بالفن نرمم علاقتنا بإفريقيا

بوبكدي قالت إن واقع الاستعباد أفظع مما نقلته في "أناطو" أفرجت المخرجة فاطمة علي بوبكدي أخيرا عن شريطها الجديد "أناطو" الذي يعد أول تجربة إخراج لها في مجال السينما، بعد تجربة مهمة في مجال التلفزيون. في هذا الحوار تتحدث بوبكدي عن ظروف اختيارها لهذا العمل، وطبيعة الموضوع الذي عالجته من خلاله، إضافة إلى أشياء أخرى تتصل برؤيتها للفرق بين الاشتغال في التلفزيون والسينما وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي. أجرى الحوار: عزيز المجدوب صراحة لم أشعر بهذه السنوات التي انقضت في التلفزيون لأني قضيتها بمتعة وأنا منهمكة في أداء رسالة كنت أشعر وكأني منذورة لها منذ أن ولجت الميدان الفني، وهو الاشتغال على التراث اللامادي ومكوناته من خلال الحكاية الشعبية والهندسة المعمارية والشخوص والملابس واللغة. كل هاته العناصر وغيرها وجدت نفسي معنية بها، ولم تكن كل هاته السنوات خسارة فيها، بل ما كان يهمني هو توثيقها وإيصالها إلى المتلقي باعتبارها جزءا من تاريخنا، ولم يكن التلفزيون سوى وسيلة تعبير فنية، لكن حلم السينما ظل مشروعا مؤجلا فقط لأنني لم أكن أعدم وسيلة لإيصال أفكاري وتصوراتي. لا ليس كذلك، بل أرفض فقط فكرة استصغار شأن التلفزيون والتقليل منه في مقابل السينما، فالتلفزيون يظل أكثر حميمية وبفضله تتسلل إلى المتلقي في عقر داره ويظل وسيلة فعالة للانتشار، لكن في الوقت نفسه يضع على المشتغل فيه مسؤولية ثقيلة وهي أن يكون مطالبا بالجودة ومراعاة مجموعة من الضوابط التي تضمن له النجاح وحسن التلقي، لكن تبقى السينما كذلك وسيلة راقية للتعبير بأسلوب مختلف وبتقنيات أخرى. فعلا الاشتغال في التلفزيون خاصة في المسلسلات يمنحك مساحة أكبر للاشتغال على الحوارات وتخصيب اللغة واستحضار الأمثال والتراث الشعبي بكثافة، وهو ما كنت آخذه بعين الاعتبار، أما حين قررت الاشتغال على عمل سينمائي، فظل اعتنائي بالجانب التراثي حاضرا سواء من خلال الملابس أو المعمار، لكن هذه المرة من خلال الحرص على التقاط شاعرية الصورة، لأن المتلقي وهو في حضرة الشاشة الكبيرة للسينما يجد نفسه مضطرا لأن يمتع بصره ويبلغ رسالته الفنية في مدة زمنية محدودة. اختيار فني نابع من قناعة شخصية، لكن هذا لا يمنع من القول إن موجة الانفتاح التي يعيشها المغرب خلال السنوات الأخيرة على دول القارة الإفريقية، أفرحتني كثيرا فنانة ومخرجة، لأن هذا الاختيار السياسي والاقتصادي من شأنه أن يرمم علاقتنا بالقارة التي ننتمي إليها، وأدرنا ظهرنا إليها بشكل أوقعنا في نوع من التعتيم على هويتنا الإفريقية، وهذا من رواسب الفكر الاستعماري الذي نجح في تشتيت قدرات وإمكانيات القارة السمراء، ما أدى إلى إضعافها حضاريا، لكن عملية إعادة لم الشتات وتوحيد القوى والجهود، يجب أن تكون مسنودة بخلفية ثقافية تعيد الاعتبار للقضايا المشتركة بين شعوب إفريقيا، وهنا تظهر وظيفة الفنانين والمبدعين والكتاب والمخرجين، في الاشتغال على هذه الجوانب لأن الفن يظل أنجع وسيلة للتقريب بين الشعوب وبه سنرمم علاقتنا بإفريقيا. بل بالعكس فقد خففت من مأساوية هذه المشاهد، فواقع الاستعباد كان أفظع وأسوأ، لكنه يظل واقعا وتاريخا، وجزءا من أخطاء الماضي التي علينا أن نكشفها ونعيد تقديمها حتى لا تتكرر، وحتى نتخلص من رواسب الفكر العنصري الذي تجذر في مجتمعنا منذ تلك الفترة وما زال يعيد نفسه بشكل أو بآخر، سيما أن الفكر الاستعماري زاد من ترسيخه وكرس تلك النظرة الاستعلائية للآخر، بل جعل بعض القبائل والمناطق تساهم في إنتاج واقع العبودية، كما هو شأن مناطق إفريقية التي كانت تمتهن اصطياد بني جلدتها وتعيد بيعهم. لا أبدا. حاولت أن أقدم قراءة مفتوحة للظاهرة، من منطلق الاشتغال على الشخصيات بشكل رمزي، ف"أناطو" المستقدمة من العمق الإفريقي لم تأت لتنافس "جواهر" على زوجها أو تخطفه لها، بل سعيت إلى تتفيه هذا النوع من الصراع والإقلال من شأنه، من منطلق أن هناك ما هو أهم، وعموما تركت الحرية للمتلقي ليفسر المشاهد والأحداث حسب ما يحلو له وما يمكن أن يستنتج منه. هي صعوبات ارتبطت أولا بعملية الكاستينغ أو اختيار الممثلين، سيما أن العمل ذو طابع دولي يضم أسماء من خارج المغرب ومن دول إفريقية مختلفة، وقد استعنت بالناقد الفني عامر الشرقي الذي يملك خبرة في السينما الإفريقية من أجل التواصل مع الفنانين من القارة السمراء، ووقع اختياري على نيسيا بنغازي، إذ وجدت أن الشرط الأول الذي أبحث عنه في بطلة العمل وهو ازدواجية العرق متوفر فيها، رغم أنه لم يسبق لها أن وقفت أمام الكاميرا فاشتغلت معها على الباقي، أما الممثلة البوركينابية ميمونة نداي فهي اسم مخضرم ومشهور إفريقيا، تجاوبت بشكل إيجابي مع سيناريو الفيلم. في سطور ـ مخرجة وسيناريست من مواليد البيضاء. ـ خريجة المعهد العالي للتمثيل والتنشيط الثقافي والمسرحي بالرباط ـ من أشهر أعمالها التلفزيونية "الدويبة" سلسلة "حديدان" و"رمانة وبرطال" و"بنت باب الله" و"شمس القنديل" و"زهر ومرشة" وغيرها.

بالفن نرمم علاقتنا بإفريقيا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سيمبا بالبيضاء استعدادا لبركان

الحكومة "تجمع" المختلين

مقالات ذات صلة