فنانون بالفطرة حولوا جدران أزقة إلى متاحف مفتوحة إلى عهد قريب كان المجتمع والسلطة في المغرب غير متصالحين مع فناني "الكرافيتي" أو الرسم بالصباغة على الجدران، إذ كان من يعتبرهم مخربين، غير أن هذه الأفكار تلاشت وأصبحت رسوماتهم تغزو الشوارع والأزقة، ليحولوا الفضاء العام إلى متاحف فنية مفتوحة في الهواء الطلق. وأصبحت هذه الفئة من الفنانين تتوسع، إلى درجة أنهم يوجدون في جل المدن، ويتنافسون في إبداع رسومات فنية جميلة، بعضها عبارة عن صور لأشخاص وقدوات في المجتمع، أو رسومات تعبيرية وأحيانا فلسفية، وهي عادة محمودة ستساهم في مصالحة المواطنين مع الفنون عامة، وتمنح الأجيال الصاعدة فرصة للتعاطي مع الفن في الشارع، في وقت يعرف فيه المغرب وبلدان الجنوب عامة، ضعفا في الثقافة والفنون. وانتشرت في الفترة الأخيرة رسومات في الشوارع المغربية، تؤرخ لملحمة المنتخب المغربي في كأس العالم بقطر، وقبلها لوحات على الجدران تعبر عن الكثير من الأفكار والفلسفات، المستوحاة من الواقع المغربي، من قبيل لوحات لنساء طاعنات في السن، وأخرى بأوشام أمازيغية أصيلة، ناهيك عن لوحات تجريدية توحي للمتأمل فيها بالكثير من الأفكار. ولم يعد الشباب وحدهم من يقفون وراء هذه الرسومات، إذ أصبحوا يحظون بثقة عدد من المؤسسات الحكومية وغيرها، التي أصبحت منفتحة على تزيين الشوارع والبنايات باللوحات الفنية، في مختلف مدن المملكة، وخاصة الرباط والبيضاء. وأصبح فنانو "الكرافيتي" من كل بقاع العالم يجدون في المغرب ملاذا للتعبير عن أفكارهم على شكل لوحات كبيرة، مرسومة على جدران البنايات الشاهقة، فبالإضافة إلى الفنانين الشباب المغاربة، أصبح الأمريكيون والإسبان والفرنسيون وغيرهم يزورون المغرب، في إطار شراكات مع منظمات وطنية ودولية، قصد نشر فنونهم في الشوارع وبالمجان. وإلى عهد قريب كان فن "الكرافيتي" بمثابة جريمة، إذ كان الشباب يرسمون على الجدران ليلا، أو يستغلون بعض الفترات التي يكون فيها رجال الأمن في غفلة، إذ كان شائعا أن الرسامين على الحيطان مخربون ومشاغبون، يعبثون بالفضاء العام المشترك للمغاربة، غير أن السنوات بينت أن هذا الفن يمكن تبنيه حتى في الأنشطة القارية الإقليمية، كما هو الأمر في الرباط، عند الاحتفاء بها عاصمة للثقافة الإفريقية، إذ شارك 12 فنانا من سبعة بلدان. وتمكن الفنانون من إضافة 12 جدارية جديدة للرباط، إضافة إلى جدار كامل زين بلوحات تمزج بين الواقع والخيال، من خلال قصص أسطورية، ما زاد العاصمة الإدارية بهاء، وأصبحت متحفا مفتوحا في وجه سكانها وزوارها. عصام الناصيري