نادير المحلل الاقتصادي أكد أن التدبير الناجع للميزانية يفرض عدم تخفيض النفقات الأساسية أكد محمد نادير، الباحث في الاقتصاد والمالية، أن تحسين القدرة الشرائية للفئات الهشة والمتوسطة يفرض إجراءات وتدابير أكثر جرأة في مشروع القانون المالي، من قبيل مراجعة جدول الضريبة على الدخل والزيادة العامة في الأجور. وأوضح نادير، في حوار مع "الصباح" أن التدبير الناجع للميزانية يفرض الاهتمام بكل الأوراش، وعدم تخفيض النفقات الأساسية التي ترتبط بالمعيش اليومي للمواطنين والموازنة بين المصاريف والخدمات. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني - تصوير (عبد اللطيف مفيق) يراهن مشروع قانون مالية 2023 على نمو اقتصادي نسبته 4,5 في المائة. هل يمكن تحقيق هذا المعدل في ظل ظرفية الجفاف واستمرار تداعيات كورونا وارتفاع أسعار المحروقات؟ بالفعل، يراهن مشروع قانون المالية على نمو للناتج الداخلي الخام بنسبة 4.5 في المائة، انطلاقا من فرضيات عديدة، أولاها إنتاج من الحبوب يبلغ 75 مليون طن، وغاز بوطان بسعر 800 دولار للطن، وسعر صرف الدولار بالدرهم بـ 9.824. واعتبر أن هذا معدل نمو متوسط يمكن تحقيقه بفعل تحسن مجموعة من المؤشرات الاقتصادية والمالية الوطنية. لقد عرفت الميزانية الوطنية تحسنا كبيرا، إلى غاية 31 غشت الماضي، مقارنة بالسنوات الماضية، وبلغ العجز حتى أواخر غشت 24.8 مليار درهم، مقارنة بـ40.5 أواخر غشت 2021. ماهي المؤشرات الاقتصادية والمالية التي من شأنها أن تساهم في تحقيق معدل نمو يصل 4.5 في المائة؟ بلغت المداخيل العادية 192 مليار درهم، بارتفاع 14.7 في المائة. كما سجلت المداخيل الضريبية تحسنا ملحوظا، إذ ارتفعت الضرائب المباشرة بـ26 في المائة، وبلغت الضريبة على الشركات 13 مليار درهم. وارتفعت الحقوق الجمركية بدورها بـ 21 في المائة، كما ارتفعت الضرائب غير المباشرة بـ 15.8 في المائة، وحقوق التسجيل والتمبر بـ 16 في المائة. وسجل ارتفاع كبير في مداخيل المجمع الشريف للفوسفاط، الذي حقق رقم معاملات بـ 84.3 مليار درهم في 2021، وربحا صافيا بـ 15.5 مليار درهم. كما سجل المجمع خلال السنة الجارية التقدم نفسه، إذ ارتفع رقم معاملاته بنسبة 72 في المائة، لتصل إلى 56 مليار درهم، ما ينبئ بأن تكون مساهمته قياسية هذه السنة. وسجلت تحويلات مغاربة الخارج ارتفاعا كبيرا السنة الماضية، بلغت 93.7 مليار درهم، كما بلغت السنة الجارية 47 مليار درهم، وعرفت مداخيل السياحة هي الأخرى ارتفاعا بلغ الى حدود نهاية يونيو، 27.3 مليار درهم، بارتفاع 206 في المائة، مقارنة بالسنة الماضية. حسب بنك المغرب، فإن عجز ميزان الأداءات سيبلغ 3.2 في المائة، من الناتج الداخلي الإجمالي، قبل أن يتراجع الى 1.9 في المائة السنة المقبلة. كل هذه المعطيات تؤكد أن هناك تحسنا في المؤشرات الاقتصادية والمالية، بالإضافة الى ارتفاع صادرات قطاعات السيارات والطيران والنسيج والصناعات الغذائية، وهي مؤشرات تؤكد إمكانية تحقيق معدل النمو في حدود 4.5 في المائة. تنتظر النقابات ما سيسفر عنه القانون المالي بشأن تحسين الدخل وحماية القدرة الشرائية. ما هي التدابير والإجراءات الجبائية التي يحملها المشروع؟ بخصوص انتظارات أطراف الحوار الاجتماعي من مشروع القانون المالي، بشأن تحسين الدخل وحماية القدرة الشرائية، هناك تدابير جبائية سيحملها المشروع، وهي تناقش داخل لجن الحوار الاجتماعي، وتهم نقطتين، الأولى مرتبطة بتخفيض الضريبة على الدخل من خلال رفع مبلغ الخصم الذي يهم المصاريف المرتبطة بالوظيفة أو العمل التي تبلغ حاليا نسبة 20 في المائة، مع سقف للخصم لا يتجاوز 30 ألف درهم سنويا. أما الثانية، فتهم المتقاعدين، حيث سيتم رفع نسبة الخصم من المبلغ الإجمالي السنوي الخام الذي يساوي أو يقل عن 168 ألف درهم، والتي تبلغ 60 في المائة. وهذان الاجراءان لوحدهما لن يستطيعا تحسين القدرة الشرائية للفئات الهشة والمتوسطة، التي تعاني آثار