تشييع الطفلات الغارقات بالجديدة

إغماءات أثناء توديعهن إلى المقبرة ودفنهن في قبر جماعي بشاهد واحد كانت الساعة تشير إلى الخامسة عصرا من الثلاثاء الماضي، لما توقفت سيارتان وعلى متنهما نعوش مسجية لطفلات صغيرات، قضين أجلا محتوما غرقا في حوض اصطناعي للمياه عصر الاثنين الماضي، بدوار الشلوح التابع ترابيا لجماعة هشتوكة إقليم الجديدة، ووسط بكاء وعويل يحيلان على مأتم رهيب، كان نواح الأم المكلومة برحيل ابنتيها وابنة عمهما ، يتردد صداه في حصائد هذا الدوار المكلوم وهي تردد " وابناتي ... وابناتي « كمن يطمع في جواب يجود به صمت التوابيت الخشبية، التي أحكم أمن الجديدة إغلاقها بالشمع الأحمر. وفيما يشبه ملخصا عن فاجعة دوار الشلوح، في عشية الاثنين الماضي علا صياح قادم من محيط حوض اصطناعي لتجميع مياه سقي، لبعض الحقول المجاورة وخاصة حقول الذرة والفصة، وهو ما يحيل طبعا على نوع النشاط الزراعي لأهل ذلك الدوار، والمرتكز أساسا على فلاحة الكفاف وقليل من تربية المواشي. هو دوار متجمع السكن وبجواره بدأت تنتشر فيلات ودور سكنية فاخرة، بعضها للميسورين من الدوار وأغلبها لوافدين عليه من البيضاء والجوار، الذين انتزعوا مساحات شاسعة من الرصيد العقاري الفلاحي للمنطقة، لتشييد سكنيات ثانوية للفسحة والاستجمام. في عشية الفاجعة، تأخرت الطفلات الثلاث في العودة إلى منزل العائلة، وهما شقيقتان وابنة عمهما، ولم يكن ذلك أبدا من عادتهن، وفجأة تردد صياح قادم من حوض المياه لأحد الشبان، يعلن نبأ صادما بموتهن غرقا في الحوض، وكن قيد حياتهن نزلن للسباحة فيه اتقاء لدرجة الحرارة التي تجاوزت لحظتها الثلاثين درجة، دون أن يدور في خلدهن، أنهن كالمستجيرات من الرمضاء بالنار، عندما كان الحوض على أهبة ابتلاعهن في عمق يتعدى الثلاثة أمتار. و كان أحد الشباب من العائلة المكلومة لمح جسما طافيا على سطح الحوض، فرمى بنفسه أملا فيما يمكن إنقاذه لكن الصدمة كانت قوية، لقد كان جسم الطفلة الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها 5 سنوات، وما هي إلا لحظة حتى رمق في جوف الحوض جثتين لطفلتين تبلغان من العمر ثماني سنوات واثنتي عشرة سنة. غطس إلى الأسفل فتأكد أنها فاجعة بكل المقاييس، لقد ماتت الشقيقتان وابنة عمهما غرقا، في ذلك الحوض الذي يفتح الحديث على مصراعيه، على تنامي الأحواض المائية بهشتوكة، دون أن تكلف السلطات الموكول إليه تدبير استغلال مياه الفرشة المائية، نفسها وضع دفتر تحملات ينظم عملية بناء مثل هذه الأحواض، وأساسا تأمين السكان المجاورين لها، خاصة الأطفال الصغار الذين يعتقدون سلفا أنها شبيهة بالمسابح العادية، سيما أن معظم تلك الأحواض متروكة في الخلاء وبدون تسييج وحراسة. وكان المشهد رهيبا عصر الثلاثاء الماضي، عندما وجد رجال صعوبة في فتح ممر لسيارتي نقل الأموات، لتغادر الدوار نحو المقبرة ، فقد تحلقت نساء كثيرات بكين بحرقة شديدة، على فراق طفلات صغيرات ابتلعهن الحوض المشؤوم. كانت الإغماءات وكان نواح الأم لا يعلو عليه أي نواح، وهي تمني النفس بعودة فلذتي كبدها . وفي مقبرة "سيدي بو الرواين" التي تبعد عن الدوار قرابة ثلاثة كيلومترات، وفي هضبة عالية أنزلت توابيت ثلاثة وبها الطفلات في نومهن الأبدي، وصليت عليهن صلاة العصر والجنازة، ووضعت كل واحدة في قبرها، لكن تم الحرص على ردم القبور الثلاثة بشكل جماعي دون تفريق، وكأن الأمر يتعلق بقبر واحد وبشاهد واحد، يحكي قصة موت جماعي لصبيات صغيرات، هن بكل تأكيد ودعن دوار الشلوح تاركات لوعة في النفوس لا يخففها إلا صوت تلك المرأة من أهل الدوار وهي تردد "وابنياتي، راكم من طيور الجنة". عبد الله غيتومي (الجديدة)

تشييع الطفلات الغارقات بالجديدة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عمليات إعادة الإسكان برائحة الفساد

انتحار شابة بالقفز من الطابق السابع

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات