مواجهة الغربة والوحدة بالقراءة في رواية هسوف هي الرواية الثانية لعبد اللطيف هِسُوف. الأولى غربة في الخارج والثانية غربة في الداخل. في الثانية ولوج إلى معهد الأساتذة، من قبل "منصور" التائه باستمرار والفوضوي والباحث عن المعرفة والحالم. في "منصور مر السياسة...وجع الكتابة" وصف لحالة التعليم الذي حقره النظام السياسي، فأصبحت الثانوية التي درس فيها "منصور" كأنها "زريبة أغنام"، والتلاميذ ينقلون همومهم ومشاعرهم ومخاوفهم وعقدهم إلى حجرة الدرس. داهم اليأس والإحباط "منصور" وهو في وسط تعليمي "بئيس". تصف الرواية تهاون أساتذة وضيق أفقهم. وتصف أنانية نقابيين وتفكيرهم في المصالح الشخصية، وجمود العمل النقابي. وتنتقد الرواية السلطة وتجبرها وتفكك الأحزاب المعارضة و"انقلاباتها" الخطيرة وتنتقد الزبونية التي تخترق العمل السياسي وصفوف الأحزاب والانفراد بالقرارات "بدعوى الحفاظ على الانضباط داخل الحزب التعيد". يقول منصور "أصبح امتهان النضال...مصلحة يُرجى من ورائها كسب أشياء عديدة لا يعرفها إلا الذين يقدمون على الترشح". في الراوية نقد للإسلاميين الذين سماهم "السياسيين الجدد"، "أصحاب الفكر الأحادي ونسخ الأفكار". مر "منصور" من تجربة العمل في الصحافة التي اعتبرها استرزاقا ووصولية، وضربا تحت الحزام، وكلاما متبلا ب"الكذب والنفاق". بضغط من "الغربة في الداخل"، وهروب من الإرهاب باسم الدين وعسف السلطة وأخطبوط اليأس ومآزق التهميش و"ندرة" الحب وعدم القدرة على مجاراة الجهلة والأنانيين والانتهازيين، لجأ منصور أستاذ الرياضيات إلى الكتب والرهان على الكتابة. علمته الكتب كيف يكون أكثر صبرا وكيف يصبح رجلا كونيا وأن الكتابة مخاض صعب، والقراءة تخفف من الإحساس بالغربة. بتوالي الانكسارات في "وطن أصبح مكانا لإفساد كل شيء جميل..."، أحس "منصور" بالأمان في الكتب، فقرأ للحلاج وابن الفارض وجلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي، لأنه لا يستحمل الملل وسط أناس مملين، كما قال. عاش "منصور" عمره على سفر...من مكان إلى مكان...وهرب من الخيانات، فكانت الكتب صديقة وملاذا...فكان محمد خير الدين، الطائر الأزرق، وكان ديستويفسكي وكاتب ياسين وإدريس الشرايبي وألبرت ميمي وكُتاب زنوج وبورخيس وكافكا... كانت الكتب نجوما ومؤلفوها أصدقاء في صحراء التيه والوحدة والخسارة... الأهم في هذه الرواية أنها إدانة للتخلف وامتهان كرامة البشر، والأهم فيها أن "منصور" يفر من "الفاسدين" ليحفظ بصيص الأمل من الانطفاء. محمد مفيد