احتفال نسبة من الفاسيين بعيد الفطر، بطعم العلقم هذا العام. يجترون مرارة ظروف تأزمت ومواد استهلاكية وملابس وحاجيات، التهبت أسعارها بشكل غير مسبوق يهدد السلم الاجتماعي. ورغم ذلك يكابدون ويوثرون على أنفسهم ولو بهم خصاصة، لأجل دقائق فرح مسروقة من همومهم. بوادر عيد ليس كأعياد سنوات مضت فرحة واستعدادا، لاحت قبل ليلة القدر وخلالها. الاحتفال بصغار جربوا الصيام ضعيف حيثما اعتاد أهل المدينة إقامة خيام خاصة، ما يختصره قلة الإقبال على بعض منها كما ظهر ليلة الأحد قرب معرض الصناعة التقليدية بساحة فلورانسا، فرغت إلا من منشطين في انتظار محتفى بهم. «يمارة الدار على بابها» تختصر حنان توقعها لأجواء العيد، منطلقها ما عاينته من هجران للخيمة وقفت قبالتها منتظرة خروج قريباتها. دخلن المعرض المجاور، في جولة استطلاعية لا غير، لم ترافقهن لأنها تتحاشى الإحراج. ليس في حقيبتها اليدوية غير ما يكفي لعودتها وشراء أغراض من متجر البقالة. تمنت لو ألغيت الاحتفالات. «السوق والحانوت والخضرة، ما خلات لنا باش نتكساو ولا نكسيو ولادنا ونفرحو ونفرحوهم»، تقول قريبتها التي حضرت لتوها لمكان وقوف حافلات النقل الحضري المتجهة لأحياء بن دباب الموغلة في الفقر والتهميش. «أشمن عيد على باباك بلا طابة»، مثل رددته بنبرة لم تخف ألما يعتصر له فؤادها، مضيفة «العيد خصو قوامو». «الفرح مكلف في العيد وغيره، سيما في هذه الظروف الصعبة». حقيقة مؤلمة اجترتها ألسنة القريبات الأربع تجمعن في حلقة نقاش فتحها سؤال «الصباح» حول كلفة «عيد الأزمة». الوضع لا يطاق، فنسبة كبيرة من الأسر، في رأيهن، بالكاد توفر جزءا يسيرا من حاجيات أفرادها. إحداهن تساءلت «كيف لمياوم أن يشري كسوة العيد؟». جيوب هذه الأسر مثقوبة، ف»من أين لها بثمن كسوة العيد وملابس الأطفال والحلويات وما جاورها ومستلزمات الفرح؟» تتساءل حنان، لتجيب «الأمر مستحيل بالنسبة إلى أسر إن لم توثر على نفسها بالاقتراض». وبرأيها «الوضع لا يطاق» ودليلها ارتفاع حالات الانتحار وتزايد رقم المتسولين والمشردين، لأن «الحمل ثقل والشواري مثقوب». عجز أسر كثيرة عن توفير حاجيات العيد والفرح، أمر قائم تزكيه شهادة إدريس، تاجر ملابس أطفال، أكد ضعف الإقبال مقارنة مع سنوات سابقة، سيما قبل انتشار فيروس «كورونا». وقال «ما بقي من أزمة الفيروس، قتلته الأسعار في غياب من يحمي مستهلكا أعزل»، ليخلص إلى أن «الدولة يجب أن تتحمل مسؤوليتها في الإنقاذ». لا يقبل هذا الرجل أي حديث عن جشع التجار ولو أقر به دون تعميم. دليله أن التاجر «حتى هو مخنوق» و»هو مواطن يعاني كبقية المواطنين من ارتفاع الأسعار والأزمة» ومثقل كاهله بالضرائب والمصاريف و»زادو قتلونا حتى الفراشة»، قالها وهو يشير لباعة «ما بقاوش» جائلين كما وصفهم، يبيعون الملابس نفسها غير بعيد عن متجره. ويستدرك: «حقا كلشي على باب الله وكيطلب رحمتو. الله يحسن العوان ديال كلش. لكن يديرو لهم الحل»، مشيرا إلى أن بعضهم «مفرش حدايا وكيربح أكثر مني وما متبوع بوالو». وأكد أنه لم يبع طيلة اليوم سوى «كسوة» طفلة و»أغلب من يدخل المحل يتفرج ويساوم ويغادر» و»منهم من يتوجه ليشتري من البائع وكأنهم يشجعون الفوضى». آهات التجار والمواطن يسمع أنينها بمواقع التواصل الاجتماعي، إذ التشكي والتباكي عنوان ووسيلة ل»التنقيب» عن زبناء هجروا المحلات، واقعا. عدة تجار لجؤوا للدعاية لسلعهم افتراضيا أملا في استقطاب زبناء أبعدتهم الأزمة عن متاجر كانت تختنق إلى حين بهم وتدر على أصحابها مداخيل مضاعفة في كل الأعياد والمناسبات الدينية. الكل يصطف مع الغاضبين الشاكين الباكين، لكن ياسين طالب جامعي، له رأي مغاير. بنظره «المغاربة يعيشون انفصاما في الشخصية» «يتباكون افتراضيا وواقعيا، ويقبلون بنهم على مستلزمات العيد وغيره»، مشبها ذلك بمتسول رث الثياب يخفي مالا في جواربه، مؤكدا أن الناس طبقات وأنواع وسلوكات. حميد الأبيض (فاس)