بماذا يمكن تفسير ارتفاع منسوب العنف في الشارع المغربي؟ من الصعب حصر العنف في الشارع فقط، بل إنه يمتد داخل كل المؤسسات الاجتماعية و إن بدرجات مختلفة. ويمكن أن نعزو ارتفاعه إلى تعقيد وتركيب الحياة الاجتماعية للأفراد وإلى تاريخ التنشئة، والتي ترسب داخل الفرد شروخا نفسية عميقة تجعله عاجزا عن مواجهة الواقع بالتفكير العقلاني المبني على قيم لا وجود لها أو اندثرت. هذا بالإضافة إلى نمو نزوع الفردانية/الأنانية في مقابل الجماعة/ الغيرية، فالفرد في مساع لتحقيق ذاته بناءا على صور نمطية يساهم الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في ترسيخها في مخيلة الفرد، ويلجأ إلى العنف بكل أنواعه ليصل إلى مآربه أو إلى تغطية نواقصه، أو جوابا عن موقف ضده... حتى ولو كانت على حساب الآخرين، هذا بالإضافة إلى الاضطرابات النفسية والعقلية التي يمكن للأفراد أن يعانوها نتيجة لطفولتهم المضطربة ومنه يصبح العنف مكونا بنيويا في حياة الفرد. ما هي المحددات النفسية للعنف؟ هناك "النموذج"، فكل فرد له نموذج يتبعه، ويقلده ويسعى لأن يكون مثله، يمكن أن يكون شخصية حقيقية تعيش داخل الحي أو شخصية سينمائية أو كرتونية .... وهذا النموذج مهما حضر العنف في تكوينه فإنه يصبح ملازما لمقلده. وهناك التنشئة الاجتماعية، وهي بوتقة بناء الشخصية. فبقدر ما يتعرض الشخص للعنف والعنف المفرط في طفولته، بقدر ما يصبح عنيفا في شبابه وكهولته. ثم "الإحساس بالدونية"، وهو شعور يترتب على موقف عدواني يحس به الفرد، أن العنف الممارس عليه هو بغرض إخضاعه، مما يدفعه إلى سلوك العنف المضاد، إضافة إلى "الإثارة"، وهو العنف الممارس من أجل اللذة فقط، إذ هناك عنف يسعى من خلاله الفرد إلى إرضاء حاجة نفسية (حالة مرضية). فما يمكننا استنتاجه هو أن العدوانية تزداد مع ازدياد الكبت، حيث يعجز الأنا بتعبير التحليل النفسي عن تكييف النزاعات الغريزية للهو مع متطلبات القيم الاجتماعية للأنا الأعلى. هل يمكن ان نتحدث عن مستويات معينة للعنف؟ العنف يترتب في ثلاثة مستويات مترابطة. المستوى الأول، وهو مستوى العنف اللين الذي يروم التأثير على الآخرين من خلال الألفاظ والتلاعب النفسي دون تأثيرات عميقة على شخصية الفرد، ثم المستوى الثاني، وهو العنف المرتبط بالحرمان من المصالح الجارية للأفراد وهو عنف يرمز لتهميش وإبعاد الأفراد عن تحقيق مآرب اقتصادية قصد إخضاعهم أو إلحاق الضرر بمصالحهم. أما المستوى الثالث، فهو العنف المؤذي لوجود الفرد ككائن حي والذي يهدد وجوده. وبالتالي، فالعنف الموجه يسلك المستويات الثلاثة لتحقيق أهدافه. أجرى الحوار: عزيز المجدوب *باحث في علم النفس الاجتماعي