تصدر الفنان عمر السيد واجهة الأحداث خلال الأسبوع الذي نودعه، من حيث لا يدري، بعد أن أجرى عملية جراحية بإحدى مصحات البيضاء. عراب الغيوان الصبور والكتوم، ظل يداري آلامه منذ سنوات، بعد إصابته بمشاكل في الظهر بسبب "عرق النسا". حتى خبر إجرائه العملية آثر أن يكتمه، وهو يتصل بي ليلة ساعات قليلة قبل دخوله غرفة العمليات، مفضلا عدم نشره. لكن سرعان ما تسرب الخبر، وتصدرت صور السيد مواقع التواصل الاجتماعي، راقدا بالمصحة، بعد أن تداولها زواره من محبيه والمقربين منه، راسما على وجهه تلك الابتسامة التي تلازمه ويتحدى بها صروف الزمن والآلام. ظل عمر السيد قيدوم مجموعة ناس الغيوان، يحمل في داخله أسرار هذه المجموعة الأسطورية، وأيضا حزنه الدفين على رفاق الدرب الذين سقطوا تباعا، وظل مصرا على مواصلة قيادة السفينة رفقة بحارة آخرين التحقوا بها وعوضوا من غاب. واجه هذا الفنان مختلف المراحل الصعبة التي واجهها بصبر وحلم نادرين، بل كثيرا ما تسلح بالسخرية والابتسامة، وفي أحيان أخرى كان يتحدث بحكمة من صهرته السنون، ويفسر كل شيء من منظور فنان التقت في شخصه روافد وتيارات إبداعية مختلفة. وجدير بالإشارة إلى أن الفنان عمر السيد من مواليد الحي المحمدي وبه نشأ وترعرع وتدرج في عدة مهن، بعد أن غادر مقاعد الدراسة، قبل أن يلتحق في بداية الستينات بفرقة "رواد الخشبة" ويخوض معها أولى تجاربه المسرحية. ودفعه ولعه المبكر بالغناء والطرب إلى الالتحاق بكورال الجوق الجهوي لإذاعة الدار البيضاء، حيث احتك عن قرب بمجموعة من الأسماء الغنائية الرائدة في تلك الفترة، قبل أن يحول الوجهة مجددا نحو أبي الفنون باقتراح من المرحوم بوجميع الذي كان صديق طفولته، فالتحقا بفرقة المسرح البلدي التي كان يشرف عليها الراحل الطيب الصديقي، وقدما معه العديد من الأعمال المسرحية التي ستشكل مشتلا لتشبعهما بفكرة إنشاء فرقة غنائية تنهل من التراث والمرددات الشعبية المغربية، ستأخذ أكثر من اسم لتستقر على اسم "ناس الغيوان" بأعضائها المؤسسين وهم العربي باطما وعلال يعلى ومولاي عبد العزيز الطاهري قبل أن يلتحق بها أعضاء آخرون. وتحمل السيد مسؤولية رئاسة المجموعة التي كانت تضم فنانين بوهيميين و"مجانين" بالمعنى الإبداعي للكلمة، ولم يكن هو نفسه يقل عنهم جنونا، وتولى تدبير الأزمات والمنعطفات الحاسمة التي عاشتها إما بوفاة أعضائها أو رحيلهم كما هو الشأن بالنسبة إلى الراحل بوجميع والعربي باطما وعبد الرحمان باكا، أو تدبير الخلافات واحتوائها، لتستمر معه المجموعة بأكثر من صيغة. عزيز المجدوب