بعض محاكم قضاء الأسرة باتت تحيلها على المجالس العلمية رغم تنصيص مدونة الأسرة على مسطرة الصلح أثناء الولوج إلى القضاء من أجل الطلاق، إلا أن البعض مازال يعتبر هذه المسطرة غير كافية لتحقيق النتائج المرجوة منها في عودة الأزواج إلى بيوت الزوجية. ويعتبر المحامي إبراهيم منقار، من هيأة المحامين بالرباط، أن هذه المقاربة التي نصت عليها مدونة الأسرة لا تعطي النتائج المرجوة، مؤكدا أنه لا يعقل منح الزوجين خمس دقائق داخل غرفة مكتظة بالحضور لتأكيد الصلح. ومن أسباب فشل هذه المسطرة، يؤكد منقار، أنه انسجاما مع ثقافة المجتمع المغربي، وتاريخه العريق، "نعرف أن الصلح داخل المغرب لديه طقوس وعادات، ولا بد من توفر وسيط لذلك له مركز مجتمعي أو ديني ويكون في بعض الأحيان رجل دين ورعا"، مضيفا أن في الثقافة المغربية، إذا توجهت الزوجة إلى المحكمة وطلبت الطلاق فالزوج لا يعيدها، سيما بالجماعات الترابية والمدن الصغيرة، التي مازالت تعرف بعض الأعراف القديمة. ولهذا يرى منقار أن بعض أقسام قضاء الأسرة على الصعيد الوطني، فطنت إلى فشل هذه المقاربة، وأصبحت تفضل إحالة هذه القضايا على رؤساء المجالس العلمية المحلية، لأنها مؤهلة لإجراء الصلح بين الأزواج، مضيفا أن هناك تجارب ناجحة بمحاكم أكادير ومراكش وتطوان. ولمواجهة عدم نجاعة الصلح بالشكل المطلوب، يشدد المتحدث نفسه أنه حان الوقت لعودة المشرع إلى الواجهة للتنصيص على ضرورة ترك مسطرة الصلح للأجهزة الدينية، لما لها من أدوار رمزية بين الأطراف المتنازعة، مضيفا أن رجل الدين في ثقافة المجتمع حينما يلجأ إلى الصلح بين ذات البين، فإنه يستحضر مجموعة من الآيات القرآنية والقصص والأحاديث النبوية، ويدخل ما هو روحي في ما هو اجتماعي، مشيرا إلى أن لجوء بعض القضاة إلى المجالس العلمية للصلح، أعطى أكله. وللخروج من الباب الواسع، هذه مناسبة للمشرع يقول المتحدث نفسه في إسناد مرحلة من مراحل الطلاق لرجال الدين. ومعلوم أن المحاكم تستدعي، عند إصدارها الإذن بالطلاق، الزوجين لعقد محاولة الصلح، إذا كانا موجودين في المغرب، وإذا كانا خارج المغرب، فإنها تكلف البعثة الدبلوماسية أو القنصلية المغربية الأقرب إلى مكان إقامتهما في الخارج لإجراء محاولة الصلح، ثم يتم استدعاء الزوجين من طرف المصالح القنصلية لإجراء الصلح. يذكر أن بعض الإحصائيات الصادرة عن منظمات نسائية، أكدت تراجع التنازلات المتعلقة بمساطر الصلح في مدونة الأسرة، من 20 ألف حالة في 2016، إلى 15 ألفا في 2021. عبد الحليم لعريبي شهادات في ظل القلق المتزايد من الارتفاع المخيف لمعدلات الطلاق في بلادنا، انطلقت القوى الحية داخل المجتمع في التحرك من أجل البحث عن حلول كفيلة للحد من تنامي الظاهرة ووقف نزيف التفكك الذي تعيشه آلاف الأسر داخل المجتمع. ولتسليط الضوء أكثر على تفشي هذه الآفة في مجتمعنا، ارتأت "الصباح"، أخذ آراء بعض المتتبعين والمهتمين بالشأن المحلي على مستوى جهة فاس مكناس. تهديد وتفكيك منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق، كانت للمقتضيات المتعلقة بالطـلاق والتطليق الصدارة في الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم الأسرة بمعدل متوسط يقدر بمائة ألف حكم طلاق سنويا، حسب إحصائيات وزارة العدل، أي ما يفوق 30 بالمائة من عدد حالات الزواج السنوية، وهو رقم يهدد الأسرة المغربية، ويؤكد أنها بدأت بالتفكيك. وترجع أسباب تنامي ظاهرة الطلاق حسب تجربتنا العملية المتواضعة، في معظمها، إلى العنف الجسدي واللفظي والعنف الاقتصادي، والتي ترجع كلها إلى اعتبارات اقـتصادية ومادية بالدرجة الأولى وتعكس الإرهاق الاجتماعي الذي أصبح يعانيه أفراد المجتمع، تليها أسباب تتعلق بانحرافات في استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل الفوري والاستعمال المفرط للتكنولوجيا المتوفرة بشكل مبسط في الهواتف الذكية. ويعتبر التطليق للشقاق الاختيار المفضل في أنواع الطلاق لبساطة المسطرة المتبعة وعدم وجود عبء الإثبات على عاتق المتضرر، مما جعله أيضا الملاذ الأول للنساء الراغبات في وضع حد لمعاناتهن، خاصة أن إثبات الضرر كان يشكل حائلا دون الحصول على الطلاق سابقا، في ظل مدونة الأحوال الشخصية قبل 2004. وقد يتبين في أول وهلة أن بساطة القانون وسلاسته وسرعة البت في مساطر قضايا التطليق والطلاق، التي تقل بكثير عن المدة المتطلبة في دول متقدمة، قد تكون نقمة بسبب الكم الهائل لعدد قضايا الطلاق الرائجة حاليا في محاكم المملكة، أو التي تم البت فيها من طرف القضاء منذ بداية تطبيق مدونة الأسرة، لكن الطلاق وفق اعتقادنا يبقى في معظم الأحيان أخف الأضرار وحلا حاسما لتفادي وقوع كوارث وجرائم فظيعة تجعل من ملف الطلاق بمثابة استباق ووقاية لملف جنائي. ويعتبر الأطفال ضحايا الخلافات الزوجية بامتياز، رغم حرص مدونة الأسرة على حماية حقوقهم المادية والمعنوية، بمراعاة المصلحة الفضلى للطفل عند إصدار الأحكام، لكن الطلاق يبقى أيضا وسيلة جديرة بالاعتبار لحماية الأطفال من التوترات العائلية والأجواء السامة، التي تخيم على علاقة الزوجين وعلى كل أفراد العائلة بصفة عامة عندما تصل إلى مرحلة متقدمة. و قد يكون العمل في اتجاه تقييد مسطرة الطلاق أو التطليق بشروط معقدة، من أجل التضييق على الراغبين في الطلاق للحد من الظاهرة، فكرة سيئة لما يمكن أن تنتج عنها من ظواهر اجتماعية أكثر خطورة من آثار الطلاق نفسه، ولذلك يجب أن يتحمل الجميع مسؤوليته في التوعية والتربية والتحسيس ويبقى تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين السبيل الأمثل للتقليص من حدة "تسونامي الظاهرة. ذ. منصف الخياري (محام وعضو مجلس هيأة المحامين بفاس وعضو المكتب التنفيذي لرابطة المحامين الاستقلاليين بالمغرب) حلول رزينة لا شك أن مؤشرات الطلاق المرتفعة ببلادنا باتت تستدعي أكثر من أي وقت مضى، وقفة تصويبية لمدونة الأسرة، وتفكيرا جماعيا بالصوت المسموع لحلول عادلة ورزينة. مؤشر الطلاق بات يتسلق رتب الزيادة الصادمة سنة بعد أخرى، وهذا المعطى أصبح ذا دلالة رسمية، حيث 26.957 حالة طلاق عام 2021، مقابل 20.372 حالة في 2020 في رد كتابي لوزير العدل عبد اللطيف وهبي على سؤال بالبرلمان. قد تكون الأرقام مفزعة وصادمة، وقابلة للزيادة والتضخم مثل الحياة المعيشية. في حين أن هذه المعطيات الدالة بالحقيقة قد تكون لها عدة أسباب متنوعة وتراكمية، وضمنية، ومنها حتى ما هو شكلي. ومن بين الأثر المجانب للقانون في مقاصده التشريعية الأولى، فقد يعزى متغير نماء حالات الطلاق بجل أنواعه، إلى تبسيط مساطر الطلاق، وتنامي الوعي القانوني لدى الأزواج، والذي بات يروم غالبا إلى إنهاء العلاقة الزوجية (اتفاقيا) بشكل ودي وحضاري. لكن الأسباب الكامنة وراء ارتفاع حالات الطلاق، لها عدة انعكاسات تلازم التحولات السريعة التي يعرفها المجتمع المغربي في شق الأسر (النووية) أو (الأسرة النواة)، وهي الأسر المتكونة من الزوج والزوجة والأبناء فقط. هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية انعكست بشكل أو بآخر على القيم الأسرية (التشتيت)، وعلى المفاهيم المؤسسة لبنيات الزواج (الهشاشة)، والتي باتت شديدة الانفجار بحكم قضائي بالطلاق عند