إضاءات على هامش قانون خطة العدالة

ضرورة التحديث والحفاظ على الذات والسعي إلى نفس جديد لتعديل القانون المنظم للمهنة خلال العقدين الأخيرين، عرفت مهنة خطة العدالة تقدما ملحوظا ساهم في رفع سقف المطالب، وأضفى شرعية على التطلعات الجديدة. وانسجاما مع كل المتغيرات، واستنادا إلى العمق التاريخي للمهنة وتمحورها الأساسي في النظام القضائي، ونظرا للدور الذي تلعبه في إثبات الحقوق وترسيخ الثقة في العدالة، فإن العدول يصبون إلى نفس جديد من خلال تعديل القانون المنظم للمهنة. إذ نذكر بالمبادئ الدستورية ونضع في الاعتبار التحديات، وندرك العوائق التي تواجه العدول، فإننا نقر أنه، على الرغم من ذلك، فإنه ممكن تحديث المهنة من خلال إطار قانوني معزز . بقلم: مصطفى امباركي* العدول، اليوم، أبانوا عن فهم عميق للإشكالات التي تعانيها المهنة ويلتقون حول الرغبة الملحة نفسها، والمتمثلة في تحديث المهنة استباقا للتحولات التي تشهدها المملكة وفق تجديد منضبط يأخذ في فلسفته تاريخ المهنة العريق والمتواصل ويضمن في الآن نفسه مواصلة أداء الخدمة العامة بآليات جديدة تكون الرقمنة والتحديث سماتها. وفي الوقت ذاته الذي تجتاز المهنة مرحلة الشك وتطرح تساؤلات حول هويتها وتزداد قرائن على إرادة تهميش دورها، فإنه ينبغي على الهيأة الوطنية للعدول أن تسعى إلى رسم مسار تقدمي وبناء مهني صلب يستمد جذوره من إرث الماضي وإرادة الحاضر. إن العدول يحملون معهم إرثا حيا وذاكرة منفتحة على المستقبل ويلتزمون بجعل تطلعاتهم ومهنتهم تواكب تطورات العالم وتساهم في خدمة المصلحة العامة. وهذا، لن يتأتى إلا بتحمل وزارة العدل مسؤوليتها لأن الوصاية على المهنة ليست امتيازا، بل تكليف يضع على عاتقها مسؤولية تحديث المهنة، هذا إلى جانب البرلمان بحيث يجب على نواب الأمة أن يضعوا في الحسبان أن هذه المهنة تعتبر محورا أساسيا في المنظومة القضائية، وكان لها دور فعال في توثيق بيعة الملوك والسلاطين في علاقتهم برعاياهم. وقد تضمن المشروع عدة مستجدات تطرح معها عدة تساؤلات، من قبيل:هل هذا المشروع يؤطر المهنة بشكل شامل ويروم تحديثها وعصرنتها؟ وهل سيساهم في استقرار المعاملات وحفظ الحقوق والتخفيف من المنازعات؟ وهل يتلاءم مع باقي التشريعات؟ يمكن القول إن هذا المشروع كان يقتضي أن يخطو خطوات إلى الإمام عوض التراجع إلى الوراء، كما أنه لم يرق إلى البعد الذي منحته قوانين مهن أخرى، بل إنه أجهز على بعض المكتسبات القانونية، لأن التصور الذي ارتكز عليه هو التشخيص الذي أبان عن محدودية القانون الحالي وهو تصور يبقى قاصرا لأنه لم ينبن على إستراتيجية شـاملة تكفل رفع التحديات المترتبة عــن تعدد أنظمة التوثيق والاستجابة لمتطلبات التنمية، بل يمكن تجاوز هذا بالحديث عن سياسة توثيقية. وعلى الرغم من أن العدول هم المرجع المؤهل لتثبيت أهم القیم المجتمعية والمحصن الدائم لحقوق المغاربة ما زال التصور القائم على أن آفاق ومستقبل المهنة لا یمكن تصوره سوى تحت الضغط وتناقضات تنظيم قطاع التوثيق دون الحسم في خيار التوثيق الرسمي وتوحيده بعيدا عن نظرية "المصالح الاجتماعية المحمیة" ونشير الى بعض المستجدات باختصار أولا: التسمية لما كان المشروع يتعلق بإعادة تنظيم المهنة فإنه كان من الطبيعي أن تكون تسميتها لا تختلف عن سابقاتها إلا أن هذا المنطق خالفه المشرع في غياب أي مبررات علمية