حضور وازن لأقاربهم بالقاعة 7 والانضباط والأمن يهيمنان على المحكمة خيم هدوء مطبق على جنبات محكمة الاستئناف بالبيضاء، على الساعة التاسعة من صباح الجمعة الماضي. غياب شبه تام للمرتفقين، اللهم فتاة وجدت نفسها موضوع استفسار من قبل أمني أمام البوابة الخارجية للمحكمة، لكن بمجرد دخولها تشعر بالصدمة، فرغم أن الوقت مبكر على انعقاد الجلسات، كانت القاعة 7 مكتظة بأقارب أحداث متهمين، في حين مازال آخرون يتقاطرون عليها جماعات. سرقت القاعتان 7 و9 الحدث بمحكمة الاستئناف، إذ كانتا قبلة للمرتفقين والمحامين، حيث خصصتا لمحاكمة أحداث تورطوا في قضايا مختلفة. حظيت القاعة 7، التي ستبت فيها القضايا الجنائية الابتدائية، بحصة الأسد من حيث الحضور، في حين كانت باقي القاعات الأخرى، وأبرزها القاعة 8، والتي تبت في ملفات جنائية مثيرة تحظى باهتمام الرأي العام الوطني، خالية على عروشها، وتحت رحمة عاملات نظافة استعدادا لجلسات اليوم (الاثنين). الانضباط ...القاعدة صار الانضباط قاعدة بمحكمة الاستئناف، ونجح رجال الأمن المكلفون بحراستها في تكريسه لدى المرتفقين مهما كانت مكانتهم الاجتماعية، إذ بشكل عفوي، أصبح الزائر يبدي تعاونا كبيرا في تدوين اسمه في سجل خاص أمام البوابة الرئيسية للمحكمة، ويعرض شهادة الاستدعاء للمحكمة دون أن يطلب منه إشهارها، كأنه أدرك اللعبة في النهاية، على نقيض السنوات الماضية، حيث هيمنت ثقافة الفوضى والتسيب، لدرجة أنه صارت مطالبة مرتفق بالانضباط تحسب إهانة واستفزازا له. بدا الانضباط وفرض الأمن واضحين من خلال تفادي المرتفقين التجمع في ساحة أمام قاعات المحكمة، إذ توزع الكل بين القاعتين 7 و9، حيث انخرط كل شخص في التنافس للعثور على مكان للجلوس فيه. داخل القاعة 7، لا مكان شاغر، والمثير أن عدد المرتفقين في تزايد مع مرور الوقت، ما دفع المشرفين على أمن المحكمة للاستنجاد بكراس إضافية، خصصت جميعها للنساء. عكس ذلك، لم يتجاوز عدد الحضور في القاعة 9، المخصصة لملفات الجنايات الاستئنافية، أربعة أشخاص، شابان ورجلان وفتاة جلست على أحد الكراسي الأولى. تشعر بملل داخل القاعة وبرودة خاصة، ظلت مهيمنة على المشهد رغم دخول تقنيين يعدون الأجهزة الخاصة بالمحاكمة عن بعد. "ملوك" القاعة 7 انخرط جميع الحضور بالقاعة 7 في نقاشات جانبية، لكن دون ضجيج، ربما يعود إلى تأثير الصيام ومحاولة لتوفير القوة والطاقة لقضاء ما تبقي من اليوم. تشعر من خلال طريقة حديث المرتفقين وتنقلاتهم أنهم "واخدين راحتهم" قبل انطلاق المحاكمات، بل منهم من استعمل هاتفه المحمول للحديث مع قريب، ليقدم له آخر مستجدات قضية قريبه المتابع. آخرون استفردوا بمحاميهم أمام باب القاعة، لوضع آخر ترتيبات المرافعة والتنسيق لتفادي أي هفوة قد تكلف قريبهم المتهم غاليا. بدا المرتفقون كأنهم ملوك القاعة، يتصرفون بكل حرية وعفوية فيها، ينتقلون من مكان إلى آخر بشكل سلسل، لكن تحت نظرات صارمة للمكلفين بالأمن، كأنهم على استعداد للتدخل في حال ظهر أي انفلتت قد يحول المكان إلى ساحة من الفوضى والتسيب. في خضم هذا الوضع، بدا القلق على محيا امرأة في الخمسينات من العمر. توجهت إلى المكان المخصص للمحامين، وعادت حزينة وبحركة من رأسها أخبرت قريبتها أن المحامي "غير موجود"، جلست على كرسي مقابل لباب القاعة، وظلت تحدق فيه كأنها تترقب ظهوره، كما يظهر فارس مغوار في الأفلام الملحمية، ترى علاما الاستسلام والارتباك في الوقت نفسه بادية على وجهها، كأن قريبها القاصر متابع في قضية قد تكلفه عقوبات حبسية مشددة. حماية الطفولة داخل القاعة خطفت شابتان الأنظار، إذ توجهتا إلى المكان المخصص للمحامين، إلا أنهما ظلتا بزيهما العادي، ما أثار استغراب بعض الحضور، قبل أن يتضح أنهما ممثلتان لمركز حماية الطفولة، مهمتهما تتبع الوضع الاجتماعي للمتهمين الأحداث، وإنجاز تقارير تعرض على هيأة الحكم، والمثير أن هذه التقارير، ملزمة لرئيس الجلسة، إذ لا يمكن إصدار الحكم دون تسلم نسخة منه واطلاعه على مضمونها. دخول مركز حماية الطفولة على خط قضايا الأحداث، له ما يبرره، فهذه الفئات هشة وسهلة الاستدراج صوب عالم الجريمة، لهذا يسارع ممثلوها إلى إجراء بحث عن الجاني وظروفه وعلاقته بوالديه ووضعه الاجتماعي، ما يمكن القاضي من تكوين صورة عامة عن القاصر، قبل النطق ضده بالحكم. سرية الجلسات رغم مرور ساعة من الزمن، لم تنطلق الجلسات بعد بالقاعة 7، إذ ما زال رئيس الهيأة يعد الملفات التي سينظر فيها، وتنوعت بين جناية الاغتصاب ومحاولة القتل وتكوين عصابة للسرقة بالعنف. في البداية، تم الاعتقاد أن أقارب الأحداث المتهمين سيتابعون الجلسة، إلا أنهم أشعروا من قبل الأمنيين بضرورة مغادرة القاعة، بحكم أن محاكمة القاصرين تعد سرية، حماية لهم، وأن الحضور سيقتصر على آبائهم وأمهاتهم أو أولياء أمورهم، حيث سيعرضون معا أمام رئيس الجلسة، وإلى حين الإعلان عن انطلاق الجلسات، طلب من الآباء والأمهات الانتقال إلى مكان خاص في انتظار حلول دور محاكمة الابن. حماية الأحداث المتهمين من التشهير أو الإساءة خلال المحاكمة، ربما شجع مسؤولي المحكمة على تخصيص يوم الجمعة للنظر في قضاياهم كل 15 يوما، حيث تكون القضايا الوحيدة المعروضة في ذلك اليوم. مصطفى لطفي