fbpx
خاص

عبد الحليـم حافـظ … حكايـات مغربيـة

قصص العندليب مع الحسن الثاني والفنانين المغاربة في ذكرى رحيله

حلت، أول أمس (الأربعاء)، الذكرى 45 لرحيل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ أحد أبرز الأسماء الطربية التي بصمت القرن العشرين. في هذا الخاص تستعيد معكم «الصباح» علاقة المطرب المصري الراحل مع المغرب، ضمن حكايات وقصص كثيرة انطوت على تفاصيل مثيرة، اختلط فيها الواقعي بالخيالي، والوشايات والدسائس بالرعاية والاحتضان.

إعداد: عزيز المجدوب

أول زيارة لعبد الحليم حافظ للمغرب كانت في ماي 1962، وقدم العندليب الأسمر ضمن بعثة لإذاعة «صوت العرب» رفقة فرقة «أضواء المدينة» التي قامت بجولة فنية عبر مجموعة من المدن المغربية، ورافق عبد الحليم في تلك الجولة الفنية عدد من الفنانين على رأسهم عميد المسرح العربي يوسف وهبي، والممثل عمر الحريري، والمطرب محمد عبد المطلب والمطربة فايدة كامل، وأفراد الفرقة الماسية برئاسة أحمد فؤاد حسن وعازف الكمان الشهير محمود الحفناوي.
شارك في السهرة الأولى التي أحياها العندليب مطربون مشارقة ومغاربة على رأسهم الموسيقار أحمد البيضاوي والمطرب المصري محمد عبد المطلب وفايدة كامل إضافة إلى المطربة المغربية أمينة إدريس، وتخللت السهرة وصلات استعراضية قدمتها الراقصة ناهد صبري ألهبت حماس الجمهور.

أزمة حرب الرمال

سنة بعدها، أي سنة 1963 اندلعت بين المغرب والجزائر ما عرف ب»حرب الرمال»، وإثر تلك الحرب تدهورت العلاقة بين مصر والمغرب، وفي الفترة نفسها ستُمنع أغاني عبد الحليم من الإذاعات المغربية بسبب وشاية، ثبت في ما بعد أنها كاذبة، مفادها أن عبد الحليم غنى أغنية تسيء إلى المغرب، الأمر الذي استغرب له العندليب، سنوات بعد ذلك، في حوار أجراه معه سنة 68 مبعوث جريدة «العلم» إلى القاهرة سعد العلمي، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان سابقا، وطالب عبد الحليم بمحاكمته إن ثبت شيء من ذلك، الأمر الذي بلغ الحسن الثاني واستدعى العندليب خلال السنة الموالية فقدم إلى المغرب ومعه أغنيتا «الماء والخضرة» و»ليالي العيد» وهنا ستتوطد علاقته بالمغرب وملكه أقوى مما كانت عليه.
افتتان بـ”جرح قديم” واشتباك مع الدكالي
بعد أن فتحت الأبواب من جديد أمام عبد الحليم للعودة إلى المغرب، بدأ مرحلة جديدة في علاقته مع المملكة ومع فنانينها، الذين ربط معهم صداقات إنسانية وطيدة، منهم فتح الله المغاري الذي حكى، في حديث سابق مع «الصباح»، جانبا من علاقته بالعندليب قائلا إن أول لقاء حدث بينهما كان في منزل عائلة البلغمي بالرباط، وكان الفضل في ذلك اللقاء للإعلامي الراحل عزيز الفيلالي الذي كان أيضا وسيط الصلح بين العندليب والمغرب.
ويضيف المغاري أن عبد الحليم كان معجبا بالأغنية المغربية، وكان يحفظ الكثير منها، خاصة بعض الأغاني التي كتبها المغاري مثل «جرح قديم» التي افتتن بها العندليب لدرجة أنه وظف شيئا من روحها في مقطع «رميت الورد» في أغنية «زي الهوى» التي لحنها له بليغ حمدي، في ما بعد، والذي كان بدوره يحضر العديد من الجلسات الفنية التي كانت تجمعهما.
ومن بين الوقائع الخاصة التي يذكرها المغاري أنه في إحدى الجلسات في بيت الإعلامي مصطفى العلوي بالرباط، وقعت مشادة بين عبد الحليم حافظ والفنان عبد الوهاب الدكالي، إذ اتهم المطرب المصري الدكالي بأنه كان وراء الوشاية التي أبعدته عن المغرب، في الوقت الذي تمسك الفنان المغربي ببراءته، لدرجة أنهما تبادلا السباب والشتائم، واشتبكا بالأيدي لولا تدخل الحاضرين. وانفرد المغاري بعبد الحليم جانبا في الحديقة الخلفية لبيت العلوي، مهدئا إياه، وكان برفقتهما المطرب عبد الهادي بلخياط، بل إن العندليب في لحظة صفاء شرع يطعم المغاري من صحنه تعبيرا منه عن تقديره له.

