fbpx
مجتمع

“حفرة الشابو” … لعنة المشاريع

تمتد على آلاف الهكتارات وتحولت إلى أخطر مكان في البيضاء وألغاز تحوم حولها

زحف الإسمنت على كل شبر بالبيضاء، إلى درجة أنه اغتال أحلام البيضاويين بفضاءات خضراء، إلا مكان واحد بمنطقة سيدي مومن، عبارة عن خلاء على مساحة تصل إلى آلاف الهكتارات، ظل صامدا لسنوات أمام الزحف العمراني، ورغم ذلك لقب بحفرة “الشابو”. تحوم حول هذا المكان العديد من الألغاز، إذ كيف لم تمتد له يد المنعشين العقاريين إلى اليوم، سيما أن موقعه قريب من محطة “الترامواي” وأحياء راقية، وأيضا مصير مشاريع كبرى كانت مخصصة له من قبيل الملعب الكبير للبيضاء، والأكثر من ذلك، لم يخصص لقاطني دور الصفيح المستفيدين من مشروع محاربة السكن غير اللائق بدل تنقيلهم إلى ضواحي البيضاء، إذ رغم كثرة عددهم فلن يستطيعوا ملء ثلث المساحة.

إنجاز : مصطفى لطفي

جمعت “حفرة الشابو” كل التناقضات، فهي خطر حقيقي على سكان منطقة سيدي مومن منذ عقود وإلى اليوم، فهذا الفضاء كان مقلعا للحجارة تسبب في حوادث مميتة، وتحول إلى مرتع للجريمة ومخبأ للمبحوث عنهم ومروجي المخدرات. كما شهد مصرع عدد من الضحايا سقطوا من علو يتجاوز 30 مترا، وفي الوقت نفسه يعد موقعا إيكولوجيا، تم العثور فيه على بقايا إنسان قديم، كما تحول إلى منتجع عشوائي به طيور جذبتها بركه المائية.

تاريخ حافل

أول ما يثير في حفرة “الشابو” أنها تمتد على مساحة شاسعة جدا، البعض قدرها في أربعة آلاف هكتار، يكفي معاينتها عبر تطبيق “غوغل ماب” للتأكد من مساحتها الشاسعة. يجاور الفضاء “كاريان” تاريخيا يحمل اسم “الرحامنة”، ما زال صامدا إلى اليوم بسكانه الذين يتجاوزون 40 ألف نسمة.
في سنوات السبعينات والثمانينات، كانت “حفرة الشابو” عبارة عن مقلع للحجارة. يتذكر إبراهيم ابن المنطقة، تلك السنوات بتفاصيلها، سيما تحذيرات عائلته والجيران من شاحنات كانت تثير الهلع بسبب حملها حجارة من الحجم الكبير، ومرورها أمامهم.
لم تكن الشاحنة لترعب سكان الأحياء الصفيحية وقتها التي كانت تشتهر بها منطقة سيدي مومن، بل استعمال الديناميت لتفجير الصخور. يتذكر ابراهيم كيف أن “براكتهم” كانت تهتز مع دوي كل انفجار، محدثا تصدعات وشقوقا تستدعي إصلاحها.
دفع استعمال الديناميت سكان “الكاريانات” إلى تفادي بناء براكاتهم بالإسمنت والآجر، خوفا من انهيارها عليهم بسبب قوة هذه التفجيرات ما قد يؤدي إلى كارثة، فاكتفوا بقطع من الحديد وألواح الزنك والخشب والبلاستيك، إلى أن غادر آخر عامل المقلع، وقتها استغل الجميع الفرصة وتنافسوا في إعادة بناء براكاتهم بالآجر والإسمنت وغيرها، فالخطر قد زال.
تحولت بعض فضاءات “حفرة الشابو” إلى ملاعب لكرة القدم لأبناء قاطني الأحياء الصفيحية، إلا أنه في كل مباراة تحدث معضلة، عندما تسقط الكرة في الحفرة العميقة ويتردد اللاعبون في إحضارها، خوفا على حياتهم بحكم تضاريسها الوعرة ومخلفات عمليات الحفر في المقالع.

مشاريع في مهب الريح

المساحة الشاسعة لـ”حفرة الشابو”، أغرت مسؤولين لتحويلها إلى مشاريع كبيرة، تعود على سكان البيضاء بنفع كبير، إلا أنه تم التراجع عنها دون تقديم أسباب. كان أول مشروع أعلن عنه يعود إلى الثمانينات من القرن الماضي، ويتعلق الأمر بأكبر حديقة في إفريقيا. رصدت لهذا المشروع ميزانية كبيرة، وأشرف مسؤولون سابقون بالبيضاء على كل تفاصيله. ظل البيضاويون يترقبون تاريخ الإعلان عن انطلاقة المشروع إلى أن مرت سنين، وقتها اكتشف الجميع أن الحلم تبخر وميزانيته اختفت.
بعد سنوات عديدة، استبشر سكان المنطقة بخبر تحويل “حفرة الشابو” إلى جوهرة رياضية غير مسبوقة بالمغرب وإفريقيا، ويتعلق الأمر ببناء الملعب الكبير للبيضاء، سيما أن المكان مناسب جدا لمشروع في حجم المركب الرياضي. لكن كما وقع للحديقة، تم التراجع عن المشروع الضخم وراجت أخبار عن تحويله إلى ابن سليمان.
هذا الإخفاق، دفع فاعلين جمعويين بالمنطقة إلى مناشدة المسؤولين لاستغلال فضاء “حفرة الشابو” في مشروع إعادة إيواء قاطني السكن الصفيحي، عبر تهيئتها وتحويلها إلى بقع أرضية وتوزيعها على المستفيدين. كشف فاعل جمعوي أن ثلث مساحة “حفرة الشابو” فقط قادرة على استقبال جميع قاطني الأحياء الصفيحية بالمنطقة كاملة و”يشيط الخير”، لكن، يوضح الجمعوي، لأسباب يعرفها المسؤولون فقط، تم ترحيل أغلبهم إلى ضواحي البيضاء.

وكر الجريمة

عندما شرعت الدولة في مشروع إعادة إيواء قاطني سكان الصفيح، بعد أحداث 16 ماي الإرهابية، اعتقد أبناء المنطقة أن “حفرة الشابو” ستشهد مشاريع عمرانية، لكن لاشيء من ذلك تحقق، إذ ظلت خالية على عروشها. حولها مروجو مخدرات وجانحون مبحوث عنهم إلى أخطر مكان في البيضاء، ينطبق عليه المثل الشهير “الداخل مفقود والخارج مولود”، فبسبب تضاريسها الوعرة ومساحتها الممتدة على آلاف الهكتارات، تجد مصالح الأمن صعوبة كبيرة في شن حملات فيها، إذ غالبا ما تقتصر على المناطق القريبة، خوفا من أي مغامرة قد تكلف أمنيا حياته.
ونتيجة لذلك، تحولت “حفرة الشابو” إلى قبلة للمدمنين على المخدرات، إذ تعد فضاء مثاليا لهم وللمروجين، كما توفر لهم حماية طبيعية ضد أي مداهمة مفاجئة للشرطة.
كما شهدت المنطقة جرائم قتل، تطلبت مجهودا خرافيا من قبل مصالح الأمن لفك لغزها واعتقال المتورطين، كان أبرزها قضية العثور على جثة شاب، قتل في ظروف غامضة داخل “حفرة الشابو” وأضرم قاتلوه النار في جثته لطمس هويته.
إلى جانب جرائم القتل، فقد العديد من المواطنين حياتهم بالمكان في حوادث عرضية، أبرزها السقوط من علو يزيد عن 30 مترا، بسبب غياب حواجز أو علامات تدل على وجود حفرة عميقة، سيما بالليل، حيث يعم المكان ظلام دامس. كان آخر ضحايا “حفرة الشابو” شاب في العشرينات من العمر، قرر القيام بجولة بالمكان، ففوجئ بكلاب ضالة تطارده، فلما حاول الفرار، سقط من على ارتفاع كبير وفارق الحياة في الحين.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى