عموري امبارك … ومضت 7 سنوات

عائلة الفنان الأمازيغي الراحل احتفت بذكراه في مسقط رأسه بتارودانت بحضور أصدقائه ومحبيه وعشاق فنه
احتفت تارودانت، نهاية الأسبوع الماضي، بابنها الراحل عموري امبارك، الذي غادرنا قبل سبع سنوات متأثرا بمرض السرطان، لتبقى أغانيه خالدة في ذاكرة وقلوب جمهوره ومحبيه. وشارك في الاحتفالية التي نظمتها عائلة الفنان الأمازيغي، عدد من الأصدقاء والفنانين والباحثين والإعلاميين، الذين تحدثوا عن عموري الإنسان، وعن مساره الفني وإسهامه في تجديد وعصرنة الأغنية الأمازيغية وإيصالها إلى العالمية.
«الصباح» حضرت الاحتفالية وجاءت بهذه الورقة:
إنجاز: نورا الفواري (موفدة «الصباح» إلى تارودانت)
حج عشاق الفنان الأمازيغي الراحل عموري امبارك، من جميع مدن المغرب، وحتى من خارجه، نحو مسقط رأسه في قرية صغيرة ضواحي تارودانت، حيث ووري جثمانه الثرى، للاحتفاء بالذكرى السابعة لوفاته، التي صادفت السبت الماضي، والتي أحيتها عائلته وحضرتها العديد من الشخصيات المعروفة، من فنانين وباحثين وإعلاميين.
بدوار مزغالة، حيث قبر الراحل مشيد على شكل ضريح في مقبرة لا شواهد فوق لحودها، وكأنه الوحيد “الحاضر” و”الحي” بين موتاها، اجتمع الكل حول المكان. الفقيه يردد بعض السور من القرآن، ويختمها بالأدعية التي رددها الجميع وراءه، ودموع التأثر في المآقي، وكأن الراحل مات لتوه، وليس قبل سبع سنوات مضت.
كلهم كانوا هناك. أمام قبر فنان ليس ككل الفنانين. أخواته… أبناء الإخوة… الأصدقاء… رفقاء درب الفن والغناء… باحثون ومهتمون بالإرث الثقافي والفني للراحل… عشاقه ومحبو أغانيه التي احتفت بالمحبة والتيه والضياع والسلام وغيرها من القيم الإنسانية الراقية والنبيلة. لم يتخلف أحد عن الموعد، اللهم من تعذرت عليه الأسباب والدوافع.
عبقرية من رحم المعاناة
عموري امبارك هو نموذج فعلي للمبدع الذي ولدت عبقريته من رحم المعاناة. وهناك، في ذلك “الدوار” البعيد، استحضر الجميع الحياة القاسية التي عاشها، منذ رأى النور في 1951 واشتغاله راعيا للغنم في بلدته الفقيرة ووفاة والديه وهو في سن صغيرة، ليفترق عن باقي إخوته ويعهد به إلى إحدى المؤسسات الخيرية التي قضى بين جدرانها جزءا كبيرا من طفولته، قبل أن يكتشف موهبته في الغناء والتأليف والعزف على القيثارة، والتي كان أول فنان أمازيغي يوظف نغماتها في الأغنية الأمازيغية التي تعتمد أكثر على آلة “لوتار”، لذلك يلقبونه ب”المجدد”، رغم أن الباحث عمر أمرير، الذي كان صديقا للراحل سنوات طويلة وواكبه منذ بداياته الفنية، يفضل أن يقول إن عموري قدم إضافة نوعية جديدة للموسيقى الأمازيغية وأتى بإبداع موسيقي جديد انضاف إلى ما كان.
كان عموري مبارك ذاكرة في حفظ الأشعار والألحان، يقول أمرير، هو الذي لم يكن يتقن لغته الأم في الطفولة، بحكم دراسته بلغات أخرى، وكان يفضل الغناء بالعربية والفرنسية والإنجليزية، في بداياته مع مجموعة “سوس فايف”، قبل أن ينفتح على القصائد والأشعار الأمازيغية التي وجد فيها ضالته، ومنحته ذلك العمق والسمو الموجود في أغانيه، التي لم تكن موجهة في مجملها ل”العامة” بقدر توجهها إلى نخبة واعية مثقفة.
قيم وموسيقى كونية
بداياته الحقيقية كانت في السبعينات مع مجموعة “أوسمان”، (وتعني بالعربية البرق)، وهي المجموعة التي رأت النور بفضل عدد من الباحثين والمثقفين الأمازيغ الذين كانوا منخرطين ضمن الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، التي التحق بها عموري نفسه، والتي كانت تعتبر أول مجموعة أمازيغية تدخل عالم المجموعات بالمغرب، إلى جانب “ناس الغيوان” و”جيل جيلالة” و”لمشاهب” وغيرها من المجموعات الفنية المغربية.
يقول بلعيد العكاف، الباحث الموسيقي وأحد الأعضاء المؤسسين للمجموعة، التي شكلت ثورة في عالم الموسيقى الأمازيغية آنذاك باعتمادها آلات حديثة مثل الأكورديون والكمان، في شهادته عن عموري امبارك: “كانت الموسيقى غذاء الروح بالنسبة إليه والأوكسجين الذي يتنفسه. ويمكن أن أقول إنه واحد من أعمدة الأغنية الأمازيغية العصرية. أعاد إليها اعتبارها وكان يهدف إلى إيصالها إلى العالمية”.