منهجية،أو قانونية. وحتى لو سلمنا بأن المهنة تستمد اسمها من ممتهنيها،فإن مهنة العدل هي الشهادة والتوثيق معا، ناهيك على غياب أي تعريف للعدل، وهنا نشير إلىأن العبرة بنية المشرع الحقيقية لا اللفظ الذي استعمله في التعبير عن هذه النية والعبرة بنية المشرع وقت وضع التشريع لا نيته المحتملة وقت تطبيق التشريع. الإشهاد الثنائي هنالك تصوران متضادان تصور متشدد ينتصر لتفسير ضيق يرى في الإشهاد الثنائي الشرعية والضمانة القانونية، وتصور آخر ينطلق من أن الإشهاد ندب لا واجب، حسب تفسير النصوص القرآنية خاصة في المسائل المالية وما يؤول إليها. وانطلاقا من ذلك، وحسب التفسير فإن الشهادة المقصودة من النص القرآني تلك التي تتحمل بواسطة الذاكرة والعقل وتبقى حبيسة الذهن زمانا قد يطول تحملها وقد يقصر إلى وقت الحاجة إليها وأدائها للحكم بمقتضاها. أما الشهادة التي يتلقاها العدل حاليا، وتحرر في وثيقة مستقلة وتذيل بتوقيع العدلين ثم تضمن وتحفظ ماديا أو رقميا فإنه لا تحتاج لعقل بشري يحفظها، بل إن الوثيقة تظل قائمة ولها حجيتها ولا تتأثر بموقعها سواء كان عدلا،أو عدلين ولو في حالة انتهاء أهليته بعارض من العوارض. فالوثيقة تصبح مستقلة لذاتها وتصبح كائنا ناطقا بما تتضمن ولا محل لأذهان وعقول العدول بعد حفظها لأنها شهادة التوثيق. لذلك فإن فكرة مدنية المهنة باتت هي الحل إذ لا جدوى في الإبقاء على هذا النظام. إيداع الأموال نسجل بشكل إيجابي تضمين المشروع اختصاص العدل في استخلاص وتسلم الودائع وهو ما سيفتح البواب أمام العدول في كثير من القطاعات، لكن ربط هذه المسألة بنص تنظيمي فيه شيء من حتى، بالإضافة إلى أن إيداع الأموال ب(ص.ي.ت) لم يعد تلك الآلية الضامنة، ما يستدعي التفكير في آلية أخرى خاصة تلك التي منحت لهيأة المحامين. الاختصاص المكاني شكل وما زال اختصاص ممارسة العدل لمهامه داخل دائرة محكمة الاستئناف تبعية لا يمكن تفسيرها خاصة في التصرفات العقارية ويطرح السؤال ما الغاية وراء تحديد مجال ممارسة العدل وأداء المهنة على الصعيد الاستئنافية، في مقابل مهن أخرى لها المجال الترابي كاملا؟ وما هو المبرر في جعل اختصاص العدل على الصعيد الوطني في ما يتعلق بالعقار المحفظو العقار في طور التحفيظ دون غيره؟هل هو الرقابة أم التوازن وضمان التنافس الشريف بين العدول ومهن أخرى أم هو توزيع استراتيجي لسوق التوثيق بين كل المهنيين؟ إن هذه الخطوة يجب إنجاحها، وذلك بوضع ميثاق يضمن توزيع عادل للمعاملات العقارية بين جميع العدول وباقي المهنيين. إلغاء مهنة النساخة لعل أبرز تغيير ملاحظ هو إلغاء مهنة النساخة بحيث شكلت ولا زالت أحد الأعمدة في الإصلاح لأنها مرتبطة بشكل أساسي بآلية حفظ العقود والمستندات وهي إحدى الضمانات في الأمن التعاقدي. لكن التوجه نحو رقمنة الأرشيف وإشراف الوزارة على منصة العدل الرقمية فيه خطورة على استقلال المهنة مستقبلا، لذلك فان تعزيز أرشيف العدل واستقلاله هو المدخل الحقيق للإصلاح. وفي الأخير، فإن المهنة تجمع بين الأصالة والمعاصرة ينبغي تحديثها وهي دائما وإلى الأبد في حفظ الله والرعاية الملكية السامية. * (عدل باستئنافية فاس)

إضاءات على هامش قانون خطة العدالة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"كريساج" بالماء القاطع بالبيضاء

تحت الدف

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات