رمضـان “الحـارق”

ارتفاع عدد الإصابات بالحروق المنزلية بسبب التسرع في إعداد الوجبات والأطر الطبية تحث على التوعية تتعبأ أطقم المركز الوطني للحروق وجراحة التقويم بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالبيضاء، لاستقبال مزيد من الإصابات في ما تبقى من أيام رمضان، أغلبها لأطفال، دون سن العاشرة، وجدوا أنفسهم في وضعيات إهمال داخل المطبخ، أو قرب مواقد نار، أو أواني سوائل مغلية، أو بجانب قارورات غاز غير آمنة. إعداد: يوسف الساكت / تصوير (أحمد جرفي) يستقبل المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، في هذه الفترة من السنة لوحده، أكثر من 10 حالات في اليوم، ترتبط كلها بحروق (بدرجاتها الثلاث)، وقعت في فترات عدم انتباه ويقظة، أثناء إعداد وجبات غذائية، أو أطباق ومشروبات ساخنة، أو حلويات مغربية مميزة (الشباكية مثلا) تتطلب كميات من الزيت المغلى وتذويب السكر (صنع العسل)، وتهيأ، في الغالب، في مجال غير آمن. الهاجس يشكل رمضان هاجسا بالنسبة إلى الأطباء المشرفين وأطباء الجراحة وأطر التمريض بهذا المركز الوطني الوحيد بهذا التخصص الطبي، والمدشن من قبل جلالة الملك في 2006، إذ يشتغلون وفق برنامج للتوقعات، يستحضر الارتفاع الملحوظ لحالات في هذه الفترة من السنة. وقدرت إخلاص لعلج، الطبيبة المختصة بالمركز نفسه، أن يكون العدد الحقيقي لعدد الإصابات اليومية أكثر بكثير مما يصل إلى القسم 34 بالبيضاء، مؤكدة أن المركز لا يتكفل سوى بالحالات التي تصله، دون الحديث عما يتسبب فيه سوء تدبير "المطبخ"، أو "النار" خلال رمضان من حوادث يومية، قد لا تصل إلى درجة الخطورة، لكنها تقع، وتترك أثرا (علامة) على جلد المصاب ونفسيته. وأوضحت لعلج، في تصريح لطاقم "الصباح" خلال زيارة للمركز الوطني، أن الحالات تتكرر بالوتيرة نفسها كل رمضان، رغم بعض النصائح والتوجيهات التي من المفترض أن يكون استفاد منها المواطنون في مناسبات مختلفة، مبرزة حجم الضرر الاجتماعي والنفسي والأسري الذي قد تتسبب فيه حالة إصابة بحروق. السوائل وتمثل الإصابات بحروق بسبب السوائل المغلاة النسبة الكبيرة من الحالات التي يتوصل بها المركز الوطني في هذه الفترة، إذ لا تنتبه بعض الأسر، أثناء الإعداد السريع لوجبات الإفطار، إلى وجود بعض الأواني (براد، إبريق، مقراج، كاصرونة..طنجرة)، الموضوعة بطريقة غير صحيحة فوق فرن في وضعية اشتعال، ما قد يتسبب في سقوطها، أو اندلاقها على ضحايا. وتصل إلى المركز الوطني للحروق وجراحة التقويم بالبيضاء حالات كثيرة من هذا النوع قبيل رمضان وأثناءه، خصوصا بالنسبة إلى الأطفال دون سن العاشرة، الذين تشوي جلودهم الصغيرة كميات من الماء المغلى وأتاي والحريرة والقهوة وغيرها من السوائل الأخرى. إلى جانب حالات الحروق الناتجة عن السوائل في رمضان، تضيف مونية ديوري، البروفيسورة ورئيسة المركز الوطني للحروق وجراحة التقويم، أسبابا أخرى، مثل الاقتراب غير الحذر من الماء الساخن بالحمامات الشعبية، إذ غالبا ما يترك الأطفال (من الجنسين) في حالة شرود بعيدا عن انتباه الأمهات والآباء والمرافقين، فيتعرضون إلى حوادث قد تشوه أجسامهم، إذا لم تعالج في الوقت المناسب. وذكرت ديوري مثالا على ذلك بالأب القاطن بإحدى قرى سطات، الذي وضع ابنه، دون احتياطات، قرب صهريج ممتلئ بالماء الساخن، وما هي إلا رمشة عين حتى وجد ابنه مسلوقا وسط الصهريج نفسه، حمله مسرعا وأتى به إلى المركز. "البوطة" وتحتل قارورة غاز بوطان من الحجم الصغير مركز الخطورة بالنسبة إلى رئيسة المركز، سواء في رمضان أو غيره من الشهور الأخرى، إذ تكاد حوادث انفجار هذه القنابل الموقوتة، تتكرر على نحو مستمر، وتسبب في مزيد من الوفيات والإصابات والعاهات والتشوهات بالغة الأثر على الاستقرار الاجتماعي والأسري والنفسي للناجين. ويتكفل المركز الوطني بجميع الحالات القادمة من مختلف مناطق المغرب، إذ لا تتوفر أغلب المستشفيات على مصالح مختصة، ويرحل جميع المصابين إلى البيضاء، ما يفاقم من معاناة المرضى والأسر، وكذلك الأطقم الطبية التي تتوصل، في بعض الأحيان، بحالات متدهورة جدا. ويبذل الأطباء والممرضون والموظفون المساعدون مجهودات استثنائية للاعتناء بالحالات، وفرز درجات خطورتها، والتعامل مع كل حالة على حدة، كما تبقى الأطر مستعدة، يوميا، لحالات الطوارئ الكبرى، كما وقع خلال حادث احتراق سجن سيدي موسى بالجديدة في 2005، وبسببه أعطى جلالة الملك أوامره لإنشاء مركز وطني بالبيضاء، لم يعد كافيا، بسبب الضغط الكبير. الوقاية تتفق البروفيسورة ديوري والطبيبة لعلج، في حديث استغرق ساعة ونصف الساعة، على وجود عطب كبير في التحسيس والتوعية والوقاية من مخاطر الحروق، إذ أكدتا أن كلفة إستراتيجية وطنية للوقاية أقل بكثير من كلفة التكفل بالمرضى في تخصص يتطلب إمكانيات مالية ولوجيستيكية ضخمة (بنيات، معدات الجراحة والتقويم، أدوية باهظة الثمن...، عناية ومتابعة بعد العلاج..). وشددت لعلج على ضرورة إيلاء أهمية قصوى إلى هذا الجانب، لأن الوقاية المنتظمة والتوعية الصحيحة في المدرسة والمنزل والشارع وأماكن العمل، ستجنبان المغاربة كثيرا من المآسي والصور المؤلمة. وتدخلت ديوري موضحة أن الوقاية من الحروق، خصوصا في بعض الأوساط الهشة والفقيرة، ينبغي أن تتحول إلى أولوية وطنية، مؤكدة أن البداية يجب أن تنطلق من الحد من مخاطر قارورات غاز البوطان، على الأقل في اتجاه الضغط على المصنعين بوضع إرشادات على واجهات "البوطات"، تعلم الزبناء طرق الاستعمال والتصرف أثناء استشعار خطورة. مركز واحد لم يعد يكفي في 28 مارس 2006، دشن جلالة الملك المركز الوطني للحروق، الذي شيد بشراكة بين مؤسسة محمد الخامس للتضامن ووزارة الصحة ومجلس عمالة البيضاء و"مغرب أوكسجين"، وهو مركز لم يعد كافيا، بسبب الارتفاع الملحوظ لحالات الإصابة. ويتوفر جناح المصابين بحروق، والذي يعتبر الأول من نوعه على المستوى الوطني، على فضاءين هما بناية جديدة وبناية قديمة تمت إعادة ترميمها. ويحتوي على منشآت طبية وتقنية ذات مستوى عال وعلى طاقة استيعابية تتسع لـ 48 سريرا موزعة بين 26 غرفة ذات سرير واحد و5 غرف ذات سريرين وقاعة ذات 6 أسرة وقاعة ذات 10 أسرة. وتشتمل البناية الجديدة على طابق تحت أرضي يحتوي على مختبرين وخزانة وقاعة للدرس ومرافق إدارية وتقنية وعلى قسم للجراحة بالطابق الأرضي يحتوي على قاعة للتعقيم وقاعة للاستيقاظ وقاعة للتخدير الموضعي وقاعتين للتخدير العام للجراحة التقويمية ومغسلة. كما تضم هذه البناية وحدة لإنعاش المصابين بحروق والذين تعد حالتهم خطيرة، تحتوي على قاعة للمعالجة بالاستحمام وقاعة للعمليات مجهزة بوسائل المعالجة بالاستحمام وقاعة للتعرية وقاعة لإبطال العدوى وقاعة للعلاج وقاعة للوصول الاستعجالي (10 أسرة) وثماني غرف للمرضى ومكتبين طبيين وقاعة للممرضات وصيدلية ومستودعين للرجال والنساء ومطبخ.

رمضـان “الحـارق”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قتل يورط تلميذين بسطات

التخلي عن 43 مهاجرا في عرض البحر

مقالات ذات صلة