الزيادات المهولة في الأسعار، لأن مبالغ الضريبة المقتطعة من الأجور منخفضة، فعدد الأجراء المعفيين من أداء الضريبة على الدخل يبلغ عددهم 2.36 مليون أجير بنسبة 52.5 في المائة، و73.5 في المائة من الأجراء يتقاضون أقل من 4500 درهم شهريا. إن تحسين القدرة الشرائية للفئات الهشة والمتوسطة، يفرض إجراءات وتدابير أكثر جرأة، تمكن تلك الفئات من مواجهة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، من قبيل مراجعة جدول الضريبة على الدخل وزيادة عامة في الأجور. يواجه المشروع تحديات ارتفاع التضخم وتداعيات ارتفاع أسعار المحروقات وانكماش الاستثمار. كيف ستواجه الحكومة هذه الأوضاع في ظل ارتفاع مطالب الشارع والنقابات؟ يواجه مشروع قانون المالية تحديات متعددة ترتبط بارتفاع مستوى التضخم وأسعار المحروقات وانكماش الاستثمار وأزمات في سوق الشغل والخدمات الاجتماعية، ما يتسبب في ارتفاع مطالب الشارع واحتجاجات النقابات. إن الحكومة في هذا الظرف مطالبة بتحسين الدخل لحوالي 4.5 ملايين أجير و1.7 مليون متقاعد، يشكلون رفقة أسرهم العمود الفقري للتركيبة السكانية بالمغرب، خاصة أنهم المحرك الرئيسي للطلب الداخلي، ومعظمهم يستهلك المواد الأساسية الوطنية، حيث إن إستراتيجية "صنع في المغرب"، التي ينهجها المغرب، يجب أن تولي أهمية كبرى للأسواق الوطنية، كما هو حاصل في الاقتصادات الصاعدة، مثل الفيتنام وتركيا والبرازيل. إن مشروع القانون المالي يجب أن يولي أهمية لتحسين الدخل لفئات واسعة من المغاربة انهارت قدرتهم الشرائية، بفعل غلاء الأسعار المتوالية، حيث إن معدل التضخم بلغ 8.1 في المائة، حسب المندوبية السامية للتخطيط. كما يجب أن تعمل على تعميم التغطية الصحية الإجبارية لتستفيد كل الفئات من خدمات صحية في المستوى. كلفة الحوار الاجتماعي يتطلب ملف تحسين أوضاع مهنيي الصحة والتعليم بكل مستوياته، غلافا ماليا ضخما، في إطار التزامات الحوار الاجتماعي. هل تتوقعون أن تقبل وزارة المالية تضمين المشروع بعض مطالب النقابات؟ يتطلب تحسين أوضاع مهنيي الصحة والتعليم العالي غلافا ماليا كبيرا، خاصة إذا علمنا بالإغراءات التي تقدم للأطر الطبية الوطنية للهجرة الى الخارج، ما يحتم على الحكومة التعجيل بتحسين الأوضاع المادية لفئات التعليم العالي والصحة لوقف الهجرة، خاصة مع الخصاص الكبير في هذين القطاعين. والشيء ذاته بالنسبة الى أسرة التعليم في الابتدائي والثانوي التي تعتبر مركز الثقل في إصلاح منظومة التربية والتكوين، التي استنزفت أرصدة ضخمة دون الوصول الى النتائج المنشودة، بسبب الأعطاب العميقة في تدبير الموارد البشرية. لذلك، يجب على الحكومة أن تفي بالتزاماتها مع النقابات في إطار الحوار الاجتماعي. هل يمكن الرهان على الضرائب وعائدات المهاجرين وصادرات الفوسفاط فقط للتمويل، أم أن المديونية تظل أهم مصدر؟ تعتبر مصادر التمويل مهمة في إعداد الميزانية، وخلق الدينامية في الاقتصاد الوطني. وخلال ندوة والي بنك المغرب، عقب الاجتماع الفصلي الثالث، أبرز الجواهري أن مداخيل الأسفار ستصل هذه السنة الى 79.8 مليار درهم، كما ستعرف تحويلات المهاجرين زيادة الى ما يقرب 100 مليار درهم. كما أن مداخيل الفوسفاط ستتخطى 100 مليار درهم، بالإضافة الى عائدات صادرات السيارات وقطع الغيار والنسيج. كما نسجل ارتفاعا في المداخيل الجبائية من ضرائب مباشرة وغير مباشرة وحقوق جمركية وغيرها. ولا يجب أن ننسى في المقابل ارتفاع الواردات خاصة الفاتورة الطاقية، ما يتسبب في ارتفاع مصاريف المقاصة. ورغم كل ذلك، يمكن القول إن الوضع المالي للمغرب أحسن مقارنة ببعض البلدان مثل تونس والأردن ومصر، وهذا يؤكد ثبات تنقيطه الائتماني، ما يجعل خيار المديونية قائما لكن بنسب ناجعة ومدروسة وجب استثمارها في الجانب الاستثماري المنتج. ورش الحماية الاجتماعية إن تعميم الحماية الاجتماعية سيتطلب 51 مليار درهم (4 في المائة من الناتج الداخلي الخام)، موزعة