سعـودي: عوائـق الاستثمـار مؤسساتيـة

الباحث في الاقتصاد أكد أن العلاقة غير السوية بين المال والسلطة تؤثر على التنافسية أكد نور الدين سعودي، الباحث في الاقتصاد، أن أهم عوائق الاستثمار بالمغرب مؤسساتية وسياسية، مؤكدا على ضرورة وجود دولة الحق والقانون، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة الريع والرشوة. وقال سعودي في حوار مع «الصباح» إذا كان هناك اهتمام بالمقاولات الصغرى وبالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فيمكن تحقيق التنمية المنشودة في مختلف جهات المملكة. أجرى الحوار : برحو بوزياني < بشكل عام، أعتقد أن الشروط الأساسية للاستثمار هي شروط مؤسساتية وسياسية قبل أي شيء آخر، بمعنى ضرورة وجود دولة الحق والقانون، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة الريع والرشوة. وما يعقد مهمة الاستثمار، هي العلاقة غير السوية بين الدائرة السياسية والدائرة الاقتصادية، فالخلط بين المجالين، يمكن صاحب مركز السلطة السياسية، من ضرب أي مجال للمنافسة، أو تأسيس اقتصاد تنافسي بالمعنى الحقيقي للكلمة. ولأن الدولة اختارت الليبرالية واقتصاد السوق، فإنها تروج لخطاب يشجع الاستثمار الخاص والمبادرة الحرة، ولو على مستوى اللفظ فقط. < على مستوى الاستثمار، وحسب الدراسات والأرقام المعلنة، يمثل حجم مساهمة الاستثمار الخاص الثلث، في حين أن الثلثين يعودان للقطاع العام. وحتى القطاع الخاص في بلادنا، فيه جزء استفاد تاريخيا في علاقته غير السوية مع السلطة السياسية، وفي مصلحته استمرار الوضع على ماهو عليه، لأنه مستفيد من الوضع الحالي، فالمجموعات الكبرى في قطاع البناء مثلا، راكمت ثروات هائلة في ظرف وجيز، بفضل علاقاتها غير السوية مع السلطة. < أكثر من هذا، فالشراكة التي تربط المغرب بالاتحاد الأوربي، تفرض التقدم في مسار تبسيط المساطر، إلا أن لوبيات الاحتكار في جميع المجالات الاقتصادية، تقف سدا منيعا ومقاوما لجميع الإصلاحات الإدارية، فدستور 2011 ، لحد الساعة، مازالت العديد من المبادئ التي نص عليها، لم تفعل ولم تجد طريقها إلى النور. صحيح أن فترة حكم الإسلاميين ساهمت في هذا بسبب تصوراتهم الخاصة، لكن الجميع ساهم في عرقلة مسار إصلاح الإدارة، من خلال التماطل والبطء وتأخير أوراش الإصلاح. ولنأخذ مثال الإصلاح الضريبي، أين هي توصيات المناظرات حول العدالة الجبائية، علما أن هناك مقترحات إيجابية، لكن لم تجد طريقها إلى التنفيذ. وهذا في رأيي سببه مقاومة اللوبيات المستفيدة من الوضع، والذين لديهم رجل في السلطة وأخرى في النسيج الاقتصادي. < أعتقد أن هناك جيلا جديدا من المقاولين لديه قناعة اليوم بضرورة إرساء قواعد المنافسة الشريفة، والمستثمر الوطني أو الأجنبي، إذا لم توفر له التسهيلات الضرورية للاستثمار، فإنه سيختار وجهة أخرى، فالعالم أصبح مفتوحا لتنقل الرساميل والاستثمار، حيث توجد التسهيلات والتحفيزات المختلفة. وإذا لم يبذل مجهودا على مستوى توفير شروط الاستثمار، تكون منافسة على الأقل جهويا، مقارنة مع تونس أو تركيا مثلا، فلن نستطيع جلب الاستثمار الخاص، سواء المغربي والأحرى الأجنبي، وقد لاحظنا مثلا عددا من المقاولين المغاربة الذين وجدوا شروطا أفضل للاستثمار في بلدان إفريقية، أحسن من المغرب. وفي هذا ضياع كبير بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني. < صحيح أن هناك جهودا في بعض الجهات ومساهمة للمراكز الجهوية للاستثمار في تذليل الصعاب أمام الاستثمار، فنموذج طنجة يمثل نجاحا نسبيا في هذا الصدد، إذ وجد الفاعل الاقتصادي كل الظروف المساعدة على الاستثمار، وتمكنت الدولة من خلق قطب صناعي متعدد في منطقة لم تكن تتوفر على أي شيء، لتضاهي اليوم قطب البيضاء، وتتجاوزها في بعض الصناعات. وهناك تجديد اليوم في النخب التي تدبر الشأن العام، أتمنى أن تساهم في تفعيل الجهوية المتقدمة، وتوفر شروط التنمية المحلية، وهذا دور أيضا للفاعلين السياسيين والمدنيين، في المساهمة إلى جانب الدولة، في إنجاز الإصلاحات الضرورية لرفع التحديات، فلا خيار لنا اليوم، مع التغيرات العالمية، سوى