المغرب الذي كان 4 غادر لإخماد ثورة في تادلة فداهمه الموت في "أرض العدو" بعد بلوغه سن العشرين، قرر ولتر هاريس، وهو سليل أحد أغنى العائلات البريطانية، التي تعمل في البحار، الهجرة إلى المغرب، حطت به السفينة في طنجة في 1886، ويستقر في منزل يعرف إلى اليوم بـ "فيلا هاريس"، وقد عاش لسنوات في مغرب القرن 19، التي حاك فيها الاستعمار مخططاته للسيطرة على المملكة الشريفة، وتمكن هذا المغامر المثير للجدل من اتقان الدارجة المغربية، وتشبه بالمغاربة، واعتمدته جريدة "تايمز" مراسلا لها، وخلال إقامته سيتمكن من دخول قصور السلطان، ولقاء زعماء القبائل، وترك لنا كتابا بعنوان "المغرب الذي كان"، والذي سننير بعض زواياه في هذه السلسلة من الحلقات، بالسفر بين دروب وقصور المملكة الشريفة. عصام الناصيري يعود هاريس في هذا الجزء من المغرب الذي كان، للحديث عن وفاة السلطان الحسن الأول، ويقول إن مولاي الحسن قرر سنة 1893 زيارة منطقة تافيلالت، موطن أجداده من نسب الرسول محمد، الذين جاؤوا من شبه الجزيرة العربية. غادر السلطان فاس مسافرا نحو الجنوب، وعبر منطقة الأطلس والقصبات المخزنية، ليقترب أكثر من واحة زيز. ويصف الراوي ظروف الرحلة، وكيف أن الرعايا لم يتوقعوا هذه الزيارة السلطانية، التي يتطلب تنظيمها العتاد والعدة لإطعام الجيش، بدا وضع المغاربة صعبا حسب هاريس، وهم يعانون الجفاف وشح المواد الغذائية، ووجدوا أنفسهم يقدمون للجنود والحرس ما تيسر لديهم من أكل وشرب. اقتربت وفاة مولاي الحسن الأول، ويحدثنا الكاتب عن اللحظات الأخيرة، بالقول "وصل المولى الحسن إلى تافيلالت مريضا، وأشبه بالرجل الميت، وأصبح واضحا أن المرض الذي كان يعانيه، جعله بطيء الحركة، خاصة أنه لم يكن قادرا على أخذ قسط من الراحة، وتتبع الحمية الصحية التي يفرضها وضعه". استقر المقام بالمولى الحسن بتافيلات عاصمة الجنوب، في نهاية شتنبر 1894، غادر لإخماد ثورة في تادلة، وأثناء نزوله بها داهمه الموت في "أرض العدو". يحدثنا الراوي أن وفاة السلطان في تلك الفترة، وفي ظروف مماثلة، كانت بمثابة خطر محدق بالبلاد، التي تحكمها "ملكية مطلقة"، وغياب رمز السلطة فيها، جعل البلاد بلا قائد، إلى غاية الإعلان عن اسم من سيخلفه على العرش. يوضح الراوي أن الجيش وجد نفسه في موقف صعب، إذ بعد الإعلان عن خبر وفاة مولاي الحسن، اندلعت أعمال العنف وسرقة ممتلكات الحركة الملكية. لطالما حافظ وجود السلطان وسط الجيش، على هيبة المملكة، ضد أي هجوم للقبائل، مثل الجسد الواحد، وبمجرد وفاته سادت موجة من الفوضى في صفوف الجيش، ولم تتوان القوات عن اغتنام الفرصة، لتطلق يدها في السرقة والقتل. توفي السلطان داخل خيمة محصنة بأقمشة خشنة الملمس، ولم يكن يتم السماح لأحد بدخولها، سوى لقلة من الشخصيات المقربة في حالات نادرة، لذا لم يعلم بخبر هذه الوفاة سوى العبيد وبا حماد، مدير التشريفات الملكية. صدرت الأوامر أن موكب السلطان سيتحرك من أجل العودة قبل بزوغ الفجر، وتم إخفاء تابوت المولى الحسن، وإقفال الأبواب ورفع ستائر الخيمة، وتكلفت البغال بحمل نعش السلطان بشكل متقن.