fbpx
ملف الصباح

الهواتف المحمولة … انطواء واكتئاب وتعب وعصبية

مؤشرات خطيرة على تعقد الحالة الجسدية والنفسية لمدمن “البورطابل”

لا تتوقف تداعيات الإدمان على الهاتف المحمول عند تضييع الوقت والجهد والمال والنجاح بالنسبة للتلاميذ والطلبة والأجراء والموظفين، بل تشمل الإصابة بأمراض خطيرة تؤثر على الصحة الجسدية والنفسية للمدن.
أيوب (اسم مستعار) لطفل لا يتجاوز عمره 5 سنوات، نموذج حي لضحايا الاستعمال المفرط للهاتف الذكي، بعد أن صار مثيرا للصراخ والفوضى والانطواء، وهي مؤشرات على إدمان سلوكي متقدم، يطلق عليه الخبراء والأطباء النفسيون اسم “النوموفوبيا”، وهو رهاب فقدان الهاتف المحمول أو عدم القدرة على استخدامه.

وفي الوقت الذي كان والدا أيوب منهمكين في الحديث وتناول الطعام على طاولة واحدة، بينما يتُرك طفلهما يحمل الهاتف المحمول منشغلا في ممارسة هوايته في اللعب إلكترونيا أو مشاهدة الأفلام الكرطونية العنيفة، دون أن يلتفتا إليه أو إقناعه بتناول طعامه الذي يظل كما هو، لتفادي شغبه الطفولي أو بعلة “غير إسالي اللعب غياكل بخاطروا” وعبارة “هذوا هما دراري ديال اليوم ما عندك مادير ليهم دابا يكبروا”، صعقت الأسرة الصغيرة بممارسات سلوكية غريبة لفلذة كبدها عكس باقي إخوته، إذ تحول الابن إلى شخص انطوائي وعنيف يعتدي على أقرانه وكل شخص يشوش عليه أثناء لعبه ب”البورطابل”.

ومن الأمور التي زرعت الخوف في نفسية الأبوين وجعلت عددا من الجيران وزوار البيت يدقون ناقوس الخطر، ظهور الطفل أيوب وهو منعزل عن باقي أقرانه لا يشاركهم اللعب، بل يظل منعزلا وهو يتأبط هاتف والدته، كما أنه لا يكترث بتجمعات أقرانه أو المناسبات العائلية من عرس أو عيد ميلاد حتى لو كان مخصصا للاحتفاء به، فهو يفضل التحاور مع الهاتف الذكي، والتفاعل مع ما بداخله من ألعاب أو رسوم متحركة بالضحك أو الصراخ عند تحقيق انتصار ما في لعبته.

ومن الأمور التي أكدت شكوك العائلة بشأن إدمان طفلها، تمرده عليها في حال إذا قررت الأم أو الأب إنهاء حصة استعمال الهاتف المحمول، حيث يصبح عنيفا محاولا عضهما أو ضربهما، أما إذا تمكنا من نزع “التليفون” فإنه يسقط على الأرض وهو يتلوى كشخص يعاني الصرع، حيث يصبح في نفسية صعبة تجعله يبكي ويصرخ بشكل هستيري، إضافة إلى إصابته بالنحافة نتيجة عدم تناول الأكل بشكل صحي يجعله ينمو كباقي الأطفال. وأمام هذه السلوكات غير السوية، سارع الأبوان إلى حمل طفلهما إلى طبيب نفسي أكد إصابته بالإدمان على الهاتف المحمول، حيث صار يخضع لحصص نفسية وترويض يتمثل في كيفية الإقلاع على “البورطابل”، فيما سارع الأب إلى استبدال هاتفه وزوجته بواحد تقليدي لفرض الأمر الواقع على ابنهما واصطحابه بشكل يومي إلى عدد من المنتزهات الطبيعية وفضاءات لعب الأطفال واقتناء ما يرغب فيه من مأكولات وحلوى لمساعدته على الإقلاع عن عادته السيئة وإنقاذه.

وليس أيوب الطفل الصغير ما عانى تبعات الاستعمال المفرط للهاتف الذكي، بل هناك مراهقون وشباب يتوزعون بين تلاميذ وطلبة وعاطلين، وجدوا أنفسهم رهينة “التليفون”، بعد أن صاروا مدمنين على استخدامه والاعتماد عليه في جميع مناحي حياتهم اليومية، بدءا بالألعاب ومشاهدة الأفلام والمسلسلات وحتى “التواصل الافتراضي” ومقاطعة العائلة وحضور المناسبات العائلية والاكتفاء فقط بالتفاعل عن طريق التعاليق.

وتسبب استعمال الهاتف المحمول لمدد طويلة وإلى ساعات متأخرة من الصباح، في ارتفاع معدلات الاكتئاب بين المراهقين في السنوات الأخيرة، واضطرابات القلق والعدائية خاصة في حال نفاد تعبئة “الكونيكسيون” التي تضطر المراهق إلى استجداء والدته أو أحد أفراد عائلته لمده بعشرة دراهم أو 20 للاستفادة من خدمات الأنترنت بهدف مواصلة مشاهدة هاتفه الذكي أو الاستعداد للسهر ليلا بعبارة “باغي نشد الستون بالليل مع صحابي”.

ويكفي القيام بجولة بعدد من الأحياء الشعبية لمعاينة عدد من الشباب، وهم متحلقون في ما بينهم يقتسمون تدخين “الحشيش” واحتساء القهوة، وهي السلوكات التي ترهق الدماغ وتزيد من إمكانية إدمانهم على المخدرات والكحول والإصابة بالنحافة نتيجة عادات غذائية سيئة، وزيادة مستويات الوحدة الاجتماعية، كما يتسبب أيضاً في الضغط العصبي والمزاج الاكتئابي واضطرابات النوم وضعف في التحصيل الدراسي، لتنتهي تلك المشاهد بنهايات مأساوية تتمثل في تفريخ مجرمين في المستقبل، أو ضحايا أمراض خطيرة.

محمد بها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى