العسري: إعادة الاعتبار إلى التربية تبدأ من الحرب على مظاهر الغش والزيف والتفاهة بات الغش في الامتحانات في جميع المستويات، ظاهرة تتفاقم سنة بعد سنة، مسجلة أرقاما مخيفة تسائل جميع مكونات المنظومة التربوية والمجتمع برمته. وإذا كانت الظاهرة في السابق، حاضرة باعتبارها ممارسة شاذة، لا تثير الانتباه، بالنظر إلى نسبتها الضعيفة، وعدم تأثيرها على الصورة العامة للتعليم، إلا أنها أضحت في الآونة الأخيرة، ظاهرة تثير القلق، عمقتها التكنولوجيات الحديثة، وأجهزة الهواتف المحمولة، التي توظف في عمليات الغش. وبالعودة إلى التقارير والإحصائيات التي نشرتها مصالح الأمن، بخصوص زجر أعمال الغش في امتحانات الباكلوريا، خلال الموسم الدراسي الحالي، فقد تم ضبط 573 شخصا على الصعيد الوطني، من بينهم 468 مشتبها فيه من أجل ارتكاب أعمال الغش، والباقي يشتبه في تورطهم في قضايا تتعلق بحيازة وترويج معدات معلوماتية تستعمل لأغراض الغش المدرسي، ونشر محتويات رقمية على الأنترنيت مرتبطة به. وامتدت عمليات الغش لتشمل استغلال مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال إنشاء حسابات بغرض تسهيل الغش، حيث تم إيقاف 54 مشتبها فيه، و51 آخرين مشتبه في تورطهم في حيازة وترويج أجهزة الاتصال اللاسلكية المستعملة في عمليات الغش. ويرى مختصون في قضايا التربية والتكوين أن ظاهرة الغش لا تقف عند التعليم فقط، بل تمتد إلى باقي مجالات الحياة، وهي نتاج تراجع في القيم، إذ أضحى سلوكا ينخر باقي مناحي الحياة سواء في مواقع العمل، أو حتى داخل الأسرة ذاتها. وفي المقابل، يقلل باحثون من التهويل بمخاطر الظاهرة، معتبرين أنها ترتبط بحالات شاذة لا يمكن تعميمها، للحكم على فساد المنظومة التربوية، مؤكدين على وجود مؤشرات إيجابية تهم التحصيل والنجاح، رغم غياب بيئة ملائمة تتوفر فيها كل مقومات العملية التربوية الحديثة التي تضمن تكافؤ الفرص وشروط النجاح. وأكد أستاذ أنه لا يمكن لأي أحد إنكار تفاقم ظاهرة الغش، التي أصبحت تطفو بشكل واضح على سطح امتحانات الباكلوريا، مشيرا إلى تهرب الجميع من المسؤولية، ومحاولة رمي التهمة إلى الآخر، متناسين أن المدرسة كانت دوما مرآة عاكسة لما يجري في المجتمع. ويرى آباء وأولياء التلاميذ أن ظاهرة الغش، تبقى سلوكا مرفوضا ومعزولا، لا يجب أن يغطي على باقي الجوانب الإيجابية في المنظومة، مع ضرورة محاصرتها ومعالجة الأسباب العميقة التي تقف وراء انتشارها، وهي معقدة، وترتبط بالتنشئة الاجتماعية داخل الأسرة وباقي مكونات المجتمع، وضمنها وسائل الإعلام المختلفة، والتي تساهم في إشاعة هذه السلوكات وتعميمها، عبر إعطاء الكلمة لحالات سلبية تدافع عن الغش، وكأنه حق، في صورة سلبية تهاجم الأساتذة، لأنهم قاموا بدورهم في محاربة الغش، حرصا منهم على سلامة الامتحان، وضمان شروط المنافسة وتكافؤ الفرص بين الممتحنين. برحو بوزياني أصبح حقا أوضح جمال العسري، الفاعل التربوي وعضو النقابة الوطنية للتعليم، في حديث مع "الصباح" أن تفاقم الظاهرة يتزامن مع التغييرات التي يعيشها المجتمع، والزلزال الحاصل في منظومة القيم، والتدمير الممنهج للمدرسة العمومية، مؤكدا أن انتشار الظواهر السلبية في الشارع، انتقل إلى المؤسسة التعليمية بمختلف مستوياتها، من قبيل الغش والعنف والانحراف. ويرى الفاعل التربوي أن الغش ظاهرة اجتماعية، عمت كل مناحي الحياة، لم يسلم منه أي قطاع، فبات حاضرا في كل المجالات، ومادام الشارع هو المؤثر أكثر في مؤسسة التعليم، يقول العسري، فمسألة بديهية أن ينتشر الغش إلى درجة أصبح "حقا" ينتفض التلاميذ من أجله، وأصبح ينظر إلى كل من يحارب الظاهرة سواء من داخل قطاع التعليم أو خارجه، نظرة غريبة. إن السبب في انتشار الغش في أوساط التلاميذ والطلبة، هو الوضع الذي يعيشه المجتمع من اختلالات، وانتصار للزيف والغش، على حساب القيم الأصيلة، وهو ما يهدد بتدمير كلي للمدرسة، إذا لم يتم التصدي لدعوات شرعنة الغش، محملا المسؤولية للجميع، بما في ذلك بعض وسائل الإعلام، التي تسارع لإجراء حوارات وبث ڤيديوهات ونشر تفاهات "الغشاشين"، وهو ما يكون له أثر سلبي على المجتمع، الذي يطبع مع ظاهرة الغش. إن إعادة الاعتبار إلى المدرسة، يقول العسري، تبدأ من الحرب على مختلف مظاهر الغش والزيف والتفاهة، والانتصار لقيم التنافس المبني على العمل الجدي وتكافؤ الفرص، ولإصلاح المدرسة، وجعلها قاطرة للمجتمع، وليس مقطورة تتأثر سلبا بالاختلالات التي تخترقه، هو المدخل الضروري لبناء مجتمع المعرفة.