لحظة التأسيس والاعتقالات وإعجاب الحسن الثاني وعرفات في لقاء تلفزيوني، قال العربي بطمة أحد مؤسسي ناس الغيوان: "كان المغرب مقسما إلى ثلاث: ناس الغيوان، ولمشاهب، وجيل جلالة". يرى والباحثون في المجموعات الغنائية بالمغرب أن لمشاهب "احتلت مساحة مهمة في المغرب وغيرت من خريطته الغنائية، كما أسست لمشهد مغاير انفتح على العالم من ساحات الصويرة وثنايا الحي المحمدي، وتشبع بإيقاعات كناوة والعيطة وموسيقى الشعوب". لم تعترف لمشاهب بالحدود الجغرافية في غنائها، إذ تماهت مع رياح التغيير القادمة من الغرب، وتشبعت بثقافة "الهيبيزم" وأطلت على حركات التحرر في العالم والمد الاشتراكي في ذلك الوقت، وتفردت في المزج بين التراث الغنائي المغربي والموسيقى الغربية، ف"لم تسقط في فخ الانسلاخ والتقليد الأعمى ولم تكرر نفسها من خلال التعامل مع التراث دون نفس تجديدي، بل نجحت في خلق موسيقى عصرية، وتقاسمت الهموم نفسها مع باقي المجموعات الغنائية". غنت لمشاهب لانتمائها الإفريقي، إذ كانت القارة تعيش في ذلك الوقت على وقع صرخات التمرد التي أعلنها ثوار ضد الاستعمار. كما غنت للقضية الفلسطينية وأكدت على بعدها القومي، فكتب أغنية "فلسطين" ولحنها محمد بطمة لتؤديها الفرقة خلال مؤتمر الأممية الاشتراكية في موسكو. ارتبطت لمشاهب بجمهورها، في أغانيها وشكلها ولباسها، الذي ظل موشوما في الذاكرة، إذ صممت لباسا خاصا مستلهما اسم لمشاهب، المشتق من اللفظ "الشهب"، أي قبس من النار الملتهبة، لذلك ارتأت المجموعة أن يكون شعارها مجسدا في طريقة لباسها، حينها لجأ لمراني الشريف، أحد مؤسسيها، بنفسه إلى تصميم اللباس، وستقوم والدته بخياطته. قال الباحث حسن حبيبي، في تقديم كتاب ديوان حب الرمان لمبارك الشادلي، عن لمشاهب إنها جاءت في وقت عرفت الظاهرة الغيوانية نجاحا لافتا، إذ رأت في نفسها إمكانية إحداث مجال حقيقي تتحرك فيه وتعلن عن نفسها نمطا أساسا في الغناء المغربي آنذاك، فلمشاهب ظهرت في المرحلة الأولى لظهور المجموعات، بنمط يكاد يختلف عن سابقاتها لحنا وأداء وكلمات، خصوصا أنها جمعت بين مجموعة من الأصوات المختلفة والمتناغمة، مثل محمد بطمة ومحمد السوسدي ومبارك الشادلي وسعيدة بيروك، بالإضافة إلى عازف المندولين المرحوم الشريف لمراني، الذي أضفى رونقا خاصا على المجموعة، سواء باختياره لتلك الآلة، التي بدت غريبة على النسق الموسيقي السائد آنذاك في المجموعات السابقة، أو من خلال طريقة عزفه المتميزة والتي جلبت إلى المجموعة دفعة قوية من المعجبين أغلبهم من الشباب. ويروي حبيبي، في تقديم الكتاب نفسه، أنه في لحظة تأسيس لمشاهب، ففي 1971، رست مراكب مجموعة ناس الغيوان في قلوب الجماهير، وتعرف الشادلي على السوسدي، واقترح عليه تأسيس فرقة موسيقية على غرار ناس الغيوان، وبالفعل ستتأسس فرقة "الجودة"، التي خلدت أسطوانتين غنائيتين لتنقطع أعمالها، بعد أن التحقا بمسرح الطيب الصديقي للمشاركة معه في بعض الأعمال، قبل أن يغادرا أرض الوطن رفقة المجموعة نفسها، وبعد العودة من الخارج سيقرر الاثنان مغادرة فرقة "الجودة"، والبحث عن مجموعة جديدة أكثر احترافية، لينضما إلى فرقة "الدقة"، وخلال جولة فنية مع هذه الفرقة في هولندا، التقيا بمجموعة لمشاهب التي كانت تضم آنذاك، أحمد الباهري ومحمد الباهري والشريف وسعيدة، وهناك تم الاتفاق مع لمشاهب على الانضمام إليها ليمنحا دفعة جديدة، أو ليوقعا البداية الحقيقية للمجموعة. ويقول حبيبي إن لمشاهب تعاملت بفضل أسلوبها الشبابي مع فرقة ألمانية، اسمها "ديسي دان نان"، وهي فرقة موسيقية عالمية، بكثير من الحرفية، إذ سجلتا معا عدة أغان مشتركة، محاولتين صياغة تنحو منحى العالمية في تلك الفترة، وحصل هذا بفضل تضافر جهودهما من جهة، لما كان أعضاؤهما يتوفرون عليه من ثقافة موسيقية وعمق نظر كان طابعه الأساسي هو البعد العالمي في التجربة، فالأغاني التي سجلها الشريف والشادلي مع الفرقة الألمانية كانت ممتازة وكان بإمكانها أن تتطور أكثر لو هيئت لها شروط أكثر شمولية، موضحا أن ما ميز "لمشاهب" عن باقي المجموعات الأخرى، غنى أفرادها وهوسهم بحس البحث عن ثقافات أخرى، فقد كانوا مصابين بالتنقيب عن النغمات المغربية والعربية والعالمية المختلفة. ومن الألبومات المشهورة لمجموعة لمشاهب ألبوم "أمانة" في 1973، و"داويني" في 1974، و"خليلي" في 1978، و"العالم" في 1981، و"الصفا" في 1984، و"الدنيا" في 1986، و"مجنون هاد العالم" في 1988، و"يوم كنت معايا" في 1990، و"البحر" في 1996، و"صلاح الدين" في 2000، وشبح القيامة في 2002. علاقة الحسن الثاني وعرفات بالمجموعة عرفت مجوعة "لمشاهب" أوجها من منتصف السبعينات، لكنها مُنعت من الظهور في وسائل الإعلام بقرار من إدريس البصري وزير الداخلية آنذاك، إلا أن الملك الراحل الحسن الثاني أبدى إعجابه بالمجموعة، خصوصا الأغنية الرائعة "بغيت بلادي"، وإثر ذلك تراجعت حدة المضايقات، لكن رجال البصري لم يكفوا عن استنطاق أفراد المجموعة مرارا في مخفر الشرطة المشهور في درب مولاي الشريف بالبيضاء، مباشرة بعد كل حفلة. ولم يكن الراحل الحسن الثاني الوحيد من بين الشخصيات التي أُعجبت بإبداعات المجموعة، بل حتى الراحل ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية عبر عن تأثره الكبير بكلمات أغنية "فلسطين" التي تُعتبر إحدى روائع المجموعة، وسلم أعضاء "لمشاهب" شخصيا جائزة القرص الذهبي باليونسكو في 1981. خالد العطاوي