نزيف بالرباط

يروي المغاري أنه في إحدى السهرات الغنائية التي أقيمت بإفران بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني، اقتضت الأوامر الملكية أن تقام السهرة في الهواء الطلق بمشاركة مجموعة من الأسماء الفنية، منهم الراحلة فايزة أحمد وعبد الحليم حافظ وفنانون مغاربة منهم عبد الهادي بلخياط وفتح الله المغاري نفسه.
وأثناء توالي الفقرات الغنائية بسهرة إفران، فاجأ الحسن الثاني جمهور السهرة بمجيئه مخففا من أعباء البروتوكول وبملابس صيفية، واختار له مكانا قريبا من خشبة الغناء التي كان يعتليها في تلك اللحظة عبد الحليم حافظ، الذي كان يغني أغنيته الشهيرة «الماء والخضرة».
وبمجرد ما وصل عبد الحليم منتصف الأغنية، فوجئ بعبد الهادي بلخياط يعتلي الخشبة ويشاركه الغناء، وهو الأمر الذي أثار حنق العندليب الذي كظم غيظه، وواصل الغناء معه إلى نهاية وصلته الغنائية.
وبعد نهاية السهرة، توجه عبد الحليم، في الكواليس، إلى عبد الهادي بلخياط بملامح متجهمة وهو يتلفظ في حقه بألفاظ نابية، قبل أن يرد عليه بلخياط، ولولا تدخل بعض الحاضرين لتطور الأمر إلى اشتباك بالأيدي كما يحكي المغاري الذي حضر الواقعة، إذ لم يتبين ما إذا كان بلخياط قد رافق عبد الحليم الغناء من تلقاء نفسه، أم بإشارة من الملك نفسه.
ورغم تلك اللقاءات الأولى العاصفة لعبد الحليم مع بعض الفنانين المغاربة منهم بلخياط والدكالي، سرعان ما تحولت علاقته بهم إلى صداقة وطيدة تجاوزوا فيها الأحقاد والضغائن، وكادت أن تتطور إلى مشاريع غنائية لم تتحقق بسبب الظروف الصحية للعندليب، كما كان الشأن بالنسبة إلى أغنية بعنوان «روح السلام» التي كتبها له فتح الله المغاري ولحنها عبد العاطي أمنا.
كما يتذكر المغاري أن عبد الحليم كان معجبا كثيرا بأغانيه منها أغنيته الجديدة، آنذاك في مطلع السبعينات، و»الله ما انت معانا»، إذ كان يحاول أن يقلد موالها «العروبي» كما يردد بطريقته الخاصة بعض مقاطعها.
ومن الوقائع التي يذكرها المغاري أنه في إحدى المرات كان برفقة عبد الحليم بغرفته بفندق «هيلتون» بالرباط، الذي اعتاد العندليب النزول فيه خلال معظم زياراته للمغرب، داهمه نزيف حاد، بسبب تناوله وجبة «كسكس»، لدرجة أن ملاءات السرير تلطخت بالدم، فاتصل المغاري على وجه السرعة بطبيب فرنسي بالرباط يدعى «شاستيل» لإنقاذ المطرب المصري.
ولما قدم الطبيب الفرنسي لإسعاف عبد الحليم، ظل المغاري معهما بالغرفة، وراعه كثيرا منظر جسد المطرب المصري، بعد أن خلع عنه الطبيب الملابس، وهو أشبه بخريطة للعمليات الجراحية التي مزقت جسمه النحيل، ولحسن الحظ فقد جنّبه الطبيب الفرنسي موتا قبل الأوان، بفعل قوة النزيف الذي داهمه.

انقلاب الصخيرات وموقف العندليب

شاءت الصدف أن يكون عبد الحليم أحد الحاضرين خلال يوم الانقلاب في 71، وكان يومها بالإذاعة عندما داهمها الانقلابيون، فاحتجزوه هناك وحاولوا إرغامه على تلاوة بيان الانقلاب، وبذكاء شديد استطاع أن يتنصل من المهمة «الثقيلة» معتبرا أن ليس من مصلحتهم أن يتلو البيان شخص غير مغربي، فأجبروا بدله الملحن عبد السلام عامر للقيام بالمهمة.
بعدها اشتدت وطأة المرض على عبد الحليم خلال سنواته الأخيرة، وسافر إلى أوربا لتلقي العلاج على نفقة الحسن الثاني، وكان قبيل وفاته في مارس 1977 يعد أغنية أخرى للمغرب، لكن الموت حال دون تحقيق ذلك.

يوناني متورط في صفقة سلاح

يروي الصحافي الراحل مصطفى العلوي، واقعة لعبد الحليم تدخل فيها لدى الحسن الثاني لإنقاذ صديق يوناني تورط في قضية ضد الحسن الثاني، أوردها في كتابه «مذكرات صحافي وثلاثة ملوك».
إذ يقول العلوي إن هذا الصديق ويدعى «المهدي» قدم إلى المغرب وقدمه عبد الحليم إلى أصدقائه وللملك الحسن الثاني، «فأصبح المهدي، رغم أنه يوناني، يعيش في الوسط المغربي كالسمكة في الماء لتتبناه الأوساط المخملية التي كانت في محيط أوفقير وكبار الضباط ونسائهم المغرمات بعبد الحليم. كما أن المهدي كان شابا أنيقا خفيف الظل، استطاع عبر أصدقائه والأبواب التي فتحت أمامه، أن يربط اتصالات وعلاقات مالية ببعض الضباط، لتكتشف المخابرات الأردنية أمرا في غاية الأهمية، بعدما كلفها الملك حسين في أعقاب انقلاب الصخيرات بالبحث في خبايا وخلفيات الانقلاب، ما جعل الملك حسين يبعث بمدير مخابراته الجنرال ندير رشيد، صاحب الماضي العسكري خلال ما يعرف بأيلول الأسود (المواجهات الدامية بين القوات الأردنية والمقاومة الفلسطينية)، فعينه سفيرا في الرباط. فاكتشفت المخابرات الأردنية أن الأسلحة التي استعملت في الهجوم على القصر الملكي، كان بعضها موضوع صفقة بين مستورديها وبين المهدي.
وأضاف العلوي أن «الحسن الثاني نسي وقتها صداقته لعبد الحليم، وتم اختطاف «المهدي» من مقر سكنه ووضع في معتقل سري ضواحي تمارة. لكن المهدي سوف يستفيد من صداقة أخرى، كانت تجمعه بالأمير مولاي عبد الله، والذي استطاع أن يعرف من أخيه الحسن الثاني مكان اعتقال «المهدي»، فكان يبعث إليه يوميا بالأكل، لكنه لم يستطع إقناع الملك بالرفق بالمهدي الذي كان ينتظره مستقبل مظلم».
لكن الفرج لم يأت إلا على يد عبد الحليم، الذي قدم بعد ثلاث سنوات من هذه الواقعة، واتصل هاتفيا بمصطفى العلوي من باريس، طالبا منه انتظاره في مطار الرباط سلا، وألا يخبر أحدا بقدومه. فتوجه العلوي مساء اليوم نفسه بسيارته نحو المطار، ففوجئ بعبد الحليم يصل إلى المغرب دون أي حقيبة، فلما سأله عن سبب ذلك، أجابه المطرب الراحل بأنه لم يحمل أي حقيبة لأنه ينوي المغادرة في اليوم نفسه أو في الغد.
وفي الطريق من المطار فاتح عبد الحليم قيدوم الصحافيين المغاربة في موضوع الزيارة وقال له «أرجوك أن تدعو لي بالنجاح، إنني الليلة على موعد مع الحسن الثاني وهو ينتظرني في إقامته بالسويسي» فلما سأله العلوي عن طبيعة المهمة التي جاء من أجلها، قال له عبد الحليم إنه يتمنى أن يعود من هذه الزيارة رفقة صديقه «المهدي».
ولما وصلا إلى الإقامة الملكية، قال العندليب للعلوي «إن لم أنجح في مهمتي سأتصل بك غدا صباحا، وإن لم أفعل فاعلم أنني نجحت وغادرت المغرب رفقة المهدي»، وفي اليوم الموالي لم يتصل به عبد الحليم فعلا، وعلم العلوي أن المطرب الراحل تمكن من إخراج صديقه «المهدي» وأخذه معه إلى باريس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.