كان عموري مبارك، الذي غادر “أوسمان” ورسم لنفسه مسارا مختلفا، دقيقا في اختيار أشعاره وتيمات أغانيه التي كانت تدور حول قيم السلام والتعايش والتسامح والمحبة. كانت الموسيقى، بالنسبة إليه، لغة كونية للتواصل بين الشعوب. وكان التزامه بالقضية الأمازيغية حاضرا أيضا في أعماله. يقول العكاف في شهادته حول الراحل: “لقد قدم العديد من التضحيات في سبيل الأغنية الأمازيغية. وكان يناضل من أجل توعية الشباب بقضيته المصيرية. لقد كان له إسهام كبير في حماية الأغنية الأمازيغية والسهر على إدماجها ضمن الثقافة الوطنية”.
حين تفوق على الدكالي
كان عموري أول فنان أمازيغي يظهر على شاشة التلفزيون المغربي، التي كانت حينها، حكرا فقط على الفنانين الناطقين ب”تاعرابت”. بل أكثر من هذا، استطاع أن يفوز بجائزة في إحدى دورات مهرجان الأغنية المغربية، متفوقا على عبد الوهاب الدكالي، بعد أن كاد يخرج من المسابقة خالي الوفاض، فقط لمجرد أنه فنان أمازيغي، لولا إصرار الباحث عمر أمرير، الذي كان واحدا من أعضاء لجنة التحكيم، وهو الكلام الذي أكده في سياق الشهادة التي قدمها حول الراحل.
ورغم أنه كان مجددا، إلا أن الراحل عموري كان شديد الاهتمام بتراث “الروايس”، مثلما كان شديد الإعجاب بالحاج بلعيد، أيقونة الأغنية الأمازيغية، والذي كان يجيد أداء أغانيه بصوته الجميل الذي لم يكن يخلو من مسحات شجن، هو الذي عرف برهافة حسه وسرعة بكائه.
الزاهد
رغم أن الموت أخذه كهلا، لم يصل بعد مرحلة الشيخوخة (توفي في 2015 عن سن لا تتجاوز 65 سنة)، إلا أن جميع أصدقائه ومعارفه يجمعون أنه عاش حياته بطولها وعرضها، وتمتع بها حد الثمالة. كان عموري امبارك فنانا زاهدا في المال والشهرة والأضواء ولم يكن يعير اهتماما لكل ما هو مادي. يمكنه أن يهدي قيثارته، التي هي أعز ما يملك، إلى شخص، إذا شعر أنه في حاجة إليها. وقد يتبرع بأجرته كاملة عن حفل أحياه، إذا صادف في طريقه جائعا أو محروما. الكل يجمع أيضا أن الرجل كان مرهف الإحساس شديد التأثر إلى درجة البكاء، خاصة إذا وجد نفسه عاجزا عن مساعدة صديق أو قريب. كان عموري فنانا من طينة مختلفة. مثقف وقارئ. عاطفي جدا. يحب الخير للناس. عاش ومات عزيز النفس، لا يمد يده لدعم أو إعانة من وزارة أو حكومة. رأسماله أنفة أمازيغية وإيمان قوي بقيمة الحياة والموت التي استقبلها بكل اطمئنان في إحدى مصحات البيضاء، رافضا الحديث عن مرضه، وموصيا بدفنه في قريته الصغيرة، نواحي تارودانت، في المغرب العميق، عمق أغانيه.
“تازويت نرا نكديم إنمون”
عرفت ليلة الاحتفاء بأيقونة الأغنية الأمازيغية عموري امبارك، في الذكرى السابعة لوفاته، أمسية فنية “نوستالجية”، استعاد فيها الجمهور والفنانون المشاركون، نخبة من أجمل أغاني الراحل. السهرة شارك فيها الفنان هشام ماسين رفقة مجموعته ومجموعة “إكيدار” والفنان محمد أماعي.
واختتمت السهرة، بأغنية عموري الشهيرة “تازويت نرا نكديم انمون”، (أيتها النحلة أريد رفقتك) التي أداها بشكل جماعي مؤثر، عدد من الفنانين الحاضرين، من بينهم فاطمة تيحيحيت ومولاي إسماعيل إكيدار وبلعيد العكاف ومولاي الطاهر (من مجموعة جيل جيلالة)، إضافة إلى أفراد من عائلة المرحوم.
القضية حاضرة
كانت القضية الأمازيغية حاضرة بقوة في الاحتفالية، من خلال ندوة شارك فيها الباحثون أحمد عصيد والحسين البويعقوبي وأحمد أرحموش، إذ تحدث عصيد عن دسترة الأمازيغية، معتبرا أن هذا المعطى، رغم أهميته ، لن يضمن استمرار الحياة للغة الأمازيغية، التي يجب تداولها واستعمالها بشكل يومي، منتقدا بعض المناضلين والنشطاء الأمازيغ الذين يرفعون شعارات الدفاع عن لغتهم الأم ويتحدثون الدارجة “العربية” مع أبنائهم .
من جهته، دعا أرحموش إلى ضرورة المشاركة السياسية وانخراط المناضلين الأمازيغ في العمل السياسي ودخول المؤسسات، في الوقت الذي حذر الدكتور الحسين البويعقوبي من تكرار تجربة أمازيغ القبائل، خاصة الموجودين بفرنسا، والذين فقدوا اللغة رغم الوعي القوي لديهم بذواتهم الأمازيغية.
وتأسف المتدخلون لفشل تعميم تدريس الأمازيغية، ولأن التاريخ المحدد لهذا التعميم يستحيل معه تحقيق التعميم، إذ صرحت الوزارة الوصية أن عدد مدرسي الأمازيغية لن يتجاوز 400 مدرس في كل سنة، وهو رقم اعتبروه هزيلا لا يمكن معه تحقيق التعميم، لأن نجاح تدريس الأمازيغية، هو الذي سيضمن نجاحها في الإدارة والفضاءات العامة .