على تعميم التغطية بالتأمين الإجباري عن المرض (13.8 مليار درهم)، وتعميم التعويضات العائلية (19.8 مليار درهم)، وتوسيع قاعدة المنخرطين في نظام التقاعد (16.5مليار درهم)، وتعميم الولوج للتعويض عن فقدان الشغل (1 مليار درهم). ولتمويل العملية، تمت تعبئة موارد ضريبية جديدة عن طريق المساهمة المهنية الموحدة، التي تم إدراجها في قانون المالية 2021-2022، حيث تمكنت المديرية العامة للضرائب من تعبئة 5 ملايير درهم السنة الماضية، وتعبئة 6 ملايير درهم خلال السنة الجارية. كما تمت تعبئة 10 ملايير درهم في إطار صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، ومن ضمن 51 مليارا التي ستغطي ورش الحماية الاجتماعية، ستتكلف ميزانية الدولة بـ 23 مليار درهم، أي حوالي 1.7 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهو مبلغ ليس بالكبير بالنسبة إلى ورش إستراتيجي له تداعيات اقتصادية واجتماعية على العديد من القطاعات. وفي اعتقادي، فإن تخصيص 23 مليار درهم لهذا الورش لن يؤثر على واقع الاستثمار العمومي، إذ خصصت الحكومة في مشروع القانون المالي الحالي، 245 مليار درهم للاستثمار العمومي. إن التدبير الناجع للميزانية يفرض الاهتمام بكل الأوراش وعدم تخفيض النفقات الأساسية، التي ترتبط بالمعيش اليومي للمواطنين والموازنة بين المصاريف والخدمات. سعر الفائدة رفع بنك المغرب سعر الفائدة الرئيسي إلى 2 في المائة. ما هي آثار هذا القرار على تمويل النشاط الاقتصادي، وطلبات الاقتراض من البنوك؟ في ظل ركود الاقتصاد العالمي، بسبب تداعيات كوفيد 19، وأزمة التضخم المرتبطة بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية، دخل العالم مرحلة ارتفاع كبير للأسعار وصرنا نعيش ما يسمى الركود التضخمي، الذي يجمع بين التضخم والانكماش الاقتصادي. وتبعا لذلك سارعت البنوك المركزية إلى مراجعة سعر الفائدة المرجعية، مثل البنكين الأمريكي والأوربي، اللذين رفعا سعر الفائدة أربع مرات منذ بداية الجائحة، بسبب معدل التضخم الذي فاق 9 في المائة. ويعتبر رفع معدل الفائدة الرئيسي آلية مالية رئيسية تستعملها الدول لجلب رؤوس الأموال، والاستثمار في سندات الخزينة، المتعددة الآجال، ما سيحدث طلبا كبيرا على العملة المحلية ورفع قيمتها، مع ما ينتج عن ذلك من ارتفاع وانخفاض في أثمان الصادرات والواردات. ويهدف بنك المغرب من رفع سعر الفائدة من 1.5 الى 2 في المائة، الى ضبط التضخم وخفض الأسعار، إذ بلغت نسبة التضخم 8.1 في المائة. كما يهدف إلى ضمان توازن قيمة العمل المحلية بعد ان فقد الدرهم كثيرا من قيمته مقابل الدولار، بحوالي 22.62 في المائة خلال السنة الأخيرة، ما تسبب في ارتفاع كلفة الواردات خاصة من المواد الطاقية المسعرة بالدولار. نمو مرهون بالتساقطات بني مشروع القانون المالي على فرضية تحقيق نتائج موسم فلاحي بـ 75 مليون قنطار. ماذا لو استمرت تداعيات الأزمة العالمية والجفاف؟ في الحقيقة، يبقى رهان المشروع على فرضية تحقيق محصول زراعي من الحبوب في 75 مليون قنطار مرتبطا بأن يكون الموسم الحالي مطيرا، وهذا ما يتمناه المغاربة، علما أن القطاع الفلاحي يشكل 15 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ويضمن العيش لـ 35 في المائة من السكان. كما يبقى الأمل في أن تعرف الاقتصادات الأوربية الشريك الأساسي للمغرب تعافيا، إلى جانب باقي الاقتصادات الأسيوية في الهند والصين وجنوب شرق آسيا. في سطور < من مواليد 15 أبريل 1968 بالبيضاء < متزوج وأب لطفلين < متصرف من الدرجة الأولى بمديرية الضرائب < مستوى السلك الثالث في تدبير المقاولات < باحث في العلوم الاقتصادية والدراسات المالية < عضو أكاديمية التعاون جنوب- جنوب < عضو متعاون مع منظمة العمل الدولي < نائب الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للمالية (ك دش) < عضو فريق الكنفدرالية الديمقراطية للشغل المفاوض في لجنة تحسين الدخل وتخفيض الضريبة