أول منعرج أسري غائر. فحين قلنا إن للطلاق أسبابا شكلية، فإننا نلقي اللوم على مدونة الأسرة، والتي اعترضت بنودها بعض الاختلالات التضمينية والشكلية، وباتت تحمل بين نصوصها المتقطعة فراغات وبياضات مفزعة، تساهم في اللجوء إلى محكمة الأسرة وتسريع مسطرة الطلاق، وهذا ما دعا الملك محمد السادس إلى المطالبة بتحيين بعض بنود ومقاصد مدونة الأسرة القانونية والفقهية، وهي دعوة لتثبيت العدل بالإنصاف، وترسيخ المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في الحياة العامة، والنهوض بوضعها وتعزيز المساواة بين الجنسين. نعم، مؤشر التفكك الأسري بات خطا أحمر فزعا عند متتبعي معدلات الطلاق ببلادنا، وانقلاب النصوص القانونية من مقاصد حماية البناء الهيكلي للأسرة، إلى تفتيت لبنات أسر متماسكة وصلبة، عاد إلى محك النقاش القانوني الفقهي. فلم تكن الدعوة الملكية السامية إلى هيكلة مضامين مدونة الأسرة، دعوة للثراء الفقهي والقانوني في شق الأسرة (لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية)، بل كانت دعوة صريحة للحد من (تسونامي) الطلاق ما بعد كوفيد 19. نعم بصدق، هي خطوة تنظيمية وقانونية ومرفقة بمقترحات تروم إخضاع الأزواج (الجدد) لدورات التأهيل في الحياة، على أساس امتصاص الصدمات الأسرية الصغيرة بالحلول الموضعية، والمساهمة السليمة في بناء أسر تحافظ على كينونتها الاجتماعية من الداخل، وتدعيم الترابط بين الزوجين، وكذا تمكين الراغبين في الزواج من حصص في التأهيل النفسي والاجتماعي من طرف مختصين لاستيعاب المسؤوليات المشتركة. حقيقة لا مفر منها، فالدولة وعت أن دقات جرس الإنذار الذي يكمن في تزايد نسب الطلاق بشكل مخيف. وعت بأن مواد ونصوص مدونة الأسرة يجب أن يتم ترميمها بالتجديد والتنقيح القانوني والفقهي. وعت الدولة برفع تحفظاتها بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة. ذ. محسن الأكرمين (أستاذ ومدير مؤسسة تعليمية بمكناس) ترسبات الماضي يمكن القول حسب رأيي الشخصي، أن ما وصل إليه المغرب من تفشي ظاهرة "أبغض الحلال"، وجود آثار سلبية لبعض ترسبات الماضي، كالعنف الزوجي والقهر والاضطهاد، وعدم قدرة الأزواج على تدبير النزاع الداخلي في ما بينهم، بالإضافة إلى تبعات اجتماعية واقتصادية ونفسية مرتبطة بكل شخص. فالطلاق هو نتيجة لاهتزاز العلاقة بين الأزواج، كما أن الأزواج المقبلين على الطلاق لا يولون أي اهتمام للمفهوم الحقيقي للزواج، الذي يقتضي نوعا من المرونة والتوازن بين الزوجين تحت سقف واحد طيلة الحياة الزوجية، وعدم إدخال أي طرف ثالث في حال وقوع مشاكل بينهما، والتي غالبا ما تكون مرتبطة بالجانب الاقتصادي. حيث يلاحظ، أن نسبة الطلاق ترتفع كلما اتجهنا إلى الطبقة الأقل من متوسطة، حيث قلة الوعي وذات اليد وعدم حل المشاكل الاقتصادية. الطلاق برز بشكل ملفت بعد التعديلات التي طرأت على مدونة الأسرة، وأصبح سهلا ممارسة ووسيلة للتخلص من المشاكل الأسرية. نسبة الطلاق قبل تعديلات المدونة كانت ضعيفة وغير معروفة، قبل أن تتغير الثقافة المغربية وتصبح المرأة فاعلا اقتصاديا مستقلا، وهو ما فسح المجال أمامها لتواجه الرجل في العمل والإدارات وتساهم في المردودية الاقتصادية، وتصبح لها علاقات خارج نطاق بيت الزوجية وسط زملاء العمل، إذ أضحت تمتلك ثقافة جديدة لتدبير أحوال المنزل، وهذه كلها عوامل تفسر مدى الإقبال الكبير على الطلاق لأسباب تافهة، خاصة عندما يغيب الوعي والنضج والمرونة لدى الأزواج، بعيدا عن المحبة والود والاستقرار. مزاح عمر (أستاذ اللغة العربية) استقاها: حميد بن التهامي (مكناس)