للأزمة في المغرب خصوصيات

الخبير أقصبي: الخروج منها يتطلب إعادة نظر جذرية في الاختيارات المؤسسة للتنمية قال نجيب أقصبي، الخبير الاقتصادي، إن الأزمة في المغرب لها خصوصيات، بغض النظر عن العوامل الدولية وتأثيراتها، مؤكدا أن المواطن يؤدي كلفة الريع باهظة، في ظل احتكار آليات الضبط ومنها مجلس المنافسة. وأبرز أن الأثرياء هم المستفيدون من الوضع لأنهم يتحكمون في كل شيء. واقترح حلولا جذرية للخروج من واقع الأزمة، مشرحا في هذا الحوار، مظاهرها والأسباب الخارجية والداخلية الكامنة وراءها ومواضيع أخرى. أجرى الحوار: حميد الأبيض (فاس) < هي متعددة طبعا، ومنها الأزمة الصحية الناتجة عن جائحة كورونا التي تطورت لأزمة اقتصادية واجتماعية، في ظل اختيارات مواجهتها، سيما بالحجر الصحي الذي توقفت فيه الحركة الاقتصادية بشكل شبه كلي. وهذا ما أدى إلى أزمة من نوع فريد تتعلق بأزمة عرض وإنتاج وطلب، أي أزمة استهلاك. وبحلول السنة الماضية زاد اللبس حول الجائحة ومدة وظروف استمرار انتشارها. صحيح أنه وقع انتعاش بدا قويا في الأول، لكنه في الحقيقة هش ومحدود بإكراهات متعددة ذات علاقة سيما بمشكل النقل البحري والحاويات، ما فضح هشاشة منظومة العولمة القائمة منذ ثلاثة عقود. < دورها كبير، فنحن أمام دولتين لا تخفى أهميتهما الدولية بخصوص المواد النفطية والغذائية. روسيا لوحدها تملك خمس السوق الدولية للغاز وهي ثالث مصدر للمواد النفطية في العالم. أما أوكرانيا فتعتبر مصدرا كبيرا للمواد الغذائية وللحبوب، وبالتالي فمحيط البحر الأسود يضمن 12 بالمائة من الكالوريهات الغذائية التي يقع تبادلها دوليا. فنحن إذن أمام دولتين لهما وزن كبير في الاقتصاد. صحيح أن تبعية المغرب للدولتين ليست بالقوة التي يمكن تصورها، لكن تأثير الحرب على اقتصاده قائم، لأن المغرب يستورد 17 بالمائة من الحبوب من أوكرانيا، والنسبة ترتفع بالنسبة إلى روسيا ووارداتنا من القمح. الحدة ليست كما نتوقع، لكن هذا الواقع سينعكس سلبا على الواردات لنرى أنها ارتفعت بشكل صاروخي، ومعدل تغطية الواردات بالصادرات، انخفض بشكل كبير، وهذا ما تعكسه أرقام وزارة المالية المتحدثة عن انخفاض لما تحت 56 بالمائة بعدما كان المعدل سابقا يصل إلى 61 بالمائة. < بغض النظر عن العوامل الدولية وتأثيراتها، يمكن القول أن للأزمة في المغرب خصوصيات ذات صلة بالحجر والتمديد وإغلاق الحدود وإجراءات أخرى، أضف إليها عامل الجفاف كخصوصية أولى سبقت الحرب وتسببت في مشكل اقتصادي كبير لأن الاقتصاد المغربي ما زال مرتبطا بالأساس بالفلاحة والمطر. في هذه السنة قلت الأمطار وضعف المنتوج الفلاحي والموسم الفلاحي سيء جدا، والنتيجة نمو يقل عن 1 بالمائة، وإشكالية ماء عادت وسيكون لها وقع كبير على الاقتصاد برمته. أضف إلى ذلك مشكل السياسات العمومية المفروض أن تكون أكثر نجاعة لمواجهة كل هذه العوامل مجتمعة، ببرامج جادة. سأستدل بنموذج برنامج إقلاع المخصص له 120 مليارا، من يتحدث عنه وعن مصيره، الآن؟. ماذا حقق وتحقق وما الحصيلة والنواقص؟ لا شيء نعرف عنه، وهذا مشكل كبير لأن للسياسات وقعا كبيرا على حركية الاقتصاد، ومثل هذه الأمور تطرح بحدة مشكل مصداقية السياسات العمومية لأنه غير معقول أن ترافق برنامج ضجة حول جدواه وأهميته وما سيحققه، ولا ينفذ أو بالأحرى لا نعرف عنه شيئا. < هناك انهيار ظاهر بشهادة بنك المغرب المتحدث عن 0.8 بالمائة لنسبة النمو. للأسف هذه السنة من بين السنوات الأكثر سوءا منذ 30 سنة، لأن وتيرة نمو الاقتصاد أقل من 1 بالمائة وهذا مشكل كبير. خصوصية هذه السنة، هي تزامن الركود مع التضخم وارتفاع الأسعار. وهذا الوضع لم نعشه في المغرب و باقي الدول، منذ سبعينات القرن الماضي، فالأدبيات الاقتصادية تقول إنه لما يكون هناك انتعاش اقتصادي ، يجر معه الأسعار ويكون التضخم، لكن حين يحدث انكماش يجره للأسفل. ونحن أمام مآس مزدوجة، هناك ركود وتضخم وليس هناك نمو ولنا بطالة، وهذا مشكل كبير يجر معه مشاكل الاستثمار، وأكيد أن المجهود الاستثماري لن يبقى في المستوى نفسه، وربما ينخفض. انحدر الاقتصاد المغربي للأسفل بحكم عوامل مختلفة ومنها مشكل المحروقات، لأن أسعار النفط والمواد النفطية ليست قضية مستهلك فقط، بل قضية اقتصاد لأن النفط من المداخل كما الفلاحة والصناعات المتعددة والخدمات. وهو جزء أساسي من كلفة الإنتاج. ولما يعيش قطاع حيوي أساسي واستراتيجي، هذه الفوضى أو الفضيحة بكل المقاييس، يمكن أن يزيد من أزمة الوضع الاقتصادي أكثر من اللازم. المواطن يؤدي كلفة الريع < المواطن في ظل هذا الوضع، لا حول ولا قوة له. وهو يؤدي كلفة الريع بثمن باهظ. ولنكن موضوعيين فالتضخم لم يأت من الأسعار الدولية، بل راجع لما هو داخلي، واقتصادنا دخل في دوامة التضخم في إطار احتكار الآليات الضرورية للضبط وعلى رأسها مجلس المنافسة. اقتصادنا ليس فيه آليات ضبط للحفاظ على احترام قواعد المنافسة الحقيقية. هناك حلقة داخلية مفرغة تجعل كل الأثمان تزداد، في غياب آليات ضبط. إذن هناك دينامية داخلية سلبية، تؤجج التضخم وتساهم في انخفاض القدرة الشرائية في جو وإطار سياسي واجتماعي غير مناسب بل غريب. في ظل هذا الوضع، لا أحد يجادل في أن شروط احتجاجات اجتماعية عارمة، قد نضجت، الظروف الموضوعية متوفرة لقيام احتجاجات، لكن في الواقع لا شيء يذكر. يعني هذا أن المجتمع عار ليس له من يحميه اجتماعيا وليست هناك أدوات لنضال اجتماعي مشروع وطبيعي كما في أي مجتمع، لكن ليست هناك آليات فلا نقابات ولا.. ليبقى السؤال: ماذا يحدث كي لا تتحرك الإطارات الاجتماعية للتأطير الاجتماعي بصفة مشروعة والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن. إنه وضع غير صحي. استفادة الأثرياء < في كل الأزمات دوليا، وفي تاريخ البشرية، فالأزمة يستفيد منها الأثرياء. هم المستفيدون الأوائل. ومن بين حصيلة الأزمة، الزيادة في الفوارق الاجتماعية. وفي بلدنا فالأثرياء في الحقيقة، يتحكمون في كل شيء، في السلطة السياسية والاقتصادية وحتى المالية، إذن كيف لا يربحون؟ إن لهم في قطاع المحروقات السلطة السياسية والاقتصادية، ويفرضون على القطاع والمواطن أثمنة وكلفة والنتيجة الرفع الفاحش من أرباحهم وتفقير المواطنين. والمحروقات نتاج لا يحتاج لتعليق أمام وضعية أثرياء لهم كل الشروط ويغتنمونها لجمع المال. < يمكن أن أذكر هنا صندوق المقاسة، فالحكومة تريد أن توهمنا بمساهمتها في الرفع من القدرة الشرائية للمواطن الضعيف. والحقيقة عكس ذلك رغم رفع غلافه المالي ومضاعفته إلى 32 مليار. هناك أسباب متعددة تكشف أن هذا الصندوق كما يسير حاليا في إطار بنياته وتسييره، هو صندوق يزيد من تعميق الفوارق الاجتماعية ولا يقلصها. وقس على ذلك دعم أرباب النقل وليس المهنيين والعامل في القطاع، الأمر هنا غريب جدا، ف»بحال يلا كتعلف المعلوف». أما الرفع من الحد الأدنى للأجور ب5 بالمائة، فهو كذلك مسكن، لأن 60 في المائة من الأجراء لا يستفيدون منه، والأجراء المرتبطون بأرباب العمل، بعقود، لا يمثلون إلا أقلية. صراحة هذه مسكنات أراها غير ذات جدوى، وتبدو كما لو أنك تحاول أن تعالج مريض السرطان باستعمال دواء «دوليبران». هذه المسكنات تؤكد أننا بعيدون كل البعد عن الحلول الحقيقية للأزمة السياسة الفلاحية وتحرير المحروقات < يمكن أن نتحدث عن ثلاثة دروس مرتبطة بالجائحة والأزمة، فنحن بحاجة للخدمة العمومية أحببنا أم كرهنا، كما حاجتنا للسيادة والحفاظ على الموارد الطبيعية. إن أزمة حرب أوكرانيا وروسيا، فضحت كوننا ليست لنا سيادة ولو بحد أدنى ولا أتحدث عن اكتفاء ذاتي كامل. وأقول سيادة حقيقية للغذاء والطاقة، كحد أدنى تمكن التحكم في الإنتاج وتغطية الحاجيات. للأسف مرت 15 سنة ونحن نتحدث عن الطاقة المتجددة وتوفير 52 بالمائة منها، واليوم نحن أمام معدل يقل على 8 بالمائة، فلو كان لنا 40 بالمائة من الاستهلاك لهذه الطاقة، ما كنا لنتأثر بالحرب، أما والحال على ما هو عليه، فما زلنا تابعين بنسبة 90 بالمائة من الطاقات الحصرية ومن الخارج. إن الجواب الحقيقي حول الحلول، يتطلب إعادة نظر جذرية في الاختيارات المؤسسة للتنمية. للأسف نحن فقط أمام تجارب وتجريب، على غرار النموذج التنموي, ومشكله أنه لم يعد النظر في الاختيارات المؤسسة، بقي في الاختيارات نفسها. يجب أن نعيد النظر في الاختيارات والسيادة وفي السياسة الفلاحية واختيارات الإنتاج واختيار المنتوجات حسب الإمكانيات والحاجة للغذاء. يجب أن يحافظ المغرب على مصالحه مهما كانت الخلافات الجيو استراتيجية، وأعتبر موقفه بعدم التصويت على التوصية الأولى للأمم المتحدة ضد روسيا، شيء جيد وخطوة إيجابية علينا أن نستثمرها. للخروج من الأزمة بأضعف كلفة ممكنة، يجب أن نتحلى بالجرأة ونتفاوض مع روسيا في أشياء محدودة حول إمكانية تزويدنا بما نحتاجه من النفط وبعض المواد الغذائية، في إطار اتفاق معقول ومدروس، كي تصدر روسيا للمغرب النفط بكلفة معقولة ونصدر لها في إطار صفقة متوازنة. أما بخصوص اقتراحي بخصوص المحروقات، أرى أنه لا يمكن الخروج من الأزمة دون التراجع عن التحرير العشوائي وغير المفهوم للقطاع، مع إعادة فتح «سامير» وإطلاق إصلاحات معقولة في أقرب وقت لتساهم في تخفيض وطأة الأزمة على المؤسسات والاقتصاد والمواطن.

للأزمة في المغرب خصوصيات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مصادرة أموال برلماني بمراكش

الأثرياء ... صناع الأزمة والحل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات