ملامح الأبيسية في قانون الجنسية المغربي

الجنسية المغربية المبنية على رابطة الأمومة قابلة للرجوع والعدول عنها إن المشرع المغربي رغم كل محاولاته لمسايرة الدول المتقدمة، وحرصه على تفعيل مبدأي المساواة والمناصفة بين الجنسين، كما هو منصوص عليه ضمن مقتضيات الفصل 19 من دستور فاتح يوليوز 2011، فإنه للأسف ما زال من الصعب الحديث عن المساواة، فبالأحرى عن المناصفة، بمفهومها المحدد في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وذلك بحكم وجود جملة من الأحكام التمييزية على مستوى مجموعة من التشريعات الوطنية، ونخص بالذكر قانون الجنسية المغربي رقم 62.06. إذا كان الإصلاح الذي أتى به قانون 62.06 قد انطلق من تعديل الفصل السادس، وذلك مراعاة لوحدة الأسرة المغربية واستمرارها وتحقيق التوازن بين طرفي المؤسسة ومنع أي تمييز بينهما، إلا أن هذه المبادئ تم تجاهلها على مستوى العديد من الحقوق، بحيث لم يكن للمشرع المغربي النفس الطويل للحفاظ على هذه المساواة التي جعل من الفصل السادس أرضية لها. إذ يمكن القول إن قانون الجنسية المغربي، ما زال يرزح تحت وقع مجموعة من الأحكام التمييزية، التي تشكل اختلالا وقصورا في القانون المذكور، بحيث لا نجده يخص المرأة بحق إلا بعد أن يكون قد انتهك لها عدة حقوق تدعم كينونتها كإنسان. كما لم يعمل المشرع من خلاله على تفعيل مبدأ المساواة بين الجنسين بشكل مطلق، كما هو متعارف عليه دوليا، وذلك من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 (المادة 15)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لسنة 1966، والاتفاقية المتعلقة بجنسية المرأة المتزوجة لسنة 1957، وكذا اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979، والتي صادق عليها المغرب سنة 1993، ورفع بشأنها جميع تحفظاته سنة 2011 ... وغيرها من الأوفاق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي أدار لها المشرع المغربي ظهره. من هنا يمكن التنقيب والكشف عن بعض الملامح «الأبيسية» التي ما زالت تعتري وتخيم على قانون الجنسية المغربي، والتي هي كالتالي: أولا: أحقية الأب العربي أو المسلم وحده دون الأم العربية أو المسلمة في نقل جنسيته إلى أولاده، متى توافرت الشروط المقررة في الفقرة الثانية من الفصل 9، التي تخول تقديم تصريح للتعبير عن الرغبة في الجنسية لكل شخص مولود في المغرب من أبوين أجنبيين، بشرط، أولا: أن يكون الأب مزدادا بدوره بالمملكة المغربية، وثانيا: أن يكون الأب ينتسب إلى بلد تتألف أكثرية سكانه من جماعة لغتها العربية أو دينها الإسلام، وكان ينتمي إلى تلك الجماعة. فالفقرة المذكورة، كما هو واضح تتحدث عن الأب دون الأم، رغم أن الأخيرة هي التي يمكن أن تنتسب إلى بلاد تتشكل أغلبية سكانها من جماعة لغتها العربية أو دينها الإسلام، كحالة المرأة السورية أو التونسية أو الماليزية ... المولودة بالمغرب، والمتزوجة من رجل مغربي. لذلك كان من اللازم التسوية بين الأب والأم في نطاق الفقرة الثانية من المادة التاسعة، واستبدال كلمة «الأب» بلفظة «الأصل» أو التعبير مثلا بعبارة «وكانت الأم أو الأب قد ولد .. فيما إذا كانت الأم أو الأب المذكور ينتسب ...». ثانيا: إذا كان المشرع حرص على تفعيل مبدأ المساواة في منظومته القانونية، واستطاع إلى حد ما أن يزاوج بين الخصوصية المغربية وبين القيم الكونية التي تدعم الحق في المساواة وتساهم في خلق الاستقرار وتماسك الأسرة، فإن قانون الجنسية المغربي، ظل على مستوى الزواج المختلط يشكو بعض الفراغات التي تؤثر وتحد من الحماية القانونية للمرأة. وهو الأمر الذي يصدق على نص المادة 10 من قانون 62.06، التي أعطى المشرع من خلالها الحق للرجل المغربي في منح جنسيته إلى زوجته الأجنبية، منكرا بذلك حق المرأة المغربية المتزوجة من رجل أجنبي مسلم في منحها جنسيتها له، ذلك أن تطبيق هذه المادة يجعل عائلة المرأة المغربية المتزوجة من أجنبي خاضعة باستمرار لمستلزمات قانون الهجرة، الشيء الذي يفرض على زوج وأطفال الأخيرة العديد من المشاكل المرتبطة بالتأشيرة وبطاقة الإقامة، وهو ما يحول حياة الكل إلى جحيم حقيقي أحيانا. فلماذا إذن لا يعامل الرجل المسلم الأجنبي المتزوج بإمرأة مغربية بالرعاية التي تعامل بها المرأة الأجنبية المتزوجة من رجل مغربي، ما دامت الغاية والهدف واحد، هو استقرار الأسرة المغربية ؟ وكيف يعقل أن يمنح المغربي جنسيته لزوجته الأجنبية بعد سنة من التصريح، في حين نجد أن هناك حالات جاوزت أكثر من 20 سنة، ولم تستطع المغربية منح جنسيتها لزوجها الأجنبي وأطفالها؟ ثالثا : إذا كان المشرع قد نص من خلال الفصل 24 من قانون 62.06، على إمكانية تمديد أثر التجريد من الجنسية المغربية إلى زوجة الشخص المعني بالأمر وأولاده القاصرين، فإنه بإعمال مفهوم المخالفة، لا يمكن تمديد أثر التجريد إلى زوج المرأة التي تمّ تجريدها من جنسيتها. رابعا: أن أبناء الأجنبي الذي اكتسب الجنسية المغربية بمقتضى الفصل 9 من قانون الجنسية، يكتسبون معه هم أيضا الجنسية المغربية تبعا لأبيهم، بخلاف الأجنبية، فلا يطال أثر هذا الاكتساب أولادها (الفصل 18 من قانون 62.06). خامسا: إذا كان المشرع قد حاول تكريس مبدأ المساواة بين الجنسين، من خلال الفصل 6، الذي جاء ضمن طيات قانون 62.06، وذلك بتخويل الأم المغربية حق نقل جنسيتها إلى أولادها على قدم المساواة مع الأب، إلا أن هذه الندية في هذا الحق لم تكن تامة وشاملة، إذ المتمعن في الفقرات الأربع الأخيرة من الفصل 19، يجد بأن هناك فارقا جوهريا بين الجنسية المستندة بناء رابطة النسب من جهة الأب، وبين تلك الممنوحة استنادا إلى الانحدار من أم مغربية متزوجة من رجل أجنبي، ذلك أن الجنسية المستمدة من أب مغربي هي جنسية نهائية وحصينة ولا مجال فيها للاختيار بينها وبين غيرها، ولا للتعبير عن الرغبة فيها أو العزوف عنها ولا العدول عنها، ولا تحتاج أصلا إلى تصريح، لذلك يقال لها «الجنسية المفروضة». أما الجنسية المغربية المبنية على رابطة الأمومة، فرغم أنها جنسية أصلية، فإنها جنسية قابلة للرجوع والعدول عنها بين السنتين الثامنة عشر والعشرين من عمر الولد الناتج عن الزواج المختلط بين امرأة مغربية وزوج أجنبي، ومعنى هذا أنها لا تتساوى تماما مع الجنسية الأصلية المستمدّة من الانحدار من أب مغربي. ولعل ملامح الأبيسية المشار إليها، لا تبرز على هذه المستويات فقط، بل حتى على مستوى التخصيص اللفظي للذكور دون الإناث، رغم عدم قصد المشرع للتفرقة بينهما أحيانا، كما هو الشأن في الفصل 19، عند حديثه عن حالات فقدان الجنسية، حيث نجده يخص «المغربي الرشيد» و»المغربي ولو كان قاصرا» وهكذا بالذكر، مع أن المغربية هي أيضا مخاطبة في هذا الشأن، ولذلك كان على المشرع أن يعبر على الأقل بـ»الشخص» حتى يشمل الجنسين معا. بقلم: سعيد موقوش

ملامح الأبيسية في قانون الجنسية المغربي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحبس لوسيطة في تجارة القرقوبي

البراءة لمساعدة بيطرية من جناية تسميم عشيقها

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

البراءة لمساعدة بيطرية من جناية تسميم عشيقها