“البيدوفيل” الأجنبي… لا تسامح

اعتقال خليجي بالبيضاء برفقة أطفال قاصرين كشف القطع مع فترة "التمياك" والحرص على تفعيل القانون عاد تورط خليجيين في استغلال قاصرين بالمغرب إلى الواجهة، بعد واقعة اعتقال أحدهم داخل فندق بالبيضاء في حالة تلبس، إلا أن القانون فعل بشكل صارم هذه المرة، حيث أحيل في حالة اعتقال على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بتهم ثقيلة من بينها الاتجار في البشر، ويأتي ذلك تصحيحا لقرار السراح لفائدة سائح كويتي، تورط في اغتصاب قاصر بمراكش، صدر منذ سنتين، استغله لمغادرة المغرب والإفلات من العقاب. إنجاز: مصطفى لطفي افتضاح أمر الخليجي المتهم باستغلال قاصرين بالبيضاء، يكشف رسالة واضحة لكل «بيدوفيل» أن المغاربة يرفضون بشدة أي مس بأطفالهم ولو عرضت عليهم أموال تسيل اللعاب، بحكم أن من بلغ عنه مسيرو الفندق بعد شكهم في استدراج ضحاياه إلى غرفته، وأن زمن «التمياك» الذي كان مقبولا في فترة تاريخية معينة صار اليوم مرفوضا بشدة. نبذة من التاريخ دعارة خليجيين بالمغرب ليست وليدة اليوم أو عقد من الزمن، بل تعود إلى أواسط السبعينات من القرن الماضي، ساهمت فيها عوامل دولية وداخلية. قبل 1975، كانت لبنان تعد قبلة للسياح الخليجيين، لكن بعد هذا التاريخ سيشهد هذا البلد حربا أهلية طاحنة امتدت لأزيد من 15 سنة، وقتها غير الخليجيون الوجهة صوب المغرب. في هذا التاريخ، أي 1975 كان المغرب يشهد أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية خانقة. فالعلاقة بين القصر والأحزاب الوطنية، كانت متوترة ومحتقنة جدا. وزاد في تعقد الوضع، تأثر المغرب بأزمة الطاقة في 1973، بعد وقف دول الخليج تصدير البترول ردا على نصرة أمريكا وحلفائها للكيان الصهيوني بعد الحرب العربية الإسرائيلية، ما كلف خزينة الدولة الملايير، انضاف إليها انخفاض مهول في أسعار الفوسفاط على المستوى الدولي، حيث وصلت إلى أرقام متدنية وغير متوقعة، كما باشر المغرب في تلك السنة، عملية استرجاع الصحراء، ودخوله في حرب ضروس مع جبهة «بوليساريو» مدعومة من الجزائر وليبيا العقيد القذافي وقتها. نتج عن ذلك احتقان اجتماعي كبير، وارتفاع في مستوى الفقر بين الأسر، وبحكم حاجة الدولة وقتها إلى مداخيل جديدة وبالعملة الصعبة، راهنت على قطاع السياحة، سيما سياحة الخليجيين. دفعت هذه الضغوط والعوامل السلطات إلى التغاضي عن الممارسات المشينة لخليجيين وإقبالهم على الدعارة سواء في الفنادق أو فيلات أو شقق مخصصة لهذا الغرض، واستمر الصمت لسنوات، قبل أن تتوقف هذه المعاملة التفضيلية في التسعينات من القرن الماضي، إذ صدرت تعليمات بالتعامل بصرامة مع أي تجاوزات يتورط فيها الخليجيون، وصارت تطولهم المداهمات والإيقاف، لكن من باب المجاملة يتم ترحيلهم إلى أوطانهم بدل محاكمتهم. لم يدم ذلك طويلا، إذ بعد سنين وجدوا أنفسهم بين جدران المحاكم، سيما المتورطين في علاقات جنسية مع قاصرين. ورطة خليجي بالبيضاء كما تمت الإشارة سابقا، فإن السلطات المغربية صارت تتعامل مع الغزوات الجنسية للخليجيين بنوع من الصرامة، آخرها إيقاف خليجي بفندق بالبيضاء متورط في استغلال أطفال قاصرين جنسيا. القصة بدأت بإشعار من مسيري فندق شهير حول علاقة مشبوهة تجمع الخليجي بعدد من الأطفال والمراهقين، إذ يزورونه في غرفته. دخلت مصالح الأمن على الخط، واعتقلت المشتبه فيه، كانت المفاجأة خلال تعميق البحث، أنه يستغلهم جنسيا مقابل مبالغ مالية مهمة. كما تبين أن القاصرين رافقوا الخليجي في جولة سياحية بعدد من مدن المغرب، إلا أن زيارته للبيضاء، ووطنية مسيري الفندق الذين رفضوا غض الطرف عن استغلال أطفال في عمر الزهور جنسيا، دفعهم إلى إشعار الشرطة. وضع الخليجي تحت تدابير الحراسة النظرية لمدة 48 ساعة، قبل أن يحال على الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف، وبعد استنطاقه والاستماع إلى ضحاياه، بعضهم يبلغ من العمر 17 سنة، أحيل في حالة اعتقال على قاضي التحقيق بجناية الاتجار في الشبر وهتك عرض قاصرين والاحتجاز. قرار النيابة العامة لقي إشادة كبيرة، واعتبر مرحلة القطع مع «التعامل» الخاص مع المتورطين من السياح الخليجيين، لكن هذا الترحيب تخلله نوع من التخوف من دخول جهات للضغط على القضاء لتمتيع المتهم بالسراح، سيما بعد انتشار أخبار عن دخول سفارة بلد الموقوف على الخط وتعيين محام للدفاع عنه. غصة فرار الكويتي في 2020، أثار منح السراح لكويتي استغل قاصرا تبلغ من العمر 14 سنة، غضبة حقوقيين بمراكش، وزاد الاحتقان بعد أن تبين أنه غادر أرض الوطن رغم صدور قرار إغلاق الحدود في وجهه من قبل النيابة العامة، واعتبرت الواقعة وصمة عار. القصة بدأت بتعارف بين القاصر والسائح الخليجي على موقع للتواصل الاجتماعي، بعد اللقاء في مكان عام بمراكش، استدرج السائح الضحية إلى شقة يكتريها بإقامة سكنية، وعمد إلى وضعها في الصندوق الخلفي للسيارة لتفادي أعين الحراس. حاول السائح حسب اعترافات القاصر، استمالتها لممارسة الجنس عليها، ولما رفضت، شرع في تعريضها للعنف والصفع وشد الشعر، حتى شل حركتها ومارس عليها الجنس بقوة، إلى أن افتض بكارتها، وبعدها سلمها 2000 درهم وأقلها إلى حيث تقطن. وخوفا من الفضيحة اضطرت القاصر إلى السفر لأكادير، حيث احترفت الدعارة لمدة خمسة أشهر، قبل أن يصل الأمن إلى مكانها بعد شكاية تقدمت بها أسرتها، وخلال الاستماع إليها، تم اعتقال السائح الكويتي. حاول المتهم الدفاع عن نفسه بالادعاء أنها مومس، وقبلت ممارسة الجنس معه مقابل مبلغ مالي مهم، ولتأكيد صحة ادعاءاته، عرض على المحققين مقاطع فيديو للقاصر في لباس فاضح وهي ترقص، وأفاد أنه صورها قبل ممارسة الجنس معها. أحيل الكويتي على النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بمراكش، بجناية استدراج قاصر وهتك عرضها بالعنف نتج عنه افتضاض، إلا أنه متع بالسراح بكفالة 30 ألف درهم، الأمر الذي أثار غضب هيآت حقوقية تبنت ملف القاصر، قبل أن تصدر تعليمات بإغلاق الحدود في وجه السائح، لكن بعد فترة وفي جنح الظلام، غادر المغرب إلى وطنه. القانون لا يعلى عليه تسعى جهات إلى تكريس فكرة أن القضاء المغربي متسامح مع أي خليجي تورط في استغلال الأطفال، مقارنة مع أي سائح من دولة أخرى تورط في الفعل نفسه، إذ يكون الاعتقال والعقوبة المشددة مصيره. هذا الادعاء فندته نجاة أنور، رئيسة جمعية «ماتقيش ولدي»، إذ شددت على أن هناك قانونا جنائيا واحدا يحتكم له القضاء، ويطبق على الجميع، لأن «البيدوفيل» كتلة لا إنسانية معدومة المشاعر، تفتك ببراءة الأطفال ولا ميزة له يستفيد منها خلال المتابعة، ما دام يهتك حقوق الطفل ويستغله، ويعمل على الاختفاء في كل فرصة سانحة إن تمكن من ذلك، ولهذا تؤكد نجاة أنور، يجب ضرب نواياه بقسوة سواء كان مغربيا أو أوربيا أو خليجيا أو من أي مكان من القارات الخمس. وأضافت رئيسة جمعية «ماتقيش ولدي»، أن «البيدوفيل»، الذي هو شخص مليء بالشر والخبث والحيلة، لا تتحكم في نواياه الإجرامية، جنسيته أو أصله العرقي أو الثقافي أو الديني أو الإيديولوجي، بل تتحكم فيه نزوته ورغبته الجنسية المريضة، وهي ممارسة الجنس على الأطفال، لهذا فـ»البيدوفيل» واحد، سواء كان خليجيا أو أوربيا أو مغربيا. تطور موقف القضاء شدد مراد العبودي، محام بهيأة الرباط، على أن ظاهرة استغلال الأطفال جنسيا، آفة توجد في كل بقاع العالم، إلا أنها تختلف من دولة إلى أخرى، سواء من حيث مسبباتها أو طريقة معالجتها. وأكد العبودي أن الفقر والجهل والتفكك الأسري، أهم أسباب هذه الظاهرة بالمغرب، فالفقر والهشاشة التي تعانيهما العديد من الأسر المغربية يجعلان أطفالها القاصرين ذكورا وإناثا فريسة سهلة لهؤلاء المجرمين، سيما الأجانب، الذين يغرونهم بالمال، مقابل السماح لهم بتفريغ مكبوتاتهم الشاذة عليهم، بعد الإيقاع بهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وأضاف المحامي أن المتورطين في استغلال الأطفال، والمتحدرين من منطقة الخليج، يفضلون الوجهة المغربية اعتقادا منهم أن السلطات ستتساهل معهم، بحكم أنهم منذ عقود، كانوا لا يتابعون في حالة اعتقال، رغم ضبطهم في حالة تلبس ولا تغلق في وجوههم الحدود، إلا أن القضاء المغربي، يؤكد المحامي، عرف تطورا إيجابيا في تعامله مع هذه الظاهرة، إذ صار يتشدد معهم ويتابعهم في حال اعتقال ومع تشديد العقوبة في حقهم، والدليل حيثيات اعتقال السائح الخليجي بالبيضاء. ورغم هذه المجهودات، يوضح المتحدث نفسه، فإنها غير كافية لمعالجة الظاهرة، التي لها ارتباط بالعديد من المجالات، منها ما هو تربوي وأخلاقي ونفسي، إذ رغم مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري، الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء والمواد الإباحية، الموقع في نيويورك 25 ماي 2000، والنصوص الجنائية الوطنية التي تجرم كل فعل، يكون بمثابة اعتداء أو إيذاء جنسي موجه ضد أي طفل أو طفلة، تبقى الترسانة القانونية محتشمة، ذلك أن القانون الجنائي المغربي لا يتوفر على نص صريح يشير إلى جريمة الاستغلال الجنسي للأطفال بصريح العبارة، إذ كل ما في الأمر، يوضح العبودي، أن المشرع المغربي في الفرع السادس من القانون الجنائي المتعلق بانتهاك الآداب، يعاقب على أفعال هتك عرض أو محاولة هتك عرض المرتكبة على كل طفل أو طفلة يقل عمرهما 18 سنة، بعقوبة حبسية تتراوح بين سنتين و5 سنوات، طبقا للفصل 484 من القانون الجنائي، وتتضاعف العقوبة في حال اقتران هتك عرض بالعنف ضد طفل يقل عمره 18 سنة متى كان عاجزا أو معاقا أو معروفا بضعف قواه العقلية، إذ يعاقب الجاني بالسجن من 10 سنوات إلى 20 سنة، حسب منطوق الفقرة الثانية من الفصل 485 من القانون الجنائي. وأبرز المحامي العبودي، أنه رغم هذه النصوص، تبقى الترسانة الجنائية عاجزة عن معالجة ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال، لغياب نص قانوني صريح يؤطر هذه الظاهرة، ما يجعل القضاء مقيدا في التعامل معها، لهذا صار المشرع المغربي ملزما بالتدخل للحد من الجريمة، والتعامل معها بشكل خاص وسن قوانين تكون شاملة وتعزيزها بعقوبات تتناسب مع خطورتها. رفض التسامح مع المتهمين ما يثير الانتباه في تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حول خبر اعتقال "بيدوفيل" خليجي، أن أغلبها يشكك في القضاء المغربي، ومقتنعة أن الملف سيطوى مستقبلا وسيعود المتهم إلى بلده سالما غانما. وفي الوقت الذي طالب فيه أول المعلقين على الخبر، السلطات بـ"الضرب بيد من حديد في مثل هذه القضايا، للحد من بطش هذه الذئاب البشرية أيا كانت جنسيتها"، شكك آخر في ذلك بالقول " القضاء المغربي معروف بالتسامح، لو كان العكس ما فعلوا جرائم مثل هده الجريمة .الفرنسيون هتكوا أعراض الأطفال المغاربة وفي الأخير أخذوا البراءة". أما عمر فعبر غاضبا بالقول " لهذا السبب طالبنا بتشديد المراقبة على الفنادق، والحرص على إلزامية إحضار عقد زواج، لتفادي سلوكات مشينة من قبيل الخيانة الزوجية وممارسة الدعارة، نحن نرفض ما يسمى بالسياحة الجنسية". أما أميمة، فدعت إلى "معاقبة المتهم وعدم السماح له بمغادرة التراب الوطني حتى ينال جزاءه، ويكون عبرة لمن لا يعتبر وحتى لا تتكرر الحالة نفسها، التي وقعت مع الإسباني والخليجي اللذين تم إطلاق سراحهما مقابل كفالة مالية وبعدها تم هروبهما من البلاد". أما عماد فعلق بمرارة "يتم هذا داخل فندق وبشكل علني، وهذا يعني أن "البيدوفيل" إما ساذج، وإما يعلم أنه معفي من أي متابعة قضائية، وأن سفارة بلاده ستتدخل لإطلاق سراحه. كم طالبنا بالضرب بيد من حديد على هؤلاء، لكن في الأخير يتم إخراجهم من الباب الخلفي". أما معلق آخر فنبه إلى مسألة اعتبرها سببا في إفلات المتهمين من العقاب بالقول "الإشكال الكبير أن ضحاياه القاصرين لا يتابعونه قضائيا خوفا من الفضيحة، فيستغل ذلك لتبرئته، لأنه لا توجد محاكمة دون حضور الضحايا". وإذا كان الجميع يطالب بأقصى العقوبة للمتهم، حاول مدون تقديم وجهة نظر علمية للظاهرة، إذ شدد على أن "البيدوفيليا موجودة منذ القدم، ولن يمكن استئصالها بالمقاربة العقابية الردعية، لأنها مرض سيكولوجي معقد العلاج، ولهذا وجبت حماية الطفولة منها عبر مقاربة واقعية توعوية داخل الأسرة والمدرسة والشارع".

“البيدوفيل” الأجنبي… لا تسامح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إحداث 31 ألفا و133 مقاولة

فاسدون

مقالات ذات صلة