الحي الحسني… مقاطعة المتناقضات

نسيج معماري غير متجانس ووسائل نقل حديثة إلى جانب العربات و"فراشة" قرب قطب مالي تجمع مقاطعة الحي الحسني ما تفرق في البيضاء، إذ إلى جانب الأحياء الراقية تؤوي الجماعة أكبر عدد من دور الصفيح والأحياء العشوائية، كما أنه إلى جانب القطب المالي، الذي سيصبح القلب النابض للعاصمة الاقتصادية وسيعزز مكانتها على الصعيد القاري، توجد آلاف وحدات الاقتصاد غير المهيكل، بدورها تنافس العربات المجرورة بالدواب والدراجات النارية ثلاثية العجلات وسائل النقل الحديثة "طرامواي" و"باسواي" في نقل سكان المقاطعة إلى مختلف الوجهات. تستحق هذه المقاطعة، التي تعد الأكبر، من حيث المساحة، لقب مقاطعة التناقضات بامتياز، وتحاول "الصباح" رصد أوجه المفارقات التي تتميز بها. عبد الواحد كنفاوي تصوير: (عبد اللطيف مفيق) "الكرويلا" و "طرامواي"... بداوة بجنب التحضر تضم المقاطعة وسائل نقل متنوعة، منها ما يتناسب مع متطلبات العصر، مثل وسائل النقل الحديثة، وأخرى تعود إلى أزمنة ما قبل اكتشاف المحركات. وتمر عبر تراب المقاطعة شبكة «طرامواي»، التي تعد من وسائل النقل الحديثة، وينتظر السكان أن تنطلق حافلات النقل الحضري بخدمات ذات جودة عالية «باس واي»، التي توجد، حاليا، في طور التجريب، بعدما تم الانتهاء من إنجاز وتهيئة المسارات الخاصة بهذا الصنف الجديد من الحافلات. وهكذا، توحي هذه الأوراش والتطورات المسجلة أن المقاطعة تعرف تحديثا في وسائل النقل المتاحة لسكانها للتنقل عبر مناطق المقاطعة ومقاطعات البيضاء الأخرى. لكن عندما تتجول في بعض المناطق تلاحظ أنه إلى جانب وسائل النقل الحديثة التي تجوب أو ستجوب تراب المقاطعة، هناك وسائل نقل تعود إلى عصور ما قبل اكتشاف المحركات، إذ تهيمن وسائل النقل المجرورة من قبل الدواب «الكارويلات»، التي تصطف جنب سيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة لنقل الراغبين في التنقل. ويقبل عدد من الأشخاص على استعمال تلك الوسائل التقليدية أو غير القانونية، مثل الدراجات النارية ثلاثية العجلات، لأن سعرها أقل من التعريفة المطبقة من قبل أصحاب الطاكسيات، كما أنها تؤمن التنقل إلى مناطق لا تصلها وسائل النقل الحديثة، إذ تربط بين دور الصفيح وبعض المناطق التجارية داخل تراب المقاطعة. القطب المالي و"الفراشة"... تعايش المفارقات يعد القطب المالي للبيضاء أول مركز مالي في إفريقيا وشريكا لأكبر المراكز المالية الدولية، واستطاع تأسيس مجموعة قوية من الأعضاء المكونين من مقاولات مالية، ومقرات إقليمية للشركات متعددة الجنسيات، ومقدمي الخدمات والشركات القابضة. وتشرف على إدارته هيأة القطب المالي للدار البيضاء، وهي شركة مساهمة خاضعة للقانون الخاص، أنشئت بفعل مبادرة بين القطاع العام-الخاص، وتهدف إلى جعل الدار البيضاء محورا ماليا إقليميا في إفريقيا. وتم إنشاء الهيأة في يوليوز 2010، وتتشكل من الفاعلين في القطاع المالي، مثل بنك المغرب، وصندوق الإيداع والتدبير، والبنوك الرئيسية المغربية، والوديع المركزي للقيم المنقولة، وقطاع التأمينات وبورصة الدار البيضاء. ورغم أن القطب المالي ما يزال قيد الإنجاز، إلا أن الأشغال تسير بوتيرة أسرع، علما أنه تم الشروع في تفعيله، في انتظار الانتهاء من أشغال إنجاز البرج، الذي سيحتضن الهيأة وعددا من المتدخلين، لكن ذلك لم يمنع الشركات من التقدم للحصول على صفة القطب المالي للدار البيضاء للاستفادة من الامتيازات التي تخولها. وتشير المعطيات المتوفرة لدى هيأة القطب المالي للدار البيضاء إلى أن هناك ما لا يقل عن 200 شركة حاصلة على هذه الصفة، وتغطي شركات القطب المالي 50 دولة إفريقية، وتم التوقيع على 20 اتفاقية شراكة مع مؤسسات ترعى الاستثمار بالدول الإفريقية، و15 شراكة مع المراكز المالية الدولية. لكن إلى جانب القطب المالي