يواصل قطار الإصلاح طريقه على السكة الصحيحة بجهاز القضاء، مرسلا إشارات إيجابية إلى الجميع، بأن المستقبل لن يكون إلا في مستوى طموحات المغاربة في تحقيق العدالة، وصون العدل، والمساواة أمام القانون. ورغم الصعوبات والتراكمات والمقاومات، فإن ما يجري، منذ سنوات، سواء في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أو مؤسسة النيابة العامة، وغيرهما من الأجهزة الأخرى ذات الصلة، يعطي صورة واضحة بأننا نتقدم إلى الأمام، ربما ليس بالسرعة التي نريدها جميعا، لكننا نواصل المسير، وهذا هو الأهم. لذلك، لا يمكن أن نقرأ التعيينات الجديدة في مناصب المسؤولية بعدد من المحاكم، إلا في إطار إستراتيجية واضحة للتغيير، من بين أهم محاورها، القطع التدريجي مع أنماط من التدبير، والحرص على وضع النجاعة القضائية فوق كل اعتبار، مع تحقيق أكبر قدر من الشفافية، وربط مستمر للمسؤولية بالمحاسبة. وأعطى الملك محمد السادس، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، موافقته على تعيين قضاة شباب، إذ من بين 14 مسؤولا أسندت لهم مهام رئاسة محاكم استئناف ومحاكم ابتدائية وتجارية، ووكيلي ملك، يوجد ثمانية قضاة يتقلدون لأول مرة هذه المسؤولية الجسيمة. فهذه التعيينات لا تروم، فحسب، ضخ دماء جديدة في مناصب المسؤولية القضائية بمختلف المحاكم، بل ترسل إشارات قوية بأن عهدا من «التسامح» في هذا المجال قد انتهى، وبدأ عهد جديد، لا مجال فيه للتمديدات «العشوائية»، وللمحاباة، ولـ»باك صاحبي»، أو «أنا أو لا أحد»، ولا مجال فيه أيضا لذاك المنطق في التفكير الذي «يسوق» بأن الجيل الجديد ليس أهلا لتحمل المسؤولية. ويرتبط التشبيب وتحمل المسؤولية لأول مرة، بمعطى آخر لا يقل أهمية، يتعلق بتغيير جوهري في بنية التعيينات، إذ لم يعد شرطا أن يترقى المترشح في المسؤوليات نفسها التي تقلدها. فكما يمكن أن ينتقل من القضاء الواقف إلى تحمل مسؤولية في الرئاسة، يمكن أن يكون العكس صحيحا، ما دام الفيصل الوحيد في العملية، هو التدبير الناجع للملفات والقضايا المطروحة. ويأتي التكوين وتعديل السلوك والحرص على الضبط وفرض النظام والمراقبة، والحرص الدائم على إنتاج البذور الصالحة التي تملأ فضاء العدالة في المستقبل، في مقدمة المهام المنوطة بالجيل الجديد من المسؤولين القضائيين، إذ لم يعد منصب القاضي ترفا، أو موقعا اجتماعيا فحسب، بل أمانة ثقيلة، مطوقة بواجب التطبيق السليم لثنائية ربط المسؤولية بالمحاسبة. إن طريق الإصلاح طويل بكل تأكيد، لكن مسافة ألف ميل تبدأ دائما بخطوة واحدة. لقد قطع المجلس الأعلى للسلطة القضائية مسافات وأرسل إشارات. قد يكون البعض التقطها وشرع في تغيير الذات أولا، من أجل التأقلم مع المرحلة، وقد يكون البعض الآخر مازال في «دار غفلون». وفي الحالتين معا، فإن القطار انطلق. فمرحى بالذين وصلوا في الموعد. ولا عزاء للمتأخرين.