إيجابيا لانتهاز الفرص بذكاء وسرعة. < أظن أن الكرة اليوم لدى مختلف الفاعلين خاصة السياسيين، والمنتخبين في الجماعات والجهات، في هذا المجال، لأن الفئات المستفيدة من الوضع الحالي، ليست لها إرادة في الإصلاح، وحل مشاكل العقار الموجه للاستثمار في المناطق الصناعية. وهنا يمكن للجهات أن تساهم في حل المشكل، وفتح مناطق صناعية تساهم في جلب المستثمر في جميع الجهات. وأكثر من ذلك، لا يجب الاقتصار على الصناعة، فهناك جهات ومناطق لها إمكانيات للتنمية خارج الصناعة، أي في السياحة، والتي تحتاج إلى عقار، وأيضا هناك الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، الذي يشكل رافعة أساسية في بنية الاقتصاد الوطني، خاصة مع وجود عالم قروي واسع، ومتنوع، لكن يواجه عدة عوائق. وإذا كان هناك اهتمام بالمقاولات الصغرى وبالاقتصاد الاجتماعي التضامني (التعاونيات والمقاولات الاجتماعية والجمعيات التنموية...)، يمكن تحقيق التنمية المنشودة في جهات المملكة المختلفة، وخارج ما هو صناعي، بما يراعي خصوصية كل جهة. وهنا يمكن للمستثمر والمقاولات الصغرى، أن تساهم في حل مشاكل الشغل والاستقرار في الوسط القروي، والحد من الهجرة نحو المدن. < صحيح، هذا مشكل تعانيه المقاولات بخصوص تحصيل مستحقاتها، من المؤسسات العمومية والجماعات الترابية، رغم وجود قانون في هذا الإطار، إلا أن العديد من المؤسسات لا تلتزم بذلك في الآجال المحددة، وهو ما يعمق عجزها المالي، وهذا راجع إلى غياب المحاسبة مع المسؤولية، ومناهضة مختلف أشكال الزبونية والريع. وحتى في حال اللجوء إلى القضاء، يطرح مشكل الاختصاص وعدم قدرة المحاكم التجارية المحدودة على البت في جميع الملفات المعروضة عليها، ناهيك عن مشكل الرشوة التي تشكل معطى وعائقا أمام أي تنافسية حقيقية. والمقاولات الصغرى تعاني كثيرا بسبب التأخر في الأداء، والولوج إلى الطلبيات العمومية. وفي الواقع، حتى الشركات الكبرى تمارس ضغطها على المقاولات الصغرى من خلال التماطل في الأداء، وليس فقط المؤسسات العمومية أو الحكومية. والولوج إلى الصفقات ما زال مطروحا رغم التعديلات في القوانين. منظومة جبائية غير عادلة < المنظومة الضريبية غير عادلة في جوهرها، لأن البنية الأساسية لموارد الميزانية، تتشكل من الضريبة على الدخل، والضريبة على القيمة المضافة، في حين أن الضريبة على الشركات تبقى مساهمتها ضعيفة. والحال أن هناك توصيات لثلاث مناظرات وطنية تدعو إلى إصلاح ضريبي في اتجاه إقرارعدالة جبائية. وفي القانون المالي الأخير، تم تخفيض الضريبة على الشركات من 27 إلى 26 في المائة، بالنسبة إلى مقاولات القطاع الصناعي، في حين أن 50 في المائة من مداخيل الضرائب الثلاث تأتي فقط من 140 مقاولة. وتبقى مساهمة الضريبة على الدخل ( 73 في المائة) منها تتأتى من الأجور. ورغم تحقيق 47 ألف مقاولة لرقم معاملات سنوي إجمالي يبلغ 56 مليار درهم، إلا أنها لا تصرح بأي أرباح. ويبلغ عدد المقاولات التي تؤدي 25 في المائة من الضريبة على الشركات، عشر مقاولات فقط، في حين أن 24 في المائة من المقاولات، تخضع لنسبة ضريبة بمعدل 10 في المائة. في سطور - أستاذ باحث في الاقتصاد - مستشار في شؤون التعاونيات والأنشطة المدرة للدخل والمقاولات الصغرى جدا - فاعل جمعوي - صدرت له مؤلفات جماعية «الكلمة المحجوزة» و «البديل المتوسطي» و»بماذا يحلم الشباب»، و»اتفاقيات التبادل الحر... أي آثار على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمناخ» ، و»مسار آخر للمغرب» رفقة الباحث عبد العالي بنشقرون. - قام بترجمة عدة مؤلفات منها «المغرب والاستعمار» لآلبير عياش، و»الحركة النقابية بالمغرب» لآلبير عياش (صحبة عبد القادر الشاوي)، «العوامل غير الاقتصادية في التنمية» لعزيز بلال، و»الاقتصاد السياسي والسياسات الاقتصادية بالمغرب»، لنجيب أقصبي.

سعـودي: عوائـق الاستثمـار مؤسساتيـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التزوير يطيح بمنتخب كبير بمراكش

التأخر في الأداء... مقصلة المقاولات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات