لا نحتاج إلى دليل بأن المغرب يعيش أزمة حادة في النخب، وأعطابا في آليات تجديدها في أسلاك المؤسسات العمومية والمحاكم والمستشفيات والوزارات والدواوين والشركات والجامعات والجماعات، وفي الأحزاب والنقابات والجمعيات وحتى النوادي الصغيرة وفرق كرة القدم. ولمزيد من التأكيد، يمكن إلقاء نظرة على أوراق امتحانات الولوج إلى المناصب العليا ومناصب المسؤولية في الإدارات، أو الحضور إلى مباريات الانتقاء الشفوية لترى نوعية الكفاءات التي تقذف بها الجامعة، والمعاهد العمومية والخاصة، إذ من بين عشرات المترشحين في جميع التخصصات، يمكن العثور على شخص، أو اثنين بـ»الريق الناشف». ويجب أن نعترف أن الأطر العليا ذات تكوين وكفاءة وخبرة في مجالها، تعد على أطراف الأصابع، لأسباب لها علاقة بمسار التعليم والتوجيه ووضعية التعليم العالي الراهن بجميع مؤسساته، كما تحد القوانين الأساسية للوظيفة العمومية، في أغلبها، من عمليات الإدماج السلس، مقارنة مع المتاح، الآن، في القطاع الخاص، وإغراءات الهجرة إلى الخارج. وكما لا تنتج الجامعات المغربية نخبا في مستوى طموحات التنمية والاقتصاد والإدارة، تتقاعس المؤسسات الأخرى، مثل الأحزاب، عن لعب دورها في تكوين الكفاءات والأطر، ما لمح إليه جلالة الملك نفسه في خطاب سابق، حين خاطب ممثلي الأحزاب قائلا «يتعين عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي». وتشكل لحظة الانتخابات امتحانا عسيرا للأحزاب السياسية، إذ تظهر أمام الرأي العام في وضع حرج، وهي تقبل، ضمن لوائحها، كل من هب ودب، أو له مصلحة في الترشح، إذ يختلط العمل السياسي، في هذه الحالة، مع الوصولية والانتهازية المضرة بالديمقراطية وتمثيل السكان في المؤسسات والمجالس المنتخبة. ويعتبر التقاعس في إنتاج نخب وتجديدها، مسؤولية مغربية مشتركة، لا أحد يمكن أن يتنصل منها، وتبدأ العملية من المنزل وسط الأسرة، وتتطور في المدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، وتصل إلى مؤسسات التعليم الثانوي والعالي، وصولا لتشكيل وعي وثقافة وتقاليد بأهمية تسليم المشعل من جيل إلى جيل ومن نخبة قديمة إلى نخبة جديدة. والواقع أن هذا الانتقال من نخبة إلى أخرى، يشكو أعطابا بنيوية مزمنة، في وجود فئة من «الموظفين الكبار» يفعلون المستحيل من أجل البقاء في مناصبهم لأكبر مدة ممكنة، ومستعدون للتضحية بأعز ما يملكون من أجل «تمديد» يحفظ لهم ماء الوجه، ويمدد في عمر مصالحهم وعلاقاتهم المتشعبة والمتشابكة. ومع استمرار هذه الكائنات بأغلب الإدارات، لا يمكن أن نحلم بمغرب الشباب، أو مغرب التشبيب والتجديد والأطر، إذ يختزل ذلك في مجرد كلمات منمقة تُتلى في التجمعات الكبرى وجلسات الافتتاح للأحزاب، ثم تمزق وترمى في صندوق القمامة، إلى حين انعقاد تجمع ومؤتمر جديدين. هذا كل ما في الأمر باختصار شديد.