للدار البيضاء وما يمثله من مظاهر العصرنة والتطور والتقدم في مجال التكنولوجيات المالية، فإن مظاهر الترييف، ما تزال تغلب على المقاطعة، إذ أن الأسواق العشوائية التي أنشأها «الفراشة» توجد بالقرب من القطب المالي الذي يمثل واجهة الاقتصاد. ورغم إنشاء أسواق نموذجية بالمناطق التي يهيمن عليها الباعة المتجولون، لكن أغلبها ظل مهجورا، وهناك فضاءات تم إعدادها بجانب تجمعات الباعة المتجولين، لكنهم يفضلون البقاء في الشارع، رغم ما يتسببون فيه من مشاكل لحركة المرور وسكان المناطق التي «يعسكرون بها». فقد أنشئ سوق نموذجي بشارع ملوية بالألفة عند تقاطعه مع شارع تانسيفت، لكن الباعة يصرون على المكوث في التقاطع الرابع بين الشارعين، ما يتسبب في اكتظاظ في بعض الأوقات، خاصة، خلال الفترة ما بين الخامسة مساء والثامنة، إذ يصعب على أصحاب السيارات المرور من هذه المنطقة، بعدما يصطف الباعة المتجولون بشارع تانسيفت. ولاحظت «الصباح»، خلال جولة بالمنطقة أن عددا من الأماكن المخصصة لهم في السوق النموذجي، الذي لا يبعد إلا بأمتار معدودة عن مكان تجمعهم، تظل فارغة. وعجزت السلطات عن إرغامهم على إفراغ هذين الشارعين، ويفرضون نظامهم الخاص، ومنهم من لا يكتفي باحتلال الفضاء العام، بل يتعاطون للمخدرات والخمور، ما تنتج عنه شجارات لا تخلو من الكلام النابي في مرات عديدة. مزيج معماري غير متجانس تصل مساحة مقاطعة الحي الحسني 45 كيلومترا مربعا، ما يجعلها أكبر المقاطعات بولاية الدار البيضاء الكبرى، خاصة بعد إلحاق جماعة ليساسفة وجزء من دار بوعزة بها، وتمثل أزيد من خمس مساحة المدينة الإجمالية. وتوسعت رقعتها الترابية أكثر عندما تقررت، في إطار التقسيم الإداري الجديد لسنة 2009، إضافة 17 كيلومترا و500 متر مربع من تراب جماعة دار بوعزة إلى تراب نفوذ مقاطعة الحي الحسني، ما أضاف مشاكل جديدة للمجلس المسير للجماعة، إذ أن هذه الملحقة تضم عددا من دواوير الصفيح، تصل 22 دوارا، ليرتفع العدد الإجمالي بالمقاطعة إلى 55 دوارا. ويضم المجال الترابي للمقاطعة مزيجا معماريا يضم أصنافا متنوعة من السكن، إذ إلى جانب المدينة العصرية التي تنجز، حاليا، وفق المعايير العمرانية الحديثة الممثلة في القطب المالي للدار البيضاء، حيث توجد عمارات يصل عدد طوابقها إلى 35 طابقا، والأحياء الراقية، مثل الليمون و»إسلان» والألفة والسلام، التي تضم «فيلات»، وأحياء تضم مساكن ذات جودة عالية والسكن المتوسط، وأحياء أخرى تضم السكن الاجتماعي بكثرة، نجد، أيضا، أحياء الصفيح، التي لم تتم هيكلتها بعد، أو تلك التي ورثتها المقاطعة بعد إدماج جزء من تراب دار بوعزة بتراب نفوذها، ما يطرح تحديات كبيرة على المجلس الحالي. أنشطة قروية بمقاطعة حضرية أكدت نتائج بحث أنجزته مقاطعة الحي الحسني أن هناك عددا من الدواب تعيش داخل المجال الحضري للمقاطعة، إذ أحصى المشرفون على البحث أزيد من 3 آلاف رأس من الماشية تتعايش مع السكان. وأرجع مسؤولون بالمقاطعة ذلك إلى الهجرة القروية، التي عرفتها المنطقة وكثرة دور الصفيح بها، ما يتسبب في مشاكل لقاطني هذه المناطق، التي تحتضن إسطبلات لإيواء هذه الدواب، رغم أن أصحابها يقطنون في وحدات للسكن الاجتماعي، ليساسفة ورياض الألفة ودوار لحمر وبعض دواوير الصفيح، الأخرى، التابعة لمقاطعة الحي الحسني. وأفادت مصادر أن إنذارات وجهت لأصحاب قطعان الماشية، من أجل التخلص منها في أقرب الآجال لإخلاء المجال الحضري من هذه المواشي، لكن يبدو أن أصحابها مصرون على عيش حياة البداوة داخل المجال الحضري، إذ ما تزال قطعان من الماشية تتجول في بعض مناطق المقاطعة بكل حرية، كما التقطت ذلك عدسة «الصباح».

الحي الحسني… مقاطعة المتناقضات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

البراءة لمغتصب ثلاثينية بإفران

أخبار الصباح

مقالات ذات صلة