وشــايــة تطـيح بقــاتــل

نزاع حول الرعي أدى إلى الجريمة وحنكة الدرك أفشلت مخطط الفرار استدعى المسؤول الدركي سيارة لنقل الموتى وأمر سائقها بتنسيق مع السلطة المحلية، بالتوجه إلى المستشفى الإقليمي، بينما استمع لإفادة بعض سكان الدوار حول ظروف وملابسات الحادث. توصل إلى هوية المتهم وعمل رفقة مساعديه، على تمشيط محيط منزل الهالك، لكن البحث ظل سلبيا. موظف متقاعد اعتاد عبد الله وهو موظف سابق التردد على أرضه الواقعة بأحد الدواوير على بعد حوالي أربعة كيلومترات عن مركز أولاد افرج. كان يراقبها ويقوم بفلاحتها كلما كانت التساقطات المطرية جيدة، إذ يقوم بحرث جزء منها وترك الجزء الآخر «راكدا»لاستعماله وتخصيصه لرعى ماشيته، وهذا ما يفعله كل الفلاحين، إذ تقل أراضي الرعي عندما تحرث الأرض. لم يكن عبد الله يظن، ذلك اليوم، الذي التحق فيه بأرضه، أن القدر ينتظره وأن الموت هيأ له لزوم الرحيل. وكان رشيد (22 سنة) العائد للتو من أكادير حيث كان يشتغل في مجال البناء، يرعى أغنامه بالقرب من أرضه. اعتاد التردد على عمه الذي يشتغل بسلك الشرطة بعاصمة سوس، وهو ما ساعده على إنجاز بطاقته الوطنية، لكن ظروف العمل لم تعد تسعفه، ولم يعد أمامه من سبيل سوى العودة إلى مسقط رأسه، على الأقل، يمكن أن يساعد والديه في مسألة الفلاحة، لاسيما وأن الأمطار الأخيرة كانت تعد بموسم جيد رغم تأخرها. عاد رشيد مشتاقا لرؤية البلاد والأرض التي نشأ فيها واعتاد على رعي الماشية رغم قلتها. استأنف نشاطه بشوق وجدية منقطعة النظير على الأقل، فهو يعمل في أرضهم وكل مجهود يبذله في سبيل ذلك لن يذهب سدى. وكان يعرف عبد الله، جار والده، ويعرف طباعه الحادة وعلاقته المحدودة بجيرانه، إذ كانت معاملاته جافة وكان صارما معهم. نزاع وقتل أخرج رشيد أغنام والديه وتوجه قرب أرض عبد الله لتمكينها من الرعي وكان حذرا في اجتيازها لأرض جاره. ففي البادية كل واحد على علم بطقوس الرعي وحرمات الأراضي خصوصا التي تتوفر على الكلأ، الذي له أهمية كبرى خصوصا في مثل هذه الظروف التي عانت فيها المنطقة من جفاف أتى على الأخضر ولم يترك حتى اليابس. كان رشيد يرعى الأغنام ويحاول ألا تقترب من أرض غريمه (عبد الله) أو أرض غيره. كان يعلم مسبقا أن عبد الله لا يسمح لأي كان بدخول أرضه وهو الموظف بالمخزن، على رأي الفلاحين، وكلمته مسموعة وله علاقات مع أصحاب القرار. لكل هذه الاعتبارات كان رشيد يرعى بحذر وحيطة، ولكن القدر يتدخل أحيانا ويفرض شروطه، إذ تسربت بعض «النعاج" إلى أرض عبد الله وداست عليها وبدأت ترعى العشب، فحتى عند الماشية، فكل ممنوع مرغوب، إذ تركت الشياه أرض مالكها ولم ترغب إلا في أرض عبد الله. في تلك اللحظة هرول عبد الله تجاه أغنام رشيد وشرع في سياقتها للذهاب بها إلى المحجز القروي على حد تعبيره، ولكن رشيد، مدفوعا بفورة الشباب والفتوة، منعه من ذلك ووقف أمامه، وتم تبادل الكلمات النابية وتشابكت الأيدي. وأمسك الموظف بخناق رشيد وأحكم قبضته عليه وحين حاول هذا الأخير الانفلات من قبضته، وجه له صفعة على خده، مما دفع بالشاب إلى توجيه طعنة للشيخ أصابته في مقتل، اضطر معها إلى إخلاء سبيل الجاني، قبل أن يسقط على الأرض. الاختفاء عن الأنظار لم يكن رشيد يفكر في الاعتداء على مالك الأرض، بل كان يفكر في كيفية الانفلات منه، سيما بعدما أمسك به إلى حد الاختناق. أصيب رشيد بالرعب بعدما سقط الضحية على الأرض ولم يتحرك. لم يكن رشيد ينوي قتل جاره ولم يكن يخطر بباله أن يصل إلى تلك النتيجة، إذ لو كان يعلم بذلك لترك له الأغنام كلها، بل لذهب صحبته إلى المحجز، ولو كان عبد الله يعلم أن مصيره سيكون الموت وبهذه الطريقة لما خرج ذلك الصباح أصلا من منزله. استغل الشاب فرصة انشغال الجميع بما حدث وتوارى عن الأعين، ورغم القيام بتفتيش دقيق في كل الأماكن وفي كل أرجاء الدوار، لم يعثر رجال الدرك له على أثر. وبدأت الاستنتاجات تتناسل وتتوارد، فمن قائل لقد ذهب إلى أكادير عند عمه ومن قائل لقد سافر إلى العونات عند أهله هناك ومن قائل لقد ذهب إلى البيضاء، ولكن أحدا لم يكن يعلم حقيقة أين يوجد رشيد في ذلك الوقت، إذ غادر الدوار في اتجاه المركز حيث بقي هناك حتى هدأت الزوبعة نسبيا، إذ كان فكره منشغلا بما حدث ولم تكن وجهته المقبلة واضحة، ولكن بعدما توارى عن الأنظار، استطاع أن يقرر إلى أين سيتوجه لاحقا. إيقاف واعتراف تحرك رجال الدرك في كل الاتجاهات، وكون رئيس المركز عدة فرق ووزع المهام. تشعب البحث وبدأ الشك يدب في نفوس رجال الدرك الملكي بعد مرور الليلة الأولى، إذ كانوا يخافون من تمكن رشيد من مغادرة المركز في اتجاه مجهول. اتصل رئيس المركز بمصالح الدرك الملكي والأمن الوطني بأكادير من أجل إخبار عم الشاب المشتبه فيه بالحادث وتنبيهه إلى ضرورة التعاون مع الدرك في حالة التحاق المتهم به، وعمم الخبر على مختلف المراكز الترابية بالإقليم ورصد مداخل ومخارج المنطقة تحسبا لخروج المتهم مخافة مغادرته لأولاد افرج، مما سيجعل مهمة القبض عليه صعبة وقد يلجأ إلى التخفي والانزواء مما يزيد من صعوبة المأمورية. وبعودة المسؤول إلى مركز الدرك، تنبه إلى صور المشبوهين، ووجد واحدة له، وتم التعرف على شخصية القاتل. أمر رجال الدرك الموجودين بالمركز بارتداء لباس مدني والتمركز في نقط العبور ومحطات الطاكسيات والحافلات والترصد للمشتبه فيه. كان رجال الدرك الملكي متأكدين أنه سوف يظهر، واقترب سائق سيارة أجرة من أحدهم وأخبره أنه شاهد المتهم حاملا لحقيبة ظهر. دبت الحركة في صفوفهم وظلوا يراقبون الطرق المؤدية إلى الجديدة وسطات والزاوية وبئر الببوش. لم تمر سوى دقائق معدودة، حتى لاح طيف رشيد، قادما في اتجاه محطة الطاكسيات، كان ينوي الذهاب إلى سطات ومنه إلى الجنوب، هربا من جريمة لم تكن له في الحسبان قد تكلفه غاليا، إن لم تكيف التهمة وتخفف العقوبة، معترفا بتفاصيل ما حدث. أحمد ذو الرشاد (الجديدة)

وشــايــة تطـيح بقــاتــل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إلغاء دعم الغاز والسكر

موثقة تلجأ للقضاء لإنصافها من التشهير

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات