة الجديدة (حمرية)، انتهت باعتصام أمام باب المعمل (قنبلة موقوتة) لتحسيس المسؤولين بخطورة الوضع. وكشف أعضاء من ودادية الرحمة بـ"سكتور" (ب) بالبساتين الوضعية المأسوية، التي يعانيها سكان الحي، كما أطلعوا "الصباح" على ملف به شهادات طبية، ومراسلات عديدة معززة بعرائض للسكان المتضررين، وجهت نسخ منها للجهات المسؤولة محليا ومركزيا، ومحاضر الاجتماعات التي عقدوها في الموضوع مع الولاة السابقين، ودعاوى قضائية ضد إدارة المعمل، مشيرين إلى معاناة السكان مع التلوث الذي يسببه المعمل المذكور. وفي جولة تفقدية لـ"سكتور ب"، تبين أن المعمل لا يبعد عن الحي المتضرر إلا بـ 30 مترا. يقول أحد السكان المجاورين للوحدة الصناعية في تصريح لـ"الصباح"، "مازلت أتذكر، عندما شب حريق مهول بالمعمل، فررنا من منازلنا، خوفا من أن تلتهمنا ألسنة النيران، ومنذ ذلك اليوم، والهلع يلازمنا خوفا من أن يعيد الحريق الكرة، ناهيك عن الروائح النتنة المنبعثة من الأدخنة التي حولت حياتنا إلى جحيم". وقالت دكتورة صيدلية، إن "نسبة الأمراض التنفسية المزمنة ارتفعت بشكل مقلق وسط سكان الحي، ناهيك عن إصابة العديد منهم بحساسية غريبة، وهي عبارة عن حبيبات تظهر على سطح الجلد، في الأول اعتقد البعض أنها أمراض جلدية، لكن انتشارها في الحي بشكل ملفت تبين من خلال التحاليل أنها حساسية من نوع آخر، مصدرها التلوث البيئي الناجم عن المعمل "، على حد تعبير المصدر ذاته. منازل للبيع كشف بعض السكان المجاورين للمعمل أنهم أضحوا يعرضون منازلهم للبيع، يقول الحاج، رجل تعليم متقاعد "أنا الآن أعرض منزلي للبيع رغما عني، وبعد كل المحاولات التي قمنا بها لوضع حد لمعاناتنا، تبين أن صاحب المعمل يعتبر نفسه فوق القانون، إذ كيف يعقل أن المغرب له اتفاقيات دولية بيئية تنص على احترام جودة الحياة واحترام حقوق المواطن المتعددة منها البيئية والصحية، وصاحب هذه "القنبلة الموقوتة" يلتزم الصمت في تحد سافر للقوانين المعمول بها". ورغم مراسلة وزارة البيئة وكل الهيآت المحلية والوطنية والدولية "ما زال المعمل يرسل قذائف روائحه النتنة الفتاكة، وكأننا مواطنون من الدرجة الثانية وصاحبه مواطن من الدرجة الأولى"، يضيف المتحدث. وأكدت مصادر موثوقة لـ"الصباح" أن السلطات وفرت قطعة أرضية لصاحب المعمل بمنطقة وادي الجديدة شرق مكناس، لنقل المعمل وتفادي الأضرار البيئية الحالية، إلا أن الشركة ما زالت تصر على نفث سمومها على السكان، غير مكترثة بالاحتجاجات السلمية والوقفات الاحتجاجية المتواصلة، والتي رفعت، أخيرا شعارات "ّعيشة... ارحل". حميد بن التهامي (مكناس)