الجزائر لم تجهز البدائل وتركتها حبيسة وجوه مجرمة تتابعها الفضائح بقلم: الفاضل الرقيبي عقدت "بوليساريو" في السادس من الشهر الجاري، ندوتها الجهوية، تحضيرا لعقد مؤتمرها السادس عشر، فوق الأراضي الجزائرية. ولم تكن الندوة بمعزل عما كان يسبقها من أحداث. فالاجتماع الأخير لأمانة الحركة أعطى تصورا واضحا لكل الذين ما زال لديهم شك في وصول "بوليساريو" إلى طريق مسدود. فاتساع رقعة الخلافات بين القيادات، ووصولها إلى مراحل متشنجة جدا صعبا الخروج بأي إجماع مهما كانت طبيعته، ولعلها المرة الأولى التي تعقد فيها الندوة ويضطر فيها زعيم الحركة إلى الخروج علنا ومطالبة الصحراويين بالوقوف معه في وجه خصوم لم يسمهم، ولكنه أشار إلى أنهم يعاندون القدر ويحاولون، بشتى الطرق، الوصول إلى منصبه. الندوة تخللتها عدة محطات، طيلة أربعة أيام كاملة، لم يهدأ لـ "بوليساريو" فيها جفن. فكل الأجنحة كانت تضرب في اتجاه تغليب رؤيتها لما بعد المؤتمر. وشكل شرط التجربة العسكرية وتقليص عدد أعضاء الأمانة الوطنية محور معركة كلامية دامت يومين وصل خلالهما إطارات الحركة إلى مستوى غير مسبوق من الحشد القبلي والاستعانة بأصدقائهم من ضباط الأمن العسكري الجزائري. فالكل في الرابوني مستعد للعب جميع الأوراق لأجل ضمان حصته في "بوليساريو" ما بعد المؤتمر. حاولت مجموعة إبراهيم غالي، والذين يقفون في صفه من الجزائريين، وضع خارطة طريق لأجل العبور إلى ما بعد المؤتمر من خلال وضع التجربة العسكرية شرطا وحيدا يجب أن يتوفر في من يسعى إلى تقلد منصب الأمين العام لجبهة "بوليساريو" للفترة المقبلة، مع أن هذا الشرط لا يتوفر سوى في خمسة قيادات داخل الهيأة، أغلبهم محسوبون على تيار إبراهيم غالي وسالم البصير باستثناء البشير، الذي يبدو أنه يقوم بإرهاصات مدروسة لن تخرج عن إطار دعاية "بوليساريو" للفت الانتباه. التجربة العسكرية تعني أن القيادي الذي يقدم نفسه للترشح للأمانة العامة يجب أن يكون قد شارك في النزاع المسلح خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وهو ما جعل المراقبين داخل المخيمات وخارجها يتيقنون أن لجوء الجزائر إلى هذا الشرط ليس حبا في إبراهيم غالي، وإنما لعدم وجود أي شخص في نظر الجزائر، قادر على ضمان مصالحها في هذا المشروع الذي صرفت عليه الكثير، خصوصا أنها لم تجهز البدائل وتركت "بوليساريو" حبيسة وجوه محروقة مجرمة تتابعها الفضائح الأخلاقية والمالية على مدى 50 سنة الماضية. صحيح أن الأمر يعود في الأخير إلى ثكنة بن عكنون، إلا أن الجزائر ليست مستعدة حاليا للتعامل مع الجيل الثالث أو الرابع لقيادة "بوليساريو"، وتحاول، بشتى الطرق، أن تحافظ على الاستقرار، ولو على الواجهة، داخل المخيمات وهو ما ظهر صراحة خلال أشغال الندوة الأخيرة والتي لولا التدخل الجزائري المباشر في اليوم الثالث لخرجت النقاشات عن سلميتها. فشباب قبيلة "البيهات" أعلنوا صراحة توقفهم عن العمل داخل أجهزة "بوليساريو"، قبل أن تساند العديد من القبائل الأخرى هذا التوجه. كما أن قيادات رقيبات الشرق، بقيادة مصطفى محمد علي سيدي البشير، طالبت، وإن كان بشكل محتشم، بضرورة إعادة هيكلة قوانين "بوليساريو" لتتماشى مع العصر، وهو ما جاء كذلك في مداخلة عبيدة الشيخ. أما محمد سلامة، فقد طالب في اجتماع قبلي الجزائر بالتدخل لأجل حسم الخلاف حول هذه النقطة، معتبرا أن ترك قيادة "بوليساريو" لوحدها في هذا الظرف خيانة جزائرية وعدم مسؤولية تجاه هذا التنظيم، الذي يشهد انقسامات واستقالات وصراعات على الزعامة، إذ يرى قسم منها أن إبراهيم غالي هو الرجل المناسب لقيادة الحركة في هذه المرحلة، بينما يرى الآخرون الذين يتزعمهم البشير مصطفي السيد وعبد القادر الطالب عمر أن إبراهيم غالي جاء صدفة إلى هذه الحركة، وبتعليمات مباشرة من الجزائر التي تغيب عنها حساسية وطبيعة تكوين المخيمات اجتماعيا وقبليا، فأدخل الحركة في دوامة من الصراعات والانكسار الداخلي، وسلم "بوليساريو" إلى الجزائريين كاملة وبات حرس الحدود الجزائري يشرف حتى على توزيع قارورات الغاز على اللاجئين، ويجبرهم على طلب إذن الخروج والدخول إلى خيمهم. هروب قيادة "بوليساريو" بمؤتمرها، بإيعاز من عسكر الجزائر، إلى مخيم الداخلة البعيد كليا عن باقي المخيمات الأخرى ومحاصرته من قبل الجيش الجزائري، وبعض مليشياتها المسلحة، إنما يدل على خوفها ورعبها من تمرد سكان المخيمات على هذه القيادة الجاثمة على صدورها منذ نصف قرن تقريبا، والتي لجأت إلى إقصاء معارضيها من المؤتمر واستبدالهم بـ "بلطجية" إبراهيم غالي الذي انتقى بمعية زبانيته 2309 مؤتمرين، وفق معايير قبلية لا تخطئها العين لخوفه الشديد من بروز تيار قد يزيحه عن زعامة الحركة التي يقودها إلى الانفجار الداخلي بخطوات ثابتة. وما تسخير نظام شنقريحة لأجهزته الأمنية بمختلف تلاوينها داخل قاعة المؤتمر وخارجها ومعاملتها الفظة مع المؤتمرين ومراقبتها للشاذة والفاذة في تهميش تام لأمن "بوليساريو"، إلا دليل واضح على قمة التشنج الذي تعرفه ثكنة بن عكنون مع تأكد بوادر بداية نهاية صنيعتها "